قلب وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان الطاولة على بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، معلنا استقالته قبل أيام، وعادت الحكومة الإسرائيلية من جديد بأغلبية محدودة، ما يعرضها للابتزاز المستمر، ويشل عمل الكنيست، ويطرح سيناريو الانتخابات المبكرة في إسرائيل، ضمن مشهد يسيطر عليه التنافس بين قوى اليمين المتطرف وسيكون لأي تطور فيه تداعياته على الوضع العام برمته.
تحولت عملية عقد انتخابات مبكرة خلال فترة من 90 يوما إلى 150 يوما إلى سيف مسلط على رقبة نتنياهو وأنصاره، الذين يحاولون تأجيلها بحجة أنها مضيعة للمال والوقت. وحفلت الساحة الإسرائيلية بالمزيد من الجدل حولها، وتوازنات القوى الحاكمة لكل حزب، في بيئة طرأت عليها تغيرات درامية في الأعوام الماضية، لم تجعل من عملية الانتخابات وسيلة للهروب إلى الأمام، ربما حولتها إلى أداة للهروب إلى الخلف.
قد تؤدي سيناريوهات الأزمة الراهنة إلى احتفاظ الحكومة بالحد الأدنى من تماسكها حتى موعد الانتخابات، أو تفكيك الائتلاف بسبب الخلافات حول الميزانية وقانون الإعفاء من التجنيد للمتدينين، ناهيك عن احتمال تزايد انسحابات الأحزاب منها.
يتصدر المشهد السياسي حزب الليكود برئاسة نتنياهو، وله 30 مقعدا حاليا، وفي ظل عدم ترشح أحد أمامه في الانتخابات الداخلية للحزب، لا يزال هو المرشح الوحيد للحزب.
وفقا للسيناريو الأقرب للتحقق لن يكون الليكود قادرا على تحقيق نفس النتيجة بسهولة، لتورط نتنياهو وعدد من المقربين منه في قضايا فساد كبرى، بجانب استقالة موشيه يعلون وزير الدفاع السابق من الحزب ومن الكنيست، وعزمه تأسيس حزب جديد، ما يؤكد أنه يسحب من قوة وشعبية الليكود، وربما يجذب له عددا من قيادات الليكود الحالية.
ربما تؤثر على النتائج النهائية لحزب الليكود عوامل محددة، منها عوامل من خارج الحزب على غرار الموقف النهائي لجدعون سعار، القيادي العائد للعمل السياسي بعد استقالته لفترة، واعتزام بيني جنتس، رئيس الأركان السابق، الانضمام لحزب سياسي، وتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو في إحدى قضايا الفساد محل التحقيق.
الحاصل أن حزب الليكود الذي وصل في انتخابات سابقة إلى نحو 50 مقعدا، من غير المتوقع أن يصل إلى الرقم 30 في عدد المقاعد في انتخابات الكنيست المقبلة، والتي تحمل رقم 21 في تاريخ إسرائيل.
تغير المشهد الانتخابي
يمكن أن يتغير المشهد في الانتخابات المقبلة بسبب نسبة التصويت مقابل إجمالي من له الحق في التصويت. فقد بلغت في الانتخابات الماضية 72.43 بالمئة، ومتوقع أن تنخفض قليلا، جراء الفتور العام في الاهتمام بالقضايا السياسية، علاوة على انعكاسات الوضع الأمني في قطاع غزة وتبعاته على مزاج الناخبين وقرارهم النهائي، مع كثرة الوعود الانتخابية والمزايدات والتهديديات باغتيال عدد من قادة حماس.
لا ترغب إسرائيل كعادتها في تحمّل مسؤولية إعاشة 2 مليون مواطن فلسطيني، ولا تريد أن تتورط في حرب برية داخل القطاع، ولن تقبل القيام بعمليات محدودة باستمرار، لتحاشي المزيد من الانتقادات الدولية.
وقال مروان كنفاني، مستشار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، لـ”العرب”، “يبدو أن نتنياهو، وليس إسرائيل، في مأزق حقيقي في الفترة الحالية قد تنهي سباقه المحموم لتسجيل أطول احتفاظ لمنصب رئيس وزراء في إسرائيل منذ إنشاء الدولة”.
وأدّت أخطاء نتنياهو المتكررة على الصعيدين الداخلي والدولي إلى هذا الموقف الصعب، ومنها التسلل الفاشل لمفرزة عسكرية إسرائيلية في أراضي قطاع غزة مؤخرا، والذي أفضى لمقتل ضابط إسرائيلي، وهو ما تسبب في انهيار خطير للهدنة بين إسرائيل وحماس، والتأثير سلبا على شعبية نتنياهو.
وأشار كنفاني إلى أن نتنياهو قد يتمكن من الاستمرار في الحكم بالتشكيل الحالي لوزارته الضعيفة العرجاء لمدة أشهر قبل الخضوع لانتخابات جديدة، لكن من الصعوبة أن يحصل حزبه على نسبة جيدة من المقاعد. وتكمن فرصته الحقيقية في الاستفادة من نجاحه في استغلال أحد افتراضين، أولهما استفزاز حماس للقيام بعمل عسكري ضد إسرائيل، ثم توجيه ضربة عسكرية قاصمة للحركة وقيادتها، ليستعيد زمام المبادرة ورأب صدع ائتلافه ويتمكن من الحصول على ثقة قطاع من الإسرائيليين. أمّا الافتراض الثاني، فهو قبول حماس في مفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل لتثبيت التهدئة بشروط جديدة وصارمة تحقق مطالب إسرائيل، خاصة في ملف حماية المستوطنات.
ولا يرى المؤرخ الفلسطيني إلياس نصرالله، سيناريو استمرار نتنياهو، “أملا في حدوث تغيير سياسي يوفر للمنطقة ولو قليلا من الراحة، وسيكون انتظار أن يأتي الفرج من بعد هذه الانتخابات مضيعة للوقت، ما يحدث الآن هو صراع على السلطة”.
تدور ملامح الصراع بين قوى اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو، والقيادات الأكثر تطرفا، المؤلفة لمجموعة من الأحزاب الصغيرة نسبيا، وأبرزها وزير الدفاع المستقيل أفيغدور ليبرمان وحزبه (يسرائل بيتينو)، ووزير التعليم نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهودي.
لا يرغب نتنياهو في الذهاب إلى انتخابات مبكرة، فهو رئيس الوزراء ولدى حكومته شرعية قانونية لمدة أربع سنوات تنتهي في نوفمبر 2019، فعلامَ يتبرع بإجراء انتخابات مبكرة؟
يوضح إلياس نصرالله، أن نتنياهو ما زال أمامه عام كامل، ولا خوف على حكومته من حدوث انقلابات خطيرة في المواقف السياسية، فهذه الانقلابات تأتي عادة من اليسار، وهو ضعيف الآن، ولا توجد سوى مناكفات من جانب اليمين، وهذه يستطيع نتنياهو التعايش معها. ومع أن أزمة انسحاب ليبرمان من الائتلاف الوزاري كبيرة، إلا أن نتنياهو يملك أغلبية 61 مقعدا من مجموع 120، هي كل مقاعد الكنيست الإسرائيلي.
وأعلن نفتالي بينيت بقاءه في الائتلاف، وتجاوز عن استيائه من نتنياهو، المتعلق بقراره الخاص بهدم قرية الخان الأحمر الفلسطينية على الطريق بين القدس وأريحا، ووصل الوضع السياسي في إسرائيل إلى مرحلة عدم وجود بديل مناسب من داخل حزب الليكود الذي يتزعمه أو الأحزاب الأخرى.
لا بديل لنتنياهو
تعد تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية سابقا، المنافسة الوحيدة حاليا، وكانت انشقت عن حزب الليكود وذهبت منفردة إلى الانتخابات في الدورة السابقة، ولم تحصل سوى على أربعة مقاعد، ولم يحصل يائير لبيد، زعيم حزب يوجد مستقبل اليميني على أكثر من 11 مقعدا.
ويقول نصرالله لـ”العرب”، “إذا كان هذا الوضع، فمن أين يأتي التهديد لنتنياهو؟ فهذه الحقائق يعرفها منافسوه، وبالأخص ليبرمان ونفتالي بينيت”.
على الصعيد الخارجي، ساهمت تقوية التحالف بين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب والحزب الجمهوري في إضفاء المزيد من العنفوان لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي، وضمن بذلك أن يبقي لإسرائيل دورا رئيسا في المخططات الأميركية في المنطقة. لكن، كل ذلك لا يعني أن استمرار نتنياهو مضمون، حيث أعلن 74 بالمئة من الإسرائيليين الذين شملهم استطلاع رأي جرى في منتصف نوفمبر الجاري، عن عدم رضاهم عن الأداء الأمني في غزة.
وأظهر الاستطلاع الذي نشرته صحيفة معاريف مؤخرا، أن الليكود بدأ نزيف المقاعد، فبعد أن وصل منذ ستة أشهر فقط إلى 35 مقعدا هبط إلى 29 مقعدا، بينما سيحصل حزب يش عاتيد على 18 مقعدا، وينخفض عدد مقاعد القائمة المشتركة بمقعد واحد ويصل إلى 12 مقعدا، ويحصل البيت اليهودي على 11 مقعدا.
توقع الاستطلاع أنه في حالة انضمام الجنرال بني جينس للعمل السياسي سوف ينخفض الليكود إلى 24 مقعدا، ومن المرجح أن يحصل بمفرده على 15 مقعدا، وينخفض عدد مقاعد “يش عاتيد” إلى 13 مقعدا، والمعسكر الصهيوني إلى 8 مقاعد.
قد يكون السيناريو الكارثي على نتنياهو، قبيل أو أثناء الحملات الانتخابية، صدور حكم بإدانته بشكل صريح في أحد ملفات الفساد المفتوحة في وجهه، أو اتحاد أحزاب الوسط برئاسة موشيه يعلون، مع معسكر أحزاب اليسار بقيادة إيهود باراك (حال عودته للحياة السياسية)، وربما القائمة العربية دون أن تنضم رسميا للائتلاف الحكومي.
يبقى الكابوس الحقيقي والسيناريو البائس لنتنياهو هو إعلان رئيس الأركان بني جينتس دخول الحياة السياسية، فقرار من هذا النوع يضاعف عدد مقاعد حزب “يش عاتيد” إذا انضم إليه، أو يصل بالمعسكر الصهيوني إلى 26 مقعدا، حال انضمامه إليه، ما يمثل خسارة مؤكدة ليس لليكود، بل يلحق ضررا بالغا بمعسكر اليمين المتشدد بأكمله، ومتوقع أن يحصل بني جينتس لو أسس حزبا بمفرده على 19 مقعدا.
وسعيا للتصدي لشعبية جنتس بعد أن هاجم السياسات الأمنية لنتيناهو، عبرت وزيرة الثقافة ميري رجيف عن استيائها من تصريح لجينتس طلب فيه من سكان مستوطنات غلاف غزة ممارسة حياتهم بشكل عادي رغم القصف، ما أسفر حسب مزاعمها عن مصرع أحد المستوطنين.
وبدأت حرب الكلمات تتصاعد بين المعسكرين، وذكّر عدد من المناصرين لنتنياهو أن جينتس فشل في قيادة الجيش الإسرائيلي في عملية الجرف الصامد ضد غزة عام 2014، لقي فيها 69 جنديا مصرعهم.
العرب