واجهت السعودية في الفترة الأخيرة هجمات متصاعدة ضدها وصلت ذروتها إثر مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وسبقها توتر في العلاقات مع كندا وحملات إعلامية من وسائل إعلام غربية، وتحديدا أميركية، ضد سياسات الرياض في اليمن ومقاطعة قطر كما التناول التقليدي للملف الحقوقي في السعودية، مقابل هذا يرصد المراقبون غياب رد فعل قوي للإعلام السعودي تجاه هذه الحملات، معتبرين أنه يمثل الحلقة الأضعف في السياسة السعودية الجديدة. واعترف سعود الريس، رئيس تحرير صحيفة “الحياة”، بهذا الضعف واصفا الإعلام السعودي بالمتهالك، وأنه يحتاج إلى مراجعة داخلية عميقة وتطوير ذاتي حتى يكون قادرا على رد الفعل ومنازلة هجمات إعلامية منظمة ومرتّب لها.
الرياض – انتقد سعود الريس، رئيس تحرير صحيفة الحياة في السعودية والخليج، “تهالك” الإعلام في المملكة العربية السعودية، الذي لم “يكن قادرا على مواجهة الحملة الإعلامية المنظمة التي تعرّضت لها السعودية”، من قبل وسائل إعلام بأجندات خاصة.
واعتبر الريس، في تصريحات لبرنامج ما وراء الحدث، أن الإعلام السعودي رغم ريادته، إلا أنه “بلا تأثير”، وهو يحتاج اليوم إلى استراتيجية حقيقية توظف الإعلام بشكل أفضل، خصوصا على مستوى التوجه إلى الخارج، وفي ظل مساعي المملكة للمزيد من الانفتاح على العالم وإصلاح صورتها إثر الحملات التي واجهتها على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
ويؤيد مراقبون وخبراء موقف الريس، مشيرين إلى أن الإعلام هو الحلقة الأضعف في رؤية التغيير السعودية.
ولئن كانت قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي النقطة التي أفاضت هذه الكأس، فقد كان هذا الضعف واضحا في مناسبات أخرى، حيث كان واضحا افتقاد السعودية للوبي إعلامي قوي قادر على مواجهة الحملات التي تشعلها جبهات إعلامية خارجية عديدة لتصفية حسابات مع الرياض أو ابتزازها أو تحقيق غايات ومصالح.
وعبّر أنتوني كوردسمان، الخبير بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة، عن هذه الأزمة في تعليقه على استثمار تركيا لقضية جمال خاشقجي بقوله، إن “أردوغان سارع إلى اغتنام هذه الفرصة وتلاعب بوسائل الإعلام الغربية، التي تعتمد في تقاريرها على تدفق العديد من الأخبار الفورية ذات المنظور الضئيل، بينما كان الجانب السعودي يتعامل بضعف من خلال قيامه بحملة علاقات عامة وبدا كأن السعودية كانت تتوسل من خلال هذه الحملة للحصول على تغطية سياسية”.
وتعمل الرياض، حسب الريس، وفق سياسة هادئة حيث تسعى إلى تكوين علاقات مع الدول، وهي ليست في حاجة إلى شراء أصوات أو أقلام للتحدث عنها، لكن ذلك لا يضمن وحده الرد على الحملات المضادة، فالسعودية مثلا ورغم التجارب الإعلامية الرائدة لا تملك قنوات تتواصل مع الخارج بلغته وأساسا باللغة العالمية الأولى وهي الإنكليزية، والصحف وحدها لا يمكن التعويل عليها، حيث لا تكتفي للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الرأي العام الخارجي، فيما ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي للاستهلاك الداخلي.
الهجمات الإعلامية التي تكثفت مؤخرا في الصحافة الأميركية، والغربية الموالية لها، تكشف قصورا في السياسة الإعلامية السعودية، وقصورا في عمل جماعات الضغط السعودية المتواجدة في الغرب
الهجمات الإعلامية التي تكثفت مؤخرا في الصحافة الأميركية، والغربية الموالية لها، تكشف قصورا في السياسة الإعلامية السعودية، وقصورا في عمل جماعات الضغط السعودية المتواجدة في الغرب
وكثيرا ما تأثرت وسائل الإعلام وصحف غربية كبرى بلهجة معلقين وكتاب حملت عداء تجاه السعودية، ضمن أزمة يضاعف منها غياب ثقافة الرد السعودية، فمثلا نادرا ما يكون الإعلام السعودي مواكبا من حيث تصريحات المسؤولين لهذه الحملة أو تلك، من ذلك ما حصل في قضية مقتل خاشقجي.
وتأتي أغلب الحملات من الولايات المتحدة، الحاضنة الشعبية للوبيات إعلامية مؤثرة، على غرار اللوبي الإسرائيلي والإيراني. واستدركت الرياض، منذ تصاعد الأزمات في المنطقة على خلفية التحركات الإيرانية، هذا النقص وسعت إلى دعم اللوبي السعودي من خلال القيام بتمويل عدد من مراكز الأبحاث والمؤسسات في الولايات المتحدة.
وقد كشفت الهجمات الإعلامية التي تكثّفت مؤخّرا في الصحافة الأميركية، والغربية الموالية لها، المكتوبة والمصوّرة، قصورا في السياسة الإعلامية السعودية، وقصورا في عمل جماعات الضغط السعودية والعربية المتواجدة في الغرب.
وهذا القصور لا يمكن تلافيه إلا عبر تطوير هذه السياسة عبر إرساء استراتيجية إعلامية تواكب التحول من مرحلة الاعتماد على النفط وظلت لعقود تعيش ضمن نمط اجتماعي وثقافي محدد إلى مرحلة صناعية أكثر انفتاحا، لكن بخصوصيات تحتاج الرياض إلى توضيحها للرأي العام الخارجي لتصحيح المسارات الخاطئة والتأثير في السياسات، والمبادرة بقطع الطريق أمام أي تأويل أو مسعى ابتزازي من أي طرف.
ولا يحتاج هذا الوضع الجديد فقط إلى رؤية سياسية جريئة ومختلفة، بل يتطلب الاهتمام بالرأي العام “الشعبي” الذي يتأثر بما ينشره الإعلام في بلاده، فإذا كانت الرياض تريد التأثير على أي جهة أو تصحيح أي صورة، فكما تتطلع إلى القيادات العليا عليها أيضا أن تراعي “الشارع”، حيث يقول تيب أونيل، المتحدث الرسمي السابق باسم البيت الأبيض، “السياسة بالأساس محلية، يتم تحديدها من خلال عوامل مجتمعية”.
العرب