لم يخبُ وهج حركة “السترات الصفراء” المناهضة للسياسات الاقتصادية للحكومة الفرنسية، وذلك للأسبوع الثاني على التوالي.
وشهدت باريس السبت تحولا في حركة الاحتجاج بعدما تخللتها اشتباكات ومناوشات عنيفة بين قوات الأمن وآلاف المتظاهرين الذين وفدوا من كل المدن الفرنسية إلى باريس للتنديد بفرض الحكومة سلسلة من الضرائب باتت تثقل كاهل المواطن الفرنسي.
إيف جونو (34 سنة) أحد الناشطين والمحتجين من حركة “السترات الصفراء”، لم يخف مشاركته في المظاهرات والمناوشات مع رجال الشرطة، معتبرا ذلك ضمن حريته في التعبير عن سخطه من السياسات الليبرالية للحكومة الحالية.
غليان شعبي
بح صوت جونو وهو يهتف طيلة اليوم “فلتسقط الحكومة ولتسقط سياسة ماكرون الجبائية”. وأوضح للجزيرة نت كيف أنه رغم عمله منذ عشر سنوات في شركة للتأمين واعتباره من الطبقة المتوسطة فإن سياسة زيادة الضرائب التي تنتهجها حكومة ماكرون أصبحت تقض مضجعه وتضيق عليه معيشته.
ويضيف بصوت فيه الكثير من التحدي “لن نغادر الميدان حتى تستجيب الحكومة لمطالبنا، ويعرف الرئيس أن الشعب الفرنسي حي ولا يمكن إخضاعه”.
جاك ريمون، متقاعد في عقده السبعين، شارك بدوره في مظاهرات باريس، ولم يرهبه الإنزال الأمني والاستخدام المفرط لقوات الشرطة للغاز المدمع لتفريق المتظاهرين على طول كبرى شوارع باريس للحيلولة دون وصولهم للشارع الرئيسي الذي يؤدي إلى قصر الإليزيه.
ويقول ريمون للجزيرة نت إن الهدف من حضوره إلى جانب آلاف الشباب هو التعبير عن سخط الشعب الفرنسي بكل مكوناته الاجتماعية ومن كل الأعمار من السياسات الليبرالية لحكومة ماكرون منذ عامين. يروي ريمون كيف أنه وجد نفسه مجبرا على طلب المساعدة المالية من أبنائه لأن معاشه لا يكفي للعيش بكرامة.
ويقول بصوت يلفه الكثير من الحزن والأسى “نحن مقبلون على حفلات أعياد الميلاد نهاية العام، وأريد أن أهدي أحفادي هدايا، ولكن لا أستطيع ذلك”.
كما رفض المتقاعد الذي اشتعل رأسه شيبا اتهامات وزير الداخلية للمتظاهرين بارتكاب أعمال شغب، مشددا على أن قوات الأمن هي التي قامت باستفزاز المتظاهرين من أجل جرهم للعنف.
بدون تأطير
وقد رأت حركة “السترات الصفراء” النور على يد مواطنين عاديين عبّروا عن تذمرهم من زيادة رسوم الوقود، وسرعان ما تحولت لحركة احتجاج شعبية عمت مختلف أنحاء البلاد تجاوزت أكثر من 2000 تجمع، دعت للخروج في مظاهرات، إضافة إلى قطع الطرقات لشل حركة البلاد.
ويرى الإعلامي والمحلل السياسي مصطفى الطوسة أن مظاهرات السبت وأعمال العنف التي تخللتها تعد تحولا خطيرا وتحديا أمنيا غير مسبوق تواجهه الحكومة منذ تولي ماكرون السلطة قبل عامين، وهو ما ينذر بمزيد من التصعيد والمواجهات.
ولفت الطوسة -في حديث للجزيرة نت- إلى أن الحكومة باتت في موقف لا تحسد عليه، يتأرجح بين اللجوء إلى العنف واستخدام القوة لفض بعض التجمعات غير المرخص لها، والدخول في مسلسل تفاوض مع حركة السترات الصفراء.
لكن المشكل الكبير يكمن في غياب قيادة تملك شرعية التمثيل قادرة على بسط نفوذها على باقي مكونات حركة الاحتجاج في كل أنحاء البلاد.
حركة مخترقة
من جانبه، قال الأكاديمي وعالم الاجتماع الفرنسي ميشيل فيفوركا إن “حركة السترات الصفراء تعاني من نقص في التأطير، لأنها لم تخرج من عباءة الأحزاب ولم تنجح النقابات في احتوائها من خلال تبني مطالبها”.
ولفت الأكاديمي إلى أن الحركة لم تنجح في تعيين قيادات لتوجيهها، “وهو ما سهل اختراقها من طرف بعض التنظيمات السياسية اليمينية واليسارية المتطرفة، لدفعها للدخول في مواجهات مع قوات الأمن”.
واعتبر فيفوركا أن الحكومة ستضطر للتجاوب مع مطالب المتظاهرين، لأن الحل الأمني سيزيد صب الزيت على النار من خلال توسع رقعة الاحتجاجات لتشمل فئات اجتماعية أخرى لم تعد تتحمل سياسة رفع الضرائب التي تنتهجها الحكومة منذ عامين.
المصدر : الجزيرة