بعد أسابيع من الهدوء القسري الذي فُرض على محافظة البصرة، نتيجة حملة اعتقالات واسعة نفذتها قوات الشرطة وفصائل “الحشد الشعبي”، تخللتها سلسلة اغتيالات طالت عدداً من الناشطين، تجددت المظاهرات في محافظة البصرة جنوبي العراق بعد توقف نشاطها منذ سبتمبر/أيلول الماضي، فقد شهدت مناطق المعقل، والزبير، وأم قصر، والبرجسية، وشط العرب تظاهرات حاشدة حيث اعتصموا قرب مقرات شركات نفطية ومكاتب حكومية عدة، في حين شنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات واسعة بين صفوف المتظاهرين.ونسجا على منوال المتظاهرين في باريس، ظهر المحتجون العراقيون في سترات صفراء، للفت انتباه المسؤولين. ويمثل تعبيرا احتجاجيا عالميا ضد السلطات التي تغيّب أولويات مواطنيها. وتأسست صفحات على موقعي التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر” باسم “السترات الصفراء في البصرة”، تضمنت دعوات إلى تنظيم المزيد من المظاهرات، آخذة بعين الاعتبار تأكيد ضرورة سلمية الاحتجاجات ومدنيتها.
في باريس، انطلقت شرارة التظاهرات على يد جاكلين موراود، وهي سيدة فرنسية تبلغ من العمر 51 عامًا ولاعبة لآلة الأكورديون وأخصائية علاج بالتنويم المغناطيسي تعمل لحسابها الخاص في منطقة تقع في أقصى شمال غرب فرنسا، حيث قامت بنشر مقطع فيديو على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تتحدث فيه بغضب عن ارتفاع ضريبة البنزين، وما أسمته سياسات الحكومة المناهضة للسيارات، داعية الفرنسيين للاحتجاج على تلك السياسات، وبصورة غير متوقعة؛ انتشر الفيديو انتشار النار في الهشيم، حيث حصل المقطع على أكثر من 6 ملايين مشاهدة ولاقى استجابة واسعة النطاق من قبل آلاف الفرنسيين، ليتم الاتفاق على نقل الاحتجاجات إلى الشوارع يوم السبت الموافق 17تشرين الثانب/ نوفمبر وارتداء السترات الصفراء.
أما في البصرة فقد اندلعت مظاهرات احتجاجاً على الفساد بأغلب المؤسسات العراقية وفق المتظاهرين، إلا أن صدى باريس كان قوياً على المستوى العالمي وهو ما أراده العراقيون، وبحسب مراقبين للشأن العراقي، إن أبناء محافظة البصرة قرروا معاودة التظاهر بعد عدم تطبيق الحكومة أياً من وعودها السابقة، مثل فتح باب التعيين بالمؤسسات الحكومية، وتوفير فرص عمل ومياه عذبة وطاقة كهربائية مستمرة، فضلاً عن إصلاح مستشفيات المحافظة. وأضافوا إن ارتداء السترات الصفر لا يمثل تقليدا للاحتجاجات في فرنسا، مشيرون إلى أن هذه السترات تم ارتداؤها في المظاهرات المدنية التي خرجت في البصرة عام 2015.
وأشاروا إلى أن عودة التظاهر بالسترات الصفر في هذا الوقت يمثل تعبيرا احتجاجيا عالميا ضد السلطات التي تغيّب أولويات مواطنيها. وأضافوا أن ما يثار من أحاديث عن تفرد محافظ البصرة بالتصرف بالأموال المرصودة للمحافظة، خارج الرقابة، وبالشراكة مع نواب سابقين «خلق أجواء من اليأس لدى البصريين، خصوصا الشباب، ستمثّل حافزا قويا لاستمرار التظاهرات، وربما بأساليب جديدة». وأشاروا إلى أن استمرار المعاناة في البصرة من شأنها أن تهيئ للمطالبة بتشكيل إقليم ذي حكم ذاتي، على غرار كردستان العراق. واعتبروا أن البصرة التي أسقطت كتلا سياسية وحكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي سيكون لها دور مؤثر في زوال أو بقاء حكومة رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي إن استمرت الأوضاع التي تعيشها من دون اهتمام الحكومة الاتحادية. والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: لماذا ارتدو المتظاهرون السترات الصفراء في حركتهم الاحتجاجية؟
حركة السترات الصفراء (بالفرنسية: Mouvement des gilets jaunes) هي حركة احتجاج بدأت على الإنترنت في مايو/أيار 2018، وقامت بمظاهرات بدأت في فرنسا يوم السبت 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.تم اختيار السترة الصفراء كرمز لأن جميع السائقين كانوا مطالبين بموجب القانون – منذ عام 2008 – بأن يكون لديهم سترات عالية الوضوح في سياراتهم أثناء القيادة، كتدبير للسلامة في حالة مطالبة السائق بإنهاء السيارة على جانب الطريق. ونتيجة لذلك، أصبحت السترات العاكسة متاحة على نطاق واسع وغير مكلفة ورمزية.وبحلول أوائل ديسمبر/كانون الأول 2018، أصبح الرمز شائعاً بشكل متزايد من أوروبا إلى العراق، حيث استخدمت مجموعات مختلفة على نطاق واسع هذه السترات في إشارة لجذب الانتباه إلى أجنداتهم أو مطالبهم.في فرنسا، كان أصحاب «السترات الصفراء» مدفوعين بارتفاع أسعار الوقود وارتفاع تكاليف المعيشة، وادعاء أن العبء غير المتناسب للإصلاحات الضريبية الحكومية يتراجع بالنسبة للطبقات العاملة والمتوسطة، وخاصة في المناطق الريفية وشبه الحضرية.وطالب المتظاهرون بتخفيض الضرائب على الوقود ، وإعادة فرض ضريبة التضامن على الثروة، ورفع الحد الأدنى للأجور، واستقالة رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون.
الملابس عالية الوضوح، والتي تعرف أحياناً باسم «hi-viz»، هي ملابس يرتديها أشخاص ويكون لها خصائص عاكسة للغاية، أو لون يسهل تمييزه من أي خلفية.معظم أرباب العمل من الصناعيين يكون مطلوباً منهم استخدام هذه الملابس من قبل عمالهم، كنوع من معدات الوقاية الشخصية (PPE).السترات الصفراء التي يرتديها المشتركون في خدمات الطوارئ هي مثال شائع.ويشمل مرتدو هذه الملابس المهنيين الذين يحتاجون إلى إبراز وجودهم وأن يكونوا مرئيين بصورة عالية، كل من عمال السكك الحديدية وعمال الطرق السريعة، أو العاملين في المطار، أو أماكن أخرى حيث يقترب العمال من العربات المتحركة أو في المناطق المظلمة.بعض راكبي الدراجات يقومون بارتدائها أيضاً إذا كان طريقهم يسير بين السيارات.الأصفر هو اللون الأكثر إضاءة ووضوحاً في جميع ألوان الطيف. هو اللون الذي يجذب انتباهنا أكثر من أي لون آخر.العين البشرية تعالج اللون الأصفر أولاً. وهذا هو ما يفسر سبب استخدامه في العلامات التحذيرية ومركبات الإنقاذ في حالات الطوارئ.الرؤية المحيطية للعين هي أعلى بمقدار 2.5 مرة للأصفر مقارنة باللون الأحمر. ويحتوي اللون الأصفر على قيمة انعكاس ضوئي عالية، وبالتالي يعمل كمصدر إضاءة ثانوي.والاستخدام المفرط للون الأصفر اللامع (مثل الجدران الداخلية) يمكن أن يهيج العينين.
والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: هل بعد نجاح أصحاب السترات الصفراء الفرنسيين ستستجيب الحكومة العراقية لمطالب الشعب العراقي في البصرة في سبيل تحقيق شيء من العدالة الاجتماعية التي طالب بها الفرنسيون أم أنها لن تعي الدرس الفرنسي جيدًا، ويتجاوزها الوقت لتجد الحكومة العراقية أن أصحاب السترات أصبحوا السواد الأعظم في شوارع العراق.