تركيا وشرق الفرات.. هذه الحسابات

تركيا وشرق الفرات.. هذه الحسابات

مع إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن إطلاق عملية عسكرية في شرق الفرات خلال أيام، تتجه الأنظار إلى موعد هذه العملية، ومن أين ستنطلق؟ وما هي محاورها؟ وهل ستكون برية واسعة أم مجرد قصف بري وجوي، قبل أن يتحول إلى تدخل برّي؟ والأهم كيف سيتم التعامل مع إشكالية الوجود العسكري الأميركي في هذه المنطقة؟ وهل احتمال الصدام مع القوات الأميركية قائم؟ وكيف ستكون مواقف الدول المعنية بالأزمة السورية، مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة؟

تشير هذه الأسئلة وغيرها إلى تعقيدات أي عملية عسكرية تركيا في شرق الفرات الذي بات يشكل كيانا خاصا، يتشكل على وقع سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على مزيد من هذه المناطق من جهة، وبناء مؤسسات وهياكل أمنية وعسكرية برعاية أميركية في هذه المناطق من جهة ثانية. في دوافع العملية العسكرية التركية، ترى أنقرة أن الكيان المتشكل على حدودها الجنوبية بات يشكل خطرا على أمنها القومي، وأن الولايات المتحدة غير جادّة في التعاون معها لمعالجة المخاوف التركية، فاتفاق منبج لم ينفذ بالكامل، والدعم العسكري الأميركي بالمعدات والأسلحة يتواصل لقوات سورية الديمقراطية، مع أن المعركة ضد “داعش” انتهت تقريبا. وتزيد المخاوف التركية تلك الخطوات الأميركية الأخيرة، سيما إقامة نقاط مراقبة حدودية، وتسيير دوريات مشتركة مع قوات “قسد” في المناطق الحدودية مع تركيا، وتدريب ما يقارب نحو 40 ألفا من العناصر الأمنية لمراقبة الحدود، وهو ما يدفع أنقرة إلى الاعتقاد بأن لواشنطن خططا سرية بخصوص إقامة دولة كردية في المنطقة، ستكون تركيا المتضرّر الأكبر منها مستقبلا.
في المقابل، يرى الكرد، ولا سيما الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سورية، أن المخاوف التركية هذه ليست سوى حجج لمحاربة التجربة الفتية التي نشأت في هذه المنطقة، وأن تركيا تعاني من فوبيا القضية الكردية أينما كانت. وعليه، تريد القضاء على هذه التجربة، وأبعاد المكون الكردي من طاولة تسوية الأزمة السورية، وذلك كله تحت عنوان محاربة إرهاب حزب العمال الكردستاني، وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي.
في توقيت العملية، ثمّة من يرى أن لإعلان أردوغان عن إطلاق العملية خلال أيام، وعلى نحو مفاجئ، علاقة بفشل المحادثات التي أجراها المبعوث الأميركي، جيمس جيفري، في أنقرة أخيرا، سيما لجهة رفض واشنطن طلب أنقرة التخلي عن نقاط المراقبة الحدودية. وعليه، يعتقد هؤلاء أن التصعيد التركي يحمل طابع ممارسة الضغط على الإدارة الأميركية، لإجبارها على تقديم تنازلات في المنطقة الحدودية، ولا سيما تنفيذ اتفاق منبج بشكل كامل، وإجراء ترتيباتٍ أمنيةٍ تضمن أمن حدودها الجنوبية، فضلا عن خطواتٍ سياسيةٍ، تؤدي إلى تفكيك سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي لمصلحة جميع المكونات السياسية والاجتماعية في شمال شرق سورية.
ولعل تركيا تنطلق، في ذلك، من قناعةٍ ثابتةٍ بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتخلى عن تركيا كرمى تحالفها الناشئ مع كرد سورية، فضلا عن قناعة لدى المبعوث، جيمس جيفري، أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تهزم المشروع الإيراني في سورية، ما لم يتم استقطاب تركيا إلى جانبها في الملف السوري.
أبعد من البعد الثنائي في العلاقات الأميركية – التركية، تدرك واشنطن جيدا أن موسكو قد تشجع سرا أنقرة على القيام بعملية عسكرية في شرق الفرات، بغية ضرب النفوذ الأميركي هناك، ولزيادة الخلافات الأميركية – التركية، وإلى مزيد من التقرّب التركي نحوها، بما يصب ذلك كله لصالح الاستراتيجية الروسية في سورية والشرق الأوسط. وعلى الرغم من هذا البعد الروسي الواضح، فإن تركيا بحكم موقعها الجغرافي مستفيدة بقوة من التنافس الروسي – الأميركي، إذ يتيح لها هذا الموقع الاستفادة من الخلافات السياسية بين موسكو وواشنطن، وهو ما يجعل الحصول على موافقة ضمنية من هذا الطرف أو ذاك على شكل صفقة سياسية قائمة لحظة البدء بأي عملية عسكرية في شرق الفرات.