قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إنه في كل مرة وصف تنظيم الدولة بالمهزوم كان يرد على أعدائه بحرب عصابات. وفي تقرير للصحيفة أعدته روكميني كاليماتشي، أكدت أن التنظيم سيطر ولثلاث سنوات على مناطق في سوريا والعراق. وأدار في هذه المناطق دولة وجمع ملايين الدولارات من الضريبة واستخدم المال لإصلاح المطبات وأصدر شهادات ولادة ومول هجمات وجند أتباعا له من أنحاء العالم.
وبالنظر إليه اليوم فلم يتبق لديه سوى 1% مما كان يسيطر وهو ما دفع البيت الأبيض للقول إن التنظيم “قد مسح” و “طمس بالكامل” وأنه “في النزع الأخير”. وتقول كاليماتشي إن الحديث عن هزيمة التنظيم كما قال الرئيس دونالد ترامب يعد تجاهلا لدروس التاريخ. فقد أعلن عن تلاشيه في الماضي ليعود ويثبت خطأ السياسيين.
الحديث عن هزيمة التنظيم كما قال الرئيس دونالد ترامب يعد تجاهلا لدروس التاريخ
وتقول إن هجوم الأسبوع الماضي على محل شاورما في مدينة منبج وقتل فيه 15 شخصا من بينهم أربعة أمريكيين هو دليل على خطورة التنظيم.
وبحسب سيث جونز، المستشار البارز في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، ومؤلف تقرير للمركز صدر حديثا عن تنظيم الدولة. وجاء فيه: “يخطئ الناس عندما يعتقدون أنه عندما تخسر مناطق فستواصل الخسارة” و “عندما تخسر مناطق، يقرر الناس الأذكياء التحول نحو استراتيجية حرب العصابات وأساليب تضم اغتيالات وكمائن وتفجيرات” و “بهذه الطريقة تواجه فيها عدوك”. وتضيف أن إعلان ترامب هزيمة التنظيم هي المرة الثانية التي يتم فيها وصف التنظيم بهذه الطريقة. فقبل عقد من الزمان، فقد تم وصف تنظيم الدولة في العراق بهذه الطريقة بعدما تم دكه بشدة بحيث لم يتبق لديه سوى 700 من المقاتلين. وعلى مدى 3 أشهر اعتقلت القوات الامريكية وقتلت ما بين 34- 42 من قادة التنظيم الكبار. وتحسر قائد التنظيم الذي لم يعد أمامه خيارات عدة ولا قوات عن عدم قدرته السيطرة على المناطق. وقال أبو عمر البغدادي، الزعيم في حينه “لم يتبق لدينا مكان نقف فيه ولو لمدة ربع ساعة”. وجاءت هذه التصريحات في رواية للتنظيم في حينه وقبل خروج القوات الأمريكية من العراق في عام 2011. ومنح الانسحاب الأمريكي الجماعة لإعادة بناء نفسها وبشكل سريع. وبعد أربعة أعوام استطاع السيطرة على مناطق تعدل مساحتها مساحة بريطانيا. واليوم فالتقديرات حول قوة التنظيم هي أعلى مرتين أو ثلاث مرات مما كان عليه بعد الخروج الأمريكي من العراق.
مع أن الكثير من قادته قتلوا إلا أن زعيمه أبو بكر البغدادي ونوابه الكبار لا يزالون أحياء
ومع أن الكثير من قادته قتلوا إلا أن زعيمه أبو بكر البغدادي ونوابه الكبار لا يزالون أحياء. إلا أن خسارته لمناطقه جعل من مهمة التجنيد مستحيلة ولم يعد يتجه إلى المنطقة إلا أعداد قليلة مقارنة مع آلاف من المتطوعين الذين تدفقوا على سوريا والعراق عندما أعلن التنظيم عن “الخلافة” في عام 2014. وفي الوقت الذي خفتت فيه وتيرة الهجمات في مناطق معينة مثل العراق إلا أن هذا لا يعني أنه لم يعد قوة فتاكة هناك. فبعد إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن هزيمة التنظيم في عام 2018 شن الجهاديون حوالي 1.200 هجوما حسب البيانات المتوفرة. ويواصل أتباعه في الخارج هجماتهم كما في هجوم ستراسبورغ في فرنسا حيث ترك المسلح “يو أس بي” سجل فيه ولاءه للتنظيم إلى عملية جبال الاطلس في المغرب حيث قتل رجال سائحين من أسكندنافيا. وبالهجوم على مطم منبج ذكر التنظيم العالم بقدرته على القيام بهجمات قاتلة. ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم المجلس العسكري لمدينة منبج، شروان درويش “يعرف كل واحد، وقلنا هذا من قبل أن المعركة ضد تنظيم الدولة لم تنته ولم يختف خطره”. وبحسب تقديرات البنتاغون ومركز الدراسات الإستراتيجية والدولية يتراوح عدد المقاتلين التابعين للتنظيم ما بين 20.000 – 30.000 مقاتلا.
ولا يشمل هذا العدد المقاتلين الموجودين في مغارات أفغانستان أو أدغال النيجر ومالي أو صحراء سيناء في مصر أو المناطق الخارجة عن القانون في اليمن وليبيا ومناطق أخرى عدة للتنظيم فروع. ويحاول التنظيم إظهار أن خروج الولايات المتحدة دليل على أنه تفوق على العملية الأمريكية. ففي شريط فيديو بصوت أحد مسؤولي الدعاية المشهورين ترجمان أسورتي تباهى فيه كيف أصبح التنظيم قويا أكثر من القوات الأمريكية المنسحبة. وقال حسب ترجمة موقع “سايت” “عندما أعلن أوباما الخروج الأمريكي من العراق كانت نار حربنا في العراق مشتعلة” و “اليوم لا تزال الحرب مشتعلة في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان وصحراء سيناء وشرق أفريقيا وليبيا”. ويقول بريان فيشمان، المدير السابق للأبحاث في مركز مكافحة الإرهاب بأكاديمية ويست بوينت العسكرية المعروفة “من الواضح أن الجماعة أقوى مما كان عليه تنظيم الدولة في العراق”. ويرى الخبراء أن البيت الأبيض يقوم بالمساواة بطريقة غير صحيحة بين خسارة التنظيم مناطقه وقوته بشكل عام. ورغم خسارته كل مناطقه تقريبا في العراق وسوريا إلا أن قادة التنظيم قرروا التحول نحو حرب العصابات كما قال جونز من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية. فقد أعلن عن هذه الإستراتيجية في عام 2017 من خلال مقال بمجلة “النبأ”. وفي تلك المجلة قارن الوضع الذي يواجهه بالوضع المهلهل الذي كان يعيشه بعد الانسحاب الأمريكي عام 2011. وجاء في المقال: “لم يعد بالإمكان استمرار القتال من خلال الطرق التقليدية”. ووضح المقال أن الكتائب العسكرية حلت وتم تدريب ما تبقى من المقاتلين على زرع القنابل البدائية. ووضح: “بدلا من مواجهة قوات امريكية مدججة مقارنة قوتنا الصغيرة بعتادها القليل فقد اتخذ القتال شكلا جديدا”. ففي ذروة قوته بدا التنظيم مثل جيش تقليدي يخوض المعارك مستخدما مصفحات تي-55. وبحسب حسن حسن من مركز التحرير بواشنطن فقد بدأ التنظيم التحول نحو حرب العصابات في عام2016 وقبل عام كامل من خسارته معظم المناطق. ووثق حسن في بداية 2016 كيف قام التنظيم بعمليات انتحارية استهدفت حكام المناطق الجدد التي خرج منها بهدف التسبب بأكبر قدر من الأضرار وليس استعادتها. ووثق مايكل نايتس، الزميل البارز في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى كيف استهدف التنظيم وبدقة مخاتير القرى ومشايخها والساسة المحليين. وكانت هناك 15 محاولة اغتيال ضد القادة المحليين في الأشهر العشر الأولى من عام 2018. ولم تحظ العمليات بتغطية إعلامية لكنها أدت لنزع الثقة بقدرة الحكومة على حماية المواطنين ودفعت بالشباب لأحضان التنظيم. وتساءل “لو جاء تنظيم الدولة في كل شهر من العام وقتل كل أهم شخص في البلد فهذا يعني أنك لم تتحرر”. وتكشف أساليب التنظيم عن نفس الأساليب التي أدت لولادته من جديد . واكتشفوا أنك لست بحاجة للقيام بـ 6.000 عملية في الشهر ولكن “عليك قتل أهم 50 شخصا في كل شهر”. ويتحدث التنظيم في أدبياته عن المرحلة الجديدة وهي “الرصد”. ويقول حسن إن الجهاديين ينفقون وقتا طويلا لمراقبة روتين القوات الأمنية في البلد و”يبحثون عن الثغرات الأمنية وأوقات الحركة”. و “عندما ترى الثغرات تبدأ بالعمل من خلالها”.
وضمن هذا السياق ينظر المحللون للهجوم القاتل في منبج. فقد كان مطعم قصر الأمراء المحطة المناسبة للجنود الأمريكيين بعد نهاية دورياتهم وشراء المشاوي التي يشتهر بها أو الجلوس فيه. ولم يتخذ الجنود أية إجراءات لإخفاء تحركاتهم. وفي البيان الذي أصدره التنظيم بعد العملية أشار إلى عضو في الجهاز الأمني التابع له بمنبج أنهم حاولوا ضرب الأمريكيين في المناطق الريفية من المدينة ولكنهم فشلوا حتى الأسبوع الماضي. وتوصل التنظيم بعد مراقبة أن الأمريكيين يتحركون بين ثلاث قواعد عسكرية على أطراف منبج وأنهم عندم ينتقلون لمرافقة المقاتلين الأكراد ينطلقون في قوافل مكونة من 10 سيارات مصفحة. ورغم أنه من الصعب التأكد من المعلومات الواردة في بيان التنظيم. ولم يقدم المسؤولون في البنتاغون معلومات جديدة إلا أن ما ورد فيه يتناسب مع ما هو معروف عن أساليبه وأن لدى مقاتليه خلايا نائمة.
القدس العربي