شذى خليل*
تغلب على موازنات الدول العربية لسنة 2019 سمات عدة ، أبرزها العجز المالي ، وخفض الدعم الحكومي ، وتراجع الإيرادات والنفقات الاستثمارية ، بموازاة تدابير تقشفية وزيادات ضريبية من شأنها أن تفاقم ركود قطاعات الأعمال ، وتزيد أعباء المواطنين بشكل كبير.
ويرى الخبراء الاقتصاديون ان العجز سمة ظاهرة في موازنات الدول العربية ، لكنّ مع الفارق بين دول نفطية بفوائض مالية وأخرى غير نفطية بعجز دائم ، وأغلبها تعاني اليوم عجزا في موازناتها ، خاصة مع تراجع أسعار النفط إلى ما دون الـ 70 دولارا للبرميل ، إضافة الى الاضطرابات السياسية في المنطقة العربية التي لا تتيح للحكومات إنفاقا يستهدف التنمية الاقتصادية بقدر ما يدفعها نحو المزيد من التسلح.
ففي الدول النفطية ، يبدو تأثير تراجع أسعار النفط واضح تماماً ، لجهة اضطرار حكومات هذه الدول إلى خفض تقديراتها لسعر البرميل في الموازنة ، ما يستتبع بالتالي خفض توقعات مستوى إيرادات الخزينة العامة ، وتأثير على الإنفاق العام ، لا سيما الإنفاق الاستثماري منه ، والذي تتأثر به مباشرة المشروعات الاقتصادية والتنموية.
يعد خفض الإيرادات عاملاً بارزاً في اضطرار الدول إلى فرض إجراءات تقشفية تُعين الحكومات على الحد من تفاقم العجز المالي الناتج من تراجع التدفقات المالية ، فضلاً عن فرضها بنوداً ضريبية على الشركات والأفراد بغية تعزيز السيولة لتلبية احتياجات الدول التمويلية.
موازنات بعض الدول العربية:
انخفاض أسعار النفط ، أثبت ان الدول المستوردة للمحروقات” النفط ” ، بدت مستفيدة من تدهور سعر النفط ، باعتبار أن فاتورتها الاستيرادية البترولية تتراجع تبعاً لهبوط السعر في الأسواق العالمية ، وهو ما يخفف عن كاهلها بعض النفقات الضرورية لتسيير المرافق الحيوية العاملة بالمشتقات النفطية ، وكذلك عدم اضطرارها إلى رفع أسعار المحروقات على محطات التوزيع ، مع أن بعض الحكومات تطمح لعدم خفض أسعار التوزيع كي تستفيد من فارق السعر عندما تهبط أسعار النفط .
موازنة السعودية:
السعودية في المرتبة الأولى في حجم الموازنة العامة بين الدول العربية ، وتتوقع السعودية أن يبلغ العجز 131 مليار ريال (35 مليار دولار تقريبا) تمثل حوالي 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي ، ومن المرتقب أيضاً أن يزيد الدين العام إلى 678 مليار ريال (نحو 180 مليار دولار) ويمثل حوالي 21.7 % من الناتج المحلي وفقا لموازنة عام 2019 التي نشرتها وزارة المالية السعودية.
ومن الممكن لجوء الحكومة السعودية إلى مزيد من الاقتراض الخارجي والمحلي لتلبية احتياجاتها في ظل تراجع الإيرادات ، رغم زيادة صادراتها النفطية ، ويتوقع البنك الدولي أن يبلغ نموها الاقتصادي 2% خلال العام الحالي.
محللون يتوقعون زيادة العجز المالي للعام المقبل عن هذا الرقم في ظل تهاوي أسعار النفط ، وعدم تحسنه رغم إعلان منظمة أوبك ومنتجون من خارجها عن خفض في الإنتاج النفطي بمقدار 1.3 مليون برميل يوميا في 2019 ، (الدولار= 3.75 ريالات سعودي).
موازنة العراق:
في حين تعد الموازنة العراقية ثاني اكبر موازنة بعد السعودية ، إذ تضمنت تقدير اجمالي إيرادات الموازنة العامة الاتحادية بأكثر من 105 ترليون دينار عراقي ، واحتساب إيرادات تقديرية من تصدير النفط الخام ، ومعدل تصدير للنفط يومياً بواقع (3,880) مليون برميل ، بضمنها (250) ألف برميل يومياً عن كميات النفط الخام المنتج في محافظات إقليم الشمال ، بمتوسط سعر تقديري للنفط الخام (56 $) دولاراً للبرميل الواحد ، وبسعر صرف (1182) دينار عراقي لكل دولار ، وتقيد جميع الإيرادات لحساب الخزينة العامة للدولة .
وتم احتساب حجم النفقات المالية في مشروع الموازنة ، بأكثر من (128.4) ترليون دينار عراقي (نحو 108 مليارات دولار) ، بعجز مالي قدره (22.8) ترليون دينار (نحو 19 مليار دولار).
موازنة مصر:
تقارب موازنة مصر 80 مليار دولار ، بعجز يبلغ 24 مليار دولار ، وتعد ثالث أكبر موازنة بين الدول العربية.
وتبدأ السنة المالية مطلع تموز/ يوليو وتنتهي بنهاية حزيران/ يونيو من كل عام.
وتواجه المالية العامة في مصر تحديات عدة ، خاصة بعد تعويم الجنيه في 2016 ، وخفض دعم المحروقات ، وفرض ضريبة القيمة المضافة ، وهي خطوات جاءت ضمن برنامج إصلاح اقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد ، يشار إلى أن سعر الدولار= حوالي 17.9 جنيه مصري.
موازنة قطر:
قطر الدولة الوحيدة التي سجلت فائضا في موازنتها حوالي 1.1 مليار دولار ، إذ تتوقع أن تبلغ إيراداتها حوالي 58 مليار دولار ، فيما تبلغ نفقاتها نحو 57 مليار دولار ، وأُعدّ مشروع الموازنة العامة ، بناءً على توفير المخصصات اللازمة لخطط ومشاريع رؤية قطر الوطنية 2030 ، بمختلف ركائزها الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والبيئية ، والعمل على زيادة الإيرادات الأخرى (غير النفطية) وأيضاً توفير المخصصات المالية لاستكمال المشاريع الكبرى والمشاريع المرتبطة بكأس العالم 2022 قطر ، وتضمنت الموازنة القطرية تخصيص الاعتمادات المالية لتطوير البنية التحتية في المناطق الاقتصادية والصناعية واللوجستية ، ودعم مبادرات تطوير بيئة الأعمال ، وتعزيز دور القطاع الخاص ومشاركته في مختلف الأنشطة الاقتصادية ، ودعم مشاريع الأمن الغذائي ، وتتوقع قطر الفائض مدفوعا بدعم من تحسن أسعار الطاقة ، علماً أن سعر الدولار= 3.6 ريال قطري.
موازنة الإمارات:
تبلغ موازنة الإمارات العربية المتحدة 16.42 مليار دولار من دون عجز ، وهي لا تمثل الموازنة الحقيقية للإمارات ، خاصة وأن كل إمارة لديها موازنة مستقلة ، إذ تقدر إيرادات الميزانية الاتحادية لعام 2019 بمبلغ 60.3 مليار درهم ، ومصروفات تقديرية بالقيمة ذاتها ، ومن دون عجز للعام الثاني على التوالي ، فيما يبلغ إجمالي المصروفات للسنوات الثلاث 2019- 2021 نحو 180 مليار درهم ، ما يلبي احتياجات برنامج الحكومة الهادفة لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين والمقيمين ، يشار ان سعر الدولار= 3.6 درهم إماراتي.
موازنة الكويت:
أعلنت الكويت مطلع عام 2018 ، عن تقديراتها لميزانية العام المالي الجاري 2018/ 2019، حيث توقعت إيرادات تبلغ 50 مليار دولار ، وحجم إنفاق يُقدَّر بنحو 66 مليار دولار ، ليبلغ العجز المتوقع للعام المالي الجاري نحو 22 مليار دولار بعد استقطاع احتياطي الأجيال القادمة ، وتعتمد الميزانية في تقديرات العام المالي الجاري على سعر برميل للنفط عند 50 دولارا ، وحجم إنتاج يبلغ 2.8 مليون برميل يوميا.
وتبدأ السنة المالية للكويت في أول نيسان/ أبريل من كل عام ، وتنتهي في نهاية آذار/ مارس من العام التالي.
موازنة الجزائر:
يتوقع قانون موازنة الجزائر إيرادات بـ 55 مليار دولار ، تشكل المحروقات 23 مليار دولار منها ، مقابل نفقات تقدر بأكثر من 72 مليار دولار ، أي بعجز يقارب 17 مليار دولار.
وتطمح الجزائر أن تسجل نسبة النمو فيها 2.9%، ولم تتضمن الموازنة أي زيادات في الضرائب ولا ضرائب جديدة ، وخصص 20% منها لتمويل الاعانات الاجتماعية ودعم السلع ، علماً ان سعر الدولار= 118 دينار جزائري.
موازنة تونس:
يقدر حجم الموازنة العامة في تونس 2019 بـ 40.8 مليار دينار (14.5 مليار دولار) بزيادة بـ 8.5% مقارنة بموازنة 2018.
وتتوقع الموازنة انخفاض العجز إلى 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019 ، ما يعادل 1.6 مليار دولار ، مقارنة مع عجز متوقع هذا العام نسبته 5%.
وتتوقع الموازنة نمو الاقتصاد عام 2019 بنسبة 3.1%، ارتفاعا من نحو 2.6% هذا العام ، وبنيت الموازنة على فرضية سعر لبرميل النفط لا يقل عن 72 دولارا ، وتواجه المالية العامة في تونس تحديا جديدا يتجسد بمطالب عمالية بزيادة الأجور ، (الدولار= 2.9 دينار تونسي).
موازنة الأردن:
تقدر موازنة الأردن بـ 13 مليار دولار بعجز يقارب الـ 910 ملايين دولار.
وتعاني المملكة من تحديات اقتصادية ، ودين عام تتجاوز نسبته 94% من إجمالي الناتج المحلي . (الدولار= 0.71 دينار أردني)
موازنة المغرب:
حددت المغرب موازنتها لعام 2019 بـ 46.5 مليار دولار ، بعجز 2.7 مليار دولار، فيما تتوقع إيرادات تبلغ 43.7 مليار دولار ، وموازنتها تمت على افتراض أن يحقق الاقتصاد نموا بـ 3.2% ، مدعوما بتوقع أن يبلغ متوسط سعر الغاز 560 دولارا للطن.
وحسب قانون الموازنة ، يواجه الاقتصاد المغربي تحديات تتعلق بترسيخ الشفافية ، وإتمام الانتقال نحو الطاقة البديلة ، والتوسع في الحوسبة ، (الدولار= 9.5 درهم مغربي).
موازنة سلطنة عُمان:
تبلغ النفقات في موازنة عُمان 33.5 مليار دولار ، بعجز يبلغ 7.3 مليار دولار ، وإيراداتها 26 مليار دولار ، وبنت موازنتها بافتراض أن سعر برميل النفط سيبقى ضمن مستويات 58 دولارا للبرميل ، (الدولار= 0.38 ريال عُماني).
موازنة السودان:
تقدر السودان موازنتها للعام الحالي بـ 4 مليارات دولار ، بعجز يقدر بـ 690 مليون دولار.
ويتوقع السودان الذي لا يزال يشهد اضطرابات داخلية ، تسجيل معدلات نمو إيجابية ، (الدولار= 47.6 جنيه سوداني)
موازنة سوريا:
رغم الحرب ، وضعت سوريا موازنة من دون عجز بإنفاق يقارب 9 مليارات دولار ، يتوقع أن يذهب معظمها لإعادة الإعمار ، إذ أصدر قانون موازنة العام المقبل بمبلغ إجمالي قدره 8.9 مليار دولار ، ثلثه تقريبا مخصص لمشاريع استثمارية لمناطق تضررت بفعل الحروب الداخلية المستمرة منذ نحو 8 سنوات ، إذ شهدت في عام 2011 بدمار هائل في البنى التحتية ، وقدرت الأمم المتحدة في أغسطس كلفة الدمار بنحو 400 مليار دولار.
واصدر الرئيس السوري بشار الأسد القانون رقم 44 لعام 2018 القاضي بتحديد اعتمادات الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019 بمبلغ إجمالي قدره 3882 مليار ليرة سورية”. (الدولار= 443 ليرة سورية).
دول عربية من دون موازنات:
بعض الدول العربية ليس لديها أية موازنة واضحة المعالم ، إما بسبب النزاعات ، أو بسبب وجود فراغ أو تعطيل سياسي مثل ليبيا ولبنان واليمن ، فمثلا لبنان أقر مجلس نوابه موازنة واحدة (في 2017) خلال 12 عاما.
وحسب قوانين الموازنات ومشاريعها في 13 دولة عربية توفرت أرقامها ، تختلف السنة المالية لبعض الدول ، فهي تبدأ وتنتهي مع السنة الميلادية في بعضها ، وتبدأ وتنتهي مع نهاية الربع الأول من كل عام ، أو تبدأ وتنتهي مع نهاية النصف الأول من كل عام في دول أخرى.
وتتصف مشاريع الموازنات ، أو الموازنات الحكومية المقررة في معظم الدول العربية ، بجملة مواصفات أساسية قوامها التقشف ، وفرض الضرائب ، ومزيد من العجوزات المالية التي تضطرها إلى مزيد من الاستدانة ومراكمة جبال من الديون ، ستجد الأجيال القادمة نفسها مجبرة على سدادها على مدى عقود.
توقعات البنك الدولي:
يتوقع البنك الدولي أن تشهد الدول العربية المصدرة للنفط نموا خلال 2019 ، بعد تحسن أسعار النفط وحركة استثمار نشطة ، وفي مقدمتها العراق ، خاصة في ظل مشاريع إعادة الإعمار التي ستحفز النمو ليصل إلى ما نسبته 6.2%.
وتتراوح افتراضات الموازنات لأسعار النفط بين 50 إلى 72 دولارا للبرميل ، فيما تشهد بعض الموازنات تقشفا في الدعم المقدم للمواطن ، ومزيدا من الضرائب والرسوم الجمركية ، ورفع أسعار معظم السلع والخدمات ، إلى الإنفاق على السلاح ، وان عبء المديونية يشكل أولوية عند الدول العربية ، إذ أصحب الاقتراض سمة ملازمة لدول كانت ، ومن المفترض ان تكون دول مقرضة كونها تمتلك ثروة نفطية هائلة .
إن متلازمة الفقر والبطالة لا تزال غائبة عن موازنات الدول العربية ، حتى وإن كانت تزعم غير ذلك ، والدليل أن أعداد الفقراء في ازدياد ، والعاطلين عن العامل أيضا ، ناهيك عن التحديات الجديدة التي يواجهها المواطن العربي في ظل تراجع الدعم الحكومي المباشر أو غير المباشر.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية