الباحثة شذى خليل
بسبب الصراعات الاجتماعيّة ، والحرب الأهليّة ، شهد الاقتصاد السوداني معاناة كبيرة متتالية ، وغيرها من الأسباب الأخرى ، ففي عام 1999 تأثّر نموّ الإنتاج النفطيّ بشكل كبير ضمن الناتج المحليّ الإجماليّ السودانيّ ، ولكن خلال عقد من الزمن شهد الاقتصاد في السودان ازدهاراً نتيجةً لارتفاع نسبة إنتاج وزيادة أسعار النفط ، وزيادة تدفّق الاستثمارات الأجنبيّة.
السودان لا يعاني مشكلة اقتصادية بالمفهوم الاقتصادي من ندرة الموارد وعدم إمكانيتها في تلبية الحاجات ، اذ يتمتع الاقتصاد السوداني وهو الأغنى في القارة الافريقية ، بالعديد من الموارد الطبيعية مثل البترول والغاز الطبيعي ، وكذلك يمتلك أراضٍ زراعية ضخمة ، ما جعل السودان يسمي بسلة غذاء العالم ، ويعتبر القطن والسمسم والفول السوداني والصمغ العربي من أهم الموارد الزراعية في السودان ، والسودان الدولة الاولى في العالم المنتجة للصمغ العربي (80 % من الانتاج العالمي) ، ومخزون صغير من خام الحديد ، والنحاس، وخام الكروم، والزنك، والتنجستين، والمايكا، والفضة، والذهب واليورانيوم، ومؤخرا اكتشف اكتشاف منجم ضخم حيث اعلن وزير النفط والمعادن السوداني ، أزهري عبدالقادر، عن اكتشاف منجم ضخم يتوقع إن ينتج 7 أطنان من الذهب سنوياً.
يعد السودان من الأقطار الشاسعة والغنية بالموارد الطبيعية ممثلة في الأراضي الزراعية، والثروة الحيوانية والمعدنية، والغابات والثروة السمكية، ويعتمد السودان اعتمادا رئيسيا على الزراعة ، حيث تمثل 80% من نشاط السكان ، إضافة للصناعة وخاصة الصناعات التي تعتمد على الزراعة.
تلخص الأزمة الاقتصادية في السودان على أنها نتاج لمشكلات سياسية ، وتكدس الفساد والذي تراكم لمدة تقارب الثلاثة عقود ، بينما يعاني ويعيش غالبية الشعب السوداني تحت خط الفقر، بينما هنالك مشكلة أخرى فنية وإدارية، وهي التي ترتبط بالنظام السياسي.
الانفصال:
ويشكل النفط طوق نجاة لدولتي السودان وجنوب السودان، بعد التراجع المنفلت للعملة الوطنية “الجنيه” وارتفاع التضخم لحد الجموح خاصة في الدولة الوليدة.
شكل انفصال دولة جنوب السودان في يوليو تموز 2011 ، مركز الصدمة للاقتصاد، لأن منطق الأشياء كان يفرض التعافي كلما ابتعدنا عن هذا المركز، بحسب ما يقول الخبير الاقتصادي محمد الناير.
ويقول الناير إن الخلل في إدارة الشأن الاقتصادي الذي ظهر جليا في موازنة 2018، جعل سعر الصرف ومعدل التضخم من أهم التحديات التي واجهت الاقتصاد السوداني بعد الانفصال.
وكان جنوب السودان قد استأثر لدى انفصاله عن السودان بحوالي 75% من الإنتاج النفطي الذي وصل في إحدى السنوات إلى خمسمئة ألف برميل يوميا.
والبلاد عقب الانفصال، لم تتمكن من هيكلة الاقتصاد بشكل سليم، فالسودان كان يعتمد على النفط بنسبة 90% وهو ما شكل نحو 50% من إيرادات الدولة من النقد الأجنبي.
وارتفع التضخم في عام 2018 بشكل قياسي، وفاق في نوفمبر تشرين الثاني 2018 نسبة 69%، بينما تستهدف موازنة عام 2019 نسبة تضخم 27%.
هذا وتفاقم عدم استقرار صرف الجنيه أمام العملات الصعبة بشكل لافت خلال عام 2018 ، اذ ان التذبذب بصرف العملة يشكل خطرا كبيرا على مناخ الاستثمار، ولأول مرة يتحول الجنيه السوداني نفسه إلى سلعة أسوة بالدولار، وذلك إثر صعوبات قابلها السودانيون في الحصول على مدخراتهم من البنوك وأجهزة الصرف الآلي بسبب شح النقود، وعلى الرغم من الموارد الهائلة للسودان غير المستغلة التي تشكل عامل جذب للاستثمارات الأجنبية، فإن ثمة عوائق تجعل من الراغبين في جلب أموالهم للبلاد مغامرين بالدرجة الأولى.
وحسب الخبراء الاقتصاديون ، ان حقبة ما قبيل اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل في 2005 والأعوام التي أعقبتها، كانت بمثابة السنوات السمان للاقتصاد السوداني، حيث استقر سعر صرف الدولار في حدود 2.5 جنيه.
الخبير الاقتصادي محمد الناير، يبين ان السودان – قبل انفصال دولة جنوب السودان- كان الأول أفريقيا والثاني عربيا من حيث حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي، بسبب الاستقرار السياسي والاقتصادي، وإن لم توجه عائدات النفط بشكل صحيح.
ويقرّ بأن الاستثمارات تراجعت حاليا بشكل كبير، وأن ما سيعيد تدفقها هو استقرار سعر صرف الدولار وخفض معدل التضخم إلى رقم أحادي.
ويقول إن ذلك ممكن في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات، إذا ما اتبعت سياسات صحيحة وتدخلت دول صديقة بضخ الاستثمارات.
الناير أكد أيضاً أن رفع الحظر الاقتصادي الأميركي “نظريا” عن السودان من التحديات التي تواجه اقتصاده في العام الحالي 2019، وأوضح أن مكتب مراقبة الأصول “أوفاك” أتاح للبنوك السودانية التحويلات الدولية، لكن على أرض الواقع فإن الحظر ما زال ساريا لبقاء السودان في قائمة الدول الراعية لإرهاب.
وتظل الديون أيضا تحديا وفق الخبير الاقتصادي الناير، إذ أنها تجاوزت خمسين مليار دولار (أصل الدين 17 مليارا والباقي فوائد)، إلى جانب عامل الاستقرار الأمني والسياسي.
ويرى الخبراء والمراقبون ان أسباب الأزمات الاقتصادية في البلاد تعود الى:
• ان ما يحدث في الاقتصاد الوطني من أزمات عبارة عن تراكمات خلقتها وزارة المالية باتخاذ سياسات خاطئة أبرزها الاستدانة من النظام المصرفي وضخ كميات كبيرة من السيولة، ويجب ان تتجه سياسة البلد نحو الإصلاح لتلافي الدمار لاقتصاد غني مثل اقتصاد السودان .
• ضرورة تخفيض الإنفاق الحكومي وإعادة النظر في سياسات البنك المركزي.
• ضرورة مراجعة ميزانية عام 2018 ، وزيارة مناطق الإنتاج في الولايات ، وحل المشاكل العالقة في الزراعة ، وعدم التطلع وراء القروض الأجنبية وترك موارد السودان.
• منح المغتربين حوافز إضافية لجذب التحويلات المالية عبر البنوك الحكومية، وضرورة وضع قرارات حاسمة لوقف تهريب الذهب والصمغ العربي.
• معالجة التضخم ، إذ أن العامل الأساسي لارتفاع التضخم ، هو ارتفاع أسعار السلع (مجموعة المواد الغذائية) ، وبالذات المنتجة محلياً كالقمح المحلي الذي ارتفع سعره الى أعلى من المستورد ، والحبوب والسكر واللحوم التي أصبحت تشكل نسبة 56% من نسبة ارتفاع التضخم ، وأن هنالك تباين كبير حتى في معدلات التضخم .
• ان سعر الصرف في السوق المنظم خلال الربع الأول من عام 2018 بلغ متوسط 18 للدولار مقابل 6.7 جنيه للدولار خلال نفس الفترة من العام 2017 .
• ويرى المحللون السياسيون والاقتصاديون ، أنه يجب الأخذ بالمعالجات للوصول الى حلول حقيقية ، ومنها تنمية الموارد المطلوبة ، ومناهضة الإسراف والفساد والمحسوبية والاحتكار والإغراق وغسيل الأموال ، بالإضافة لبسط الشمول المالي وتفعيل آلياته ، وتفعيل الدور الرقابي للبنك المركزي بغرض إصلاح النظام المصرفي ، وإزالة التعارض بين القوانين المنظمة للعمل المصرفي وأعمال المؤسسات المالية ، وتطوير تنظيم الأسواق المالية وتوجيهها لاستقطاب الادخار القومي والأجنبي ، ووضع برنامج لترقية الصادرات.
• ويحتاج للكثير من الاستعداد للعمل بصورة جادة خاصة في ما يتعلق بمسألة الديون الخارجية.
• من أهم الاستراتيجيات أن يعمل السودان على إصلاح ذات البين في الجنوب، وأن مبادرة الخرطوم للجمع بين فرقاء الجنوب من الخطوات التي تعود على السودان بالخير الكثير.
• مشكلة تحتاج الى جهد إضافي، وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ، ومن أهم الخطوات التي يجب أن تعمل الخرطوم على إزالتها.
• التعامل مع الأزمات الاقتصادية قبل وقوعها بوقت مبكر ، وضرورة خفض السلع الاستهلاكية ، وتصحيح المسار ، وإعادة النظر ليس عيباً، كما أن معدل التضخم يمثل واحداً من الأسباب التي يجب مواجهتها بالإنتاج والإنتاجية، وإن عدم توحد الخطاب الاقتصادي الإعلامي من الضرورة بمكان حتى يعلم المواطن حقيقة الأمر، وأن المعالجات الاقتصادية التي تحدث، ذات طابع أمني وليس سياسات اقتصادية محفزة للاستثمار، مع ضرورة التعامل والمراقبة الأمنية لمخربي الاقتصاد.
• ومن النقاط المهمة أيضاً الاهتمام بتحويلات المغتربين، وذلك بتحفيزهم وإنشاء بورصة للذهب ، وترشيد الإنفاق الحكومي الذي أصبح قولاً فقط بدون عمل، والقضاء على الفساد ، وإعادة كل الأموال المنهوبة الى خزينة الدولة ، ووضع القوانين والرقابة والانتقال الى منظومة الدفع الإلكتروني ، وضرورة أن تهتم كل الولايات بالملف الاقتصادي وجعله من أولى وأهم الملفات .
• الاقتصاد السوداني سيكون له شأن كبير في القارة الإفريقية والعالم، إذا وجد الإدارة والتخطيط السليم ، برغم التعثر، إلا أنه لم يواجه نمواً سالباً، وهي الميزة التي تميز بها.
• العمل على زيادة الإنتاج والإنتاجية وتقليل الإنفاق الحكومي وزيادة الصادرات، بل وإعادة النظر في ميزانية العام 2018 ومراجعة السياسات الاقتصادية .
• إن المؤشرات الاقتصادية وزيادة الأسعار المفرطة تحتاج لمعالجة بالإضافة لمعالجة سعر الصرف للعملة الوطنية.
• وجود الأمن الاقتصادي لمراقبة الوضع الاقتصادي، لأن السودان هو الدولة الوحيدة جنوبي الصحراء التي لا تستخدم الأسمدة، مبيناً أن الدولة اتجهت لاستخراج الذهب ولكنها لم تستطع مكافحة التهريب الذي نتج عن الفرق الكبير في أسعار الذهب خارجياً، وطالب الاقتصاديون بإصلاح السياسات الاقتصادية بالمنطقية والواقعية وضرورة الاستفادة من تحويلات المغتربين من خلال الحوافز والمغريات التي تقدمها الدولة لهم، مقللاً من تحصيل الضرائب غير المباشرة باعتبارها ليست ذات منفعة، واصفين إياها بأنها غير عادلة ، وأن السودان يصدر البرسيم والحيوانات الحية ويستورد الألبان، مشددين على ضرورة تنمية الصناعات التحويلية، بدل الاقتراض من الخارج ، والاهتمام بالإنتاج والإنتاجية، وعلى وزير المالية أن ينزل للواقع وزيارة كل مواقع الإنتاج الزراعية، والتأكد من وصول الوقود والاستعداد للموسم الزراعي لأنها مخرج السودان الوحيد من الأزمة .
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الرابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية