بعد أن انقشع غبار المعارك بدأت الصورة الحقيقة تظهر، فعلى مدى ثلاثة أيام تراشقت الهند وباكستان بتصريحات متناقضة بشأن مدى تأثير ضربات كل منهما على الطرف الآخر.
ووفق مراقبين ومحللين باكستانيين، بدأت المبالغة والتهويل من الجانب الهندي منذ اللحظة الأولى على ما يبدو، حيث أعلنت الهند أنها قصفت “أكبر معسكر لجيش محمد” في منطقة بالاكوت بإقليم خيبر في باكستان وقتلت أكثر من 300 مسلح.
وقد نفت باكستان قصف المعسكر بل ونفت وجوده من الأساس، قائلة إنها أجبرت الطائرات الهندية على الانسحاب من الأجواء الباكستانية بعدما أفرغت حمولتها من القنابل إسرائيلية الصنع في مناطق غير مأهولة ودمرت منزلا مهجورا وبضع شجيرات، وهو ما أكدته صحيفة نيويورك تايمز على لسان أمنيين غربيين.
وطارت وسائل الإعلام والمغردون في الهند فرحا أخبار الضربة الهندية رغم أن نيودلهي لم تقدم دليلا ملموسا مقنعا على ادعاءاتها.
وفي اليوم الثاني، أعلنت باكستان إسقاط مقاتلة هندية داخل الشق الكشميري التابع للهند، وإسقاط مقاتلة أخرى فوق كشمير الباكستانية وأسر طيارها.
أما الهند فقد أعلنت أنها أسقطت طائرة “إف 16” لباكستان داخل الأجواء الهندية، لكنها لم تقدم أي دليل على ذلك، ولم تشر في إعلامها إلى طائرتيها اللتين أسقطتهما باكستان إلا في اليوم الثاني حين طالبت بتحرير طيارها الأسير.
تسريب وكمين
وفي تسريب هاتفي -لم يتسن التأكد من صحته- قال الطيار الباكستاني حسن صديقي لمدربه حافظ فاروق إن ما ظهر على وسائل الإعلام من نتائج عملية الرد الباكستاني لا يتعدى 30% من الأضرار الحقيقية التي كانت قاسية جدا على الهند بحيث إنها لم تستوعبها.
ويرجح المحلل السياسي المقرب من الجماعات الجهادية الكشميرية سيف الله خالد أن محتوى الاتصال صحيح وليس مبالغة أو حربا نفسية من قبل باكستان، مستدلا بما نشره الإعلام الهندي في الدقائق الأولى للعملية الباكستانية من أن الطائرات الباكستانية قصفت مواقع عدة داخل كشمير الهندية بمنطقة راجوري، ثم توقفت عن إذاعة هذه الأخبار.
وذكرت وسائل الإعلام الهندية عددا من الأماكن التي تعرضت للقصف، قائلة إن الضربات الباكستانية لم تؤد إلى خسائر بشرية.
ويضيف خالد أن الهدف الرئيسي وراء هذه الضربات كان جر الطيران الهندي للدفاع عن حدوده ثم إيقاعه في الكمين المنصوب له من قبل باكستان “وهو الأمر الذي نجح فيه الطيران الباكستاني نجاحا فائقا، حيث تمكن من استدراج طائرة هندية إلى أجوائه وأثبت إسقاطها وأسر طيارها بالصورة وشهود العيان، بعكس الاستعراض الهندي الذي كان مجرد ادعاءات إعلامية في المعركة الانتخابية المقبلة”.
وتعتمد الهند في النزاع مع باكستان على إستراتيجية الاستنزاف البطيء، خاصة على طول خط الهدنة والحدود الدولية، بهدف إفراغها من سكانها وسهولة التقدم نحوها في حال نجحت في جر باكستان لحرب شاملة، كما يرى الباحث السياسي الباكستاني عبد الكريم شاه صالح.
ويضيف أنه على عكس الإستراتيجية الهندية، جاء رد باكستان عنيفا وسريعا على مقتل ستة من مدنييها في قصف هندي على الحدود.
استفزاز واستدراج
ويشير إلى أن الهند لم تتوقف عن القصف اليومي والاستفزاز لباكستان، مستندة حاليا إلى اقتصادها المتين وتحالفاتها الدولية التي أضحت أقوى بكثير من الموقف الدولي لباكستان.
لكن المحلل السياسي فؤاد أحمد نصار يعزو طبيعة الرد الباكستاني بأنه رسالة شديدة اللهجة للهند بأن باكستان لن تسمح أبدا بالتعدي على سيادتها وأجوائها، وعلى هذا الخرق الخطير ألا يتكرر مرة أخرى، ولم يكن انتقاما لأضرار أحدثها الطيران الهندي.
واستدل نصار بما تحدث عنه الإعلام الهندي وشهود عيان في كشمير من أن الأهداف التي ضربتها باكستان كانت ذات طبيعة لوجستية فقط، مما يعني أن باكستان لا تريد أن تشعل حربا، وأنها لا تقبل بجرها للحرب.
وأكدت باكستان على هذه الرسالة بطريقة أخرى حين قامت بتسليم الطيار الهندي إلى بلاده عبر معبر واغا الحدودي قرب لاهور.
وشكر الطيار في رسالة مسجلة الجيش الباكستاني على حسن المعاملة، قائلا “إن الجيش الباكستاني مؤسسة مهنية للغاية أرى فيها السلام، لقد قضيت بعض الوقت مع الجيش الباكستاني، وإني معجب جدا به”.
ووجه الطيار نقدا لاذعا لوسائل الإعلام الهندية، قائلا إنها “تبالغ في الحقائق دائما”. وأضاف “أنها تعرض أبسط الأشياء بطريقة تحريضية ومضللة للجماهير”.
ويرى نصار أن الهند “ربما وقعت ضحية لمبالغاتها وتصوراتها الخاطئة عن التغيرات الجيوسياسية وسوء تقديرها للكفاءة العسكرية الباكستانية في الرد، وعسى أن ينفع هذا في المستقبل”.
المصدر : الجزيرة