في الآونة الأخيرة يتساءل العاقل ما هذه الأفعال السلبية التي حدثت في العراق أفعال لا يقبلها كل من هو حريص على بلده وعلى سمعته واستقراره. ولا يقبلها من هو متمسك بتراب وطنه وتضحيات أبنائه وأجداده، ومن هو مقدس لدماء الشهداء الذين روت دمائهم تراب العراق للمحافظة عليه وصون استقلاله.
ماذا نقول عن من استهدف قاعدة “البلد” الجوية بالصواريخ، وعن من استهدف باعتداء صاروخي على مقرات شركات نفط عالمية كبرى، بينها شركة إكسون موبيل الأميركية العملاقة في مدينة البصرة، وعن من اقتحم السفارة البحرينية في بغداد. أن جميع هذه الأفعال السابقة وما يماثلها هي خروج عن القانون، الذي يجب على الجميع احترامه مسؤولين ومواطنين. وأنها تضر بسمعة واستقرار العراق.
فالدولة الديمقراطية التي يسعى رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي إلى تثبيت ركائزها، لا تقوم إلا على مبدأ سيادة القانون، ومعناه خضوع الحكام والمحكومين في الدولة لقواعد القانون القائم فيها، بحيث تتوافق التصرفات التي تصدر عن سلطات الدولة المختلفة ومواطنيها مع قواعد قانونية موضوعة أو قائمة من قبل. وما الأمر الديواني المرقم “237” الصادر عن مكتب رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي الخاص بالحشد الشعبي، إلا تأكيد على أهمية سيادة القانون وأنها المقياس لحب الوطن والانتماء إليه وأن سيادة القانون هي مسؤولية جمعية تقع على عاتق الدولة والمواطن. فمن بين ما قرره ” الأمر الديواني” إغلاق جميع المقار التي تحمل اسم أيا من فصائل الحشد الشعبي، وخير الفصائل المسلحة بين الانضمام للقوات المسلحة أو الانخراط في العمل السياسي وفق قوانين الأحزاب.و “يمنع وجود أي فصيل يعمل سرا أو علنا خارج هذه التعليمات”.وأمهل رئيس الوزراء الفصائل حتى 31 يوليو للالتزام بالقرار الجديد.
ومن جانبه، رحب السيد مقتدى الصدر الاثنين بقرار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي دمج فصائل الحشد الشعبي في القوات المسلحة النظامية. وقال الصدر في بيان على صفحته في فيسبوك إن ما صدر “أمر مهم وخطوة أولى صحيحة نحو دولة قوية لا تهزها الرياح من هنا أو هناك إلا أني أبدي قلقي من عدم تطبيقه بصورة صحيحة وعادلة”.
ولاشك يعد إصدار “الأمر الديواني” خطوة شجاعة وجريئة لرئيس الوزراء عادل عبدالمهدي لأنه بمثابة خطوة في الاتجاه الصحيح لإعادة ترتيب البيت العراقي، وخطوة رئيسة من أجل فرض سيادة القانون التي مخرجاتها تعني مجتمع عراقي منسجم اجتماعيّا غير متنافر ومتقدم اقتصاديّا غير متخلف ومستقر سياسيّا غير مضطرب.
لذلك على الكتل السياسية العراقية أن تآزر رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في خطوته الإصلاحية البالغة الأهمية، وأن لا تكون حجر عثرة في طريقة الإصلاحي وأن تغلب مصلحة العراق العليا على المصالح الحزبية والطائفية والعراقية، ويكفي العراق سنوات من المعاناة نتيجة الحسابات الضيقة جدا فاستقرار العراق وتقدمه الذي يهدف إليه المشروع الإصلاحي لرئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي يعني عودته إلى مكانته الطبيعية والمستحقة في البيئة العربية والإقليمية والدولية.
لا يتوقف المشروع الإصلاحي لرئيس الوزراء عادل عبدالمهدي على فرض سيادة القانون وإنما أيضًا في آلية اختيار فريقه الوزاري الذين يجب أن يتمتعوا بمستوى عال من الكفاءة والنزاهة، ولعل اختيار وزير الدفاع نجاح حسن علي الشمري والداخلية ياسين الياسري، فالأول ذو خلفية عسكرية والثاني ذو خلفية شرطية ، يسير في ذلك المشروع فهم مستقلون سياسيًا ولا ينتسبون إلى أي كتلة سياسية في العراق.
أما الرسالة التي يرغب رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي بإصداره ذلك الأمر مفادها بأن العراق لا يتزحزح عن القناعة السياسية التي يؤمن بها وهي العمل على استقرار المنطقة وأن العراق لا يقبل أن تكون أرضه ساحة لتصفية الحسابات بين الدول، وعلى هذا الأساس تتعاون رئاسات العراق الثلاث على تطبيق تلك القناعة.
لذللك سيتعامل رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي بجدية عالية مع كل الأفعال التي تتناقض مع تلك القناعة السياسية، ومن هذه الأفعال، حيث تشير التقارير الاستخباراتية بأن الطائرات المسيرة التي استهدفت محطات نفط في المملكة العربية السعودية انطلقت من مدينة كربلاء في العراق، وفي حال التأكد من صحة تلك التقارير عبر جمع المعلومات الاستخباراتية، لا يمكن السكوت عليه، لانه انتهاك صارخ لسيادة العراق.
واقتحام السفارة البحرينية في بغداد لأن هذه الأفعال تضر بعلاقة العراق مع الدول العربية، حيث عبّر بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء عن استيائه الشديد إزاء ما حدث. لكن ردود الفعل إزاء تلك الأحداث جاءت عكس ما يرغبون في توتير علاقة العراق مع مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، فقد اجري اتصال بين رئيس جمهورية العراق برهم صالح مع الملك حمد بن عيسى آل خليفة، كما اجرى اتصال بين رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي وملك المملكة العربية السعودية الملك سلمان بن عبدالعزيز، وكلا الاتصالين أكدا على عمق العلاقة بغداد مع المنامة والرياض.
يدرك رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي أن بيئة الشرق الأوسط تمر بأصعب مراحلها، فهو يحاول بكل عزيمة ووطنية أن يجنب العراق ويلات الصراع المتعدد المستويات، أولهما: إيراني -أمريكي، ثانيهما: إيراني- إسرائيلي، ثالثهما: إيراني- خليجي، وكل هذه الصراعات تؤثر على العراق بشكل سلبي نظرًا للنفوذ الإيراني فيه.
سبق وقلنا ونرددها مجددًا بأن رئيس وزراء عادل عبدالمهدي قد يكون الفرصة الأخيرة لعراق مستقر، لذلك على جميع القوى العراقية وعلى الدول الإقليمية كإيران والدولية كالولايات المتحدة الأمريكية تقديم الدعم اللازم لكي يتمكن عادل عبدالمهدي بإخراج العراق من نفقه المظلم، والوصول به إلى شاطىء الأمان، ويكون جسرًا لتقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران.
ما من شك أن تنظيم داعش الإرهابي كان اندحاره من أرض العراق مسألة وقت، لأنه فكر مناف للثقافة العراقية القائمة على التعايش كما أنه مناف للفطرة الإنسانية السليمة، لكن ما بعد تنظيم داعش الإرهابي هي المرحلة الأهم في تاريخ العراق المعاصر، فعادل عبدالمهدي بما يمتلكه من رؤية إصلاحية شاملة وحس وطني، لقادر على إعادة بناء العراق من جديد بالتعاون مع الداخل والخارج العراقي، لذلك صار لزامًا على الجميع الوقوف إلى جانبه في مهمته الوطنية.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية