الحرب في العراق مازالت قائمة في ظل انتشار عشرات الآلاف من الألغام في المناطق التي أُخرج تنظيم الدولة الإسلامية منها، لتشكل خطرا قائما حيث سجلت حوادث قتل وبتر بالمئات.
رجب صبحي الذي فقد ساقيه في لغم انفجر فيه حالة من مئات المعاقين في العراق بسبب الألغام.
يقول إن الطرق وخاصة الخارجية المحيطة بالمدن المستعادة من تنظيم الدولة أشبه بحقول ألغام لم تنفلق، فالمرور بها دون حذر أو تجاهلها بمثابة انتحار.
وهو ما أيده عبد الباسط جمعة وهو يتحدث عن لغم زرعه المسلحون إبان سيطرة تنظيم الدولة على قضاء بيجي (محافظة صلاح الدين شمالي العراق) أفقده إحدى عينيه في جبال مكحول (شمال) مؤكدا أنه واحد من بين مئات ذهبوا ضحية تلك الألغام لتكون الإعاقة ضريبة ذنب لم يقترفوه.
معاناة واسعة
“بتر ساقي ولدي هو إعاقة الأسرة بأكملها” هكذا قال للجزيرة نت والد رجب عن شعوره تجاه ابنه، مضيفا “أصبحنا أنا ووالدته نقضي أكثر وقتنا بمداراته وصار لزاما علينا التفرغ له والقيام على خدمته، وصرنا على قناعة تامة بعدم العودة إلى مدينتنا القائم غربي الأنبار، فإلى جانب دمار منزلنا وغياب التعويض لازمنا وجل من أن تعيد لنا الألغام المتناثرة مأساة أخرى وحينها لا ينفع الندم”.
وتتهم الحكومة من قبل الكثيرين بأنها لم تتخذ أي إجراءات حاسمة لتطهير المناطق المحررة وخاصة خارج المدن بالقرى الزراعية منها، وهو ما صرح به رئيس اللجنة الأمنية بمجلس محافظة الأنبار نعيم الكعود.
وأبدى الكعود استغرابه من أداء الحكومة التي أبرمت عقودا مع عدد من المنظمات وشركات أميركية وأجنبية أخرى لتفكيك الألغام، إلا أنها لم تقدم شيئا ونسبة إنجازها أشبه بالعدم.
وعزا التوقف عن تطهير المدن من الألغام محليا إلى عدم وجود الإمكانات والتخصيصات المالية بموازنات المحافظات المخصصة لهذا الأمر.
عسكريا
القوات الأمنية هي الأكثر دراية بمناطق وأنواع الألغام المنتشرة بالمدن، وجهدها العسكري هو الخط الأول للتعامل معها. إلا أن عدم الخلاص منها يعود لعدد الألغام الكبير الذي يتجاوز عشرات الآلاف في بعض الأحياء بحسب ما تحدث الناطق الرسمي باسم خلية الإعلام الحربي العميد يحيى رسول.
وأوضح رسول بأن كم من الألغام كهذا يستغرق وقتا ربما أطول من المتوقع بسبب ضعف الدعم والاعتماد على متطوعين بهذا المجال، ولفت إلى أن القوات المسلحة اضطرت لمنع أهالي بعض المناطق من العودة إليها بسبب الألغام المنتشرة فيها وهو أمر لا شك سيفاقم ملف عودة النازحين.
وهو ما أشار إليه الكعود بأن الألغام تعد عائقا لدى نسبة كبيرة من النازحين في المخيمات من أهالي المناطق الريفية البعيدة عن مراكز المدن.
تصاعد
وحين تعلن المنظمات التابعة للأمم المتحدة عن وجود 70% من ألغام تقدر -حسب ما صرح به العميد رسول- بعشرات الآلاف غير منفجرة يصبح الوضع مخيفا، وهو ما تحدث به مسؤول التخطيط في دائرة صحة الأنبار الدكتور زيد الزيدي للجزيرة نت.
وأكد الزيدي أن نسبة الضحايا في تزايد ملموس والإحصائيات وإن لم تكن دقيقة -بسبب عدم نيل هذا الجانب الاهتمام الجاد من الجهات المسؤولة- إلا أنه تسجل المئات من القتلى والجرحى سنويا.
كما أكدت مديرة مكتب منظمة الأمل لحقوق الإنسان سرود محمد ارتفاع معدل الضحايا، مشيرة إلى أنه خلال زيارتها مؤخرا لمناطق الحويجة والشرقاط بمحافظة صلاح الدين تم تسجيل قرابة مئة حالة جديدة من الإعاقات بسبب التعرض للألغام.
من جهته قال الأكاديمي في كلية الحقوق بجامعة تكريت د. ممتاز مطلب إن اتفاقية أوتاوا الدولية صنفت العراق بأنها صاحب الحصة الأكبر من الألغام المنتشرة داخل المدن ومحيطها، وعزت السبب إلى ما زرعته “العصابات الإرهابية” مطلع 2014 بعد سقوط عدد من المحافظات بيد تنظيم الدولة إثر انسحاب الجيش منها مخلفة وراءها ملايين الضحايا القتلى والمعاقين جسديا ونفسيا، وما زالت حوادثها متفاقمة حتى بعد خروج التنظيم.
وأكد مطلب أن القانون يتوجب أن يكون له دور حازم أمام كم الألغام هذا، مشيرا إلى حق المتضررين بإقامة دعاوى قضائية لضمان حقوقهم وفقا لأحكام المادة 231 من القانون المدني العراقي لمحاسبة المسؤول وتعويض المتضرر.
المصدر : الجزيرة