كربلاء (العراق) – دخل حزب الدعوة الإسلامية العراقي في مأزق جديد، بعدما اختار غالبية أعضائه التجديد لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في منصب الأمين العام للحزب ما يفتح الباب على إمكانية انشقاقات كبيرة داخل هذا الكيان السياسي، الذي سبق له أن أحكم قبضته على رئاسة الحكومة لنحو 14 عاما شهدت الكثير من التقلبات.
وخلال انتخابات الهيئة العامة للحزب في مدينة كربلاء التي بدأت الجمعة واستمرت يومين صوّت نحو 340 من أصل 400 عضو شاركوا في الاقتراع، لبقاء المالكي في منصبه أمينا عاما للدعوة بعد مرحلة من الشد والجذب بين قادة الخط الأول في هذا التجمّع السياسي الذي يكتسي صبغة دينية.
وعكست نتائج المؤتمر العام الذي تجادل أعضاء الحزب كثيرا بشأن موعد انعقاده والآليات التي ستحكمه، تفوّق المالكي في كل شيء، إذ صعد الجناح الموالي له إلى المواقع الرئيسية في “مجلس شورى الدعوة” المسؤول عن رسم السياسات العامة وتعيين وعزل القادة.
وتبخّرت آمال الجناح الموالي لرئيس الوزراء السابق حيدر العبادي الذي كان يشغل منصب مسؤول المكتب السياسي في الحزب، قبل أن يعلن استقالته منه خلال مرحلة التحضير للانتخابات. وفشل أنصار العبادي في حجز مواقع مهمة في مجلس الشورى، كما فشلوا في تمرير رغبتهم بتأجيل الاقتراع على منصب الأمين العام للحزب لحين تحقيق التوافق بين القادة.
وكرّس مؤتمر الدعوة الانشقاق الذي أحدثه تولّي العبادي رئاسة الوزراء خلفا للمالكي العام 2014، بعدما فشلت جميع جهود توحيد جناحي الحزب.
وخسر حزب الدعوة السلطة لأول مرة في العراق العام 2018 عندما خاضت قياداته الكبرى الاقتراع العام بقائمتين منفصلتين هما دولة القانون بزعامة المالكي وائتلاف النصر بقيادة العبادي.
وفشل كلّ من المالكي والعبادي في تحقيق فوز مريح يضمن لأيّ منهما الترشح لمنصب رئيس الوزراء بالرغم من أن حظوظ الثاني كانت كبيرة جدا، بسبب قيادته مرحلة الحرب على تنظيم داعش بنجاح وإدارة عملية فعّالة للانفتاح في ملف العلاقات الخارجية على دول إقليمية وعالمية.
وخلال مرحلة المفاوضات لتسمية رئيس الوزراء الجديد بعد الانتخابات العامة في مايو من العام الماضي اختار المالكي الوقوف إلى جانب أي مرشح يواجه العبادي الذي كان يسعى إلى ولاية ثانية، ما كرّس الانشقاق داخل حزب الدعوة.
وخلق هذا الموقف فجوة كبيرة بين قادة بارزين في الصف الأول بينهم “عرّاب الحزب” عبدالحليم الزهيري ومفاوضه الأبرز طارق نجم من جهة، والمالكي من جهة مقابلة، إذ حمّلوه مسؤولية خسارة الدعوة لمنصب رئيس الوزراء.
وبعد سلسلة من الخلافات والمشاحنات السرية والتراشق العلني قرّر الحزب الذهاب إلى مؤتمر عام لحسم جدلية القيادة والسياسة.
وبذل وسطاء من قادة الصف الثاني في الحزب جهودا كبيرة لتوحيد جناحي الدعوة قبل الانتخابات لكنهم لم يتوصلوا إلى نتائج واضحة.
وقبيل انطلاق أعمال المؤتمر كانت هناك ثلاث مجموعات تتحرك في الكواليس لدى كل منها هدف مختلف. وسعت المجموعة الأولى إلى إعادة انتخاب المالكي أمينا عاما للدعوة مع تعزيز دوره بمجلس شورى مُوال له، فيما سعت الثانية إلى تنحية المالكي عن القيادة والدفع بوجوه جديدة، فيما حاولت الثالثة التقريب بين الطرفين.
أعضاء بارزون في حزب الدعوة: المالكي دق المسمار الأخير في نعش الدعوة بعدما أصرّ على تولّي مسؤولية قيادته مجددا
وبالرغم من أن الزهيري ونجم دعما العبادي عندما تسلم منصب رئيس الوزراء وسعيا من أجل ضمان ولاية ثانية له إلا أنهما ليس جزءا من فريقه السياسي.
وحاول كل من الزهيري ونجم يدعمهما العبادي، إثناء المالكي عن الترشح لأمانة الحزب في هذه المرحلة لكن الأخير لم يصغ.
وقال أعضاء بارزون في الحزب لـ”العرب” إن “المالكي دق المسمار الأخير في نعش الدعوة بعدما أصرّ على تولّي مسؤولية قيادته مجددا، في مرحلة تتطلب تنحية الخلافات الداخلية واختيار قيادة جديدة يمكنها إعادة دمج الحزب في النسيج السياسي العراقي”، متوقعين أن تدفع هذه التطورات العديد من قادة الحزب إلى البحث عن مستقبلهم السياسي بعيدا عن الدعوة.
وبالنسبة لكثير من الملاحظين فإنّ المالكي أنهى أي فرصة لإعادة تسويق الحزب جماهيريا، لأن الرجل بات غير مرغوب فيه من قبل شرائح واسعة من العراقيين الذين لمسوا بالتجربة العملية النتائج السلبية لفترة حكمه التي تواصلت لولايتين متتاليتين ختمتا سنة 2014 بكارثة سقوط الموصل، وسيطرة تنظيم داعش على حوالي ثلث مساحة العراق وما جرّه ذلك من مآس وما خلّفه من خسائر بشرية ومادّية.
وبالنسبة لغالبية العراقيين يمثّل المالكي رمزا للطائفية وتقهقر الدولة في مختلف المجالات ولشيوع الفساد على نطاق واسع.
وتقول مصادر سياسية مطلعة إن المالكي يتوجه نحو تعزيز قبضته على حزب الدعوة، من خلال السماح لأقاربه بالصعود إلى مواقع قيادية فيه لاسيما أن اثنين منهم، ترشحا على قوائمه في الانتخابات الأخيرة وحصلا على مقعدين في البرلمان.
ويشبّه مراقبون سلوك المالكي داخل الحزب حاليا، بسلوكه خلال ولايته الثانية في منصب رئيس الوزراء، بين 2010 و2014، عندما سمح لعدد من أقاربه بمسك الملفات الرئيسية في الدولة، بالرغم من قلة كفاءتهم وانعدام خبراتهم ما قاد إلى كوارث أمنية واقتصادية لم يتعاف منها العراق حتى الآن.
العرب