بغدادـ في كل دول العالم هناك سكان أصليون، لهم جذور موغلة بالقدم وتاريخ وحضارات تعرف من خلال الآثار والحفريات، إذا فمن سكان العراق الأصليون؟ أو في بلاد ما بين النهرين كما كانت تعرف قديما.
وعلى الرغم من تباين الآراء والبحوث، يتفق الباحثون والمتخصصون على أن سكان العراق الأصليين هم مزيج من الأقوام منهم عرب وكرد وترك ومن ديانات مختلفة، وأن هناك سكانا سبقوا السومريين في جنوب العراق، ومنهم ما يُعرف بالفراتيين الأوائل وهم من سكان المدن الكبرى في جنوب العراق مثل الوركاء وغيرها.
ويؤكد أستاذ علم الآثار والدراسات المسمارية في كلية الآداب بجامعة بغداد منذر علي عبد المالك أن هناك أقواما كثيرة سبقت السومريين بآلاف السنين، وهم الفراتيون الأوائل حسب ما أطلق عليهم من قبل علماء التاريخ والآثار ومنهم الراحل طه باقر، وهؤلاء سكنوا العراق بحدود 5 آلاف سنة قبل الميلاد، مشيرا إلى أن هناك مجموعات بشرية أقدم منهم بكثير.
ويبين عبد المالك للجزيرة نت أن عمر أقدم مستوطن في العراق يعود إلى 8500 قبل الميلاد، في مدن مثل نمريك وملفعات والثلاثات ومدن أخرى كثيرة، مبينا -وبحسب الدراسات السابقة- أن أكثر تلك المواقع في شمال العراق ما بين محافظات دهوك والموصل وأربيل، مثلما هناك مواقع أخرى في جنوب العراق، توازي عمرها مواقع الشمال.
ويشير عبد المالك إلى وجود مواقع أخرى تعود إلى ما بين 5 إلى 6 آلاف سنة قبل الميلاد، تعرف بعصر سامراء والتي ظهرت فيها حضارة وديانات، بعدما وجدت فيها آثار لمعابد ودمى بشرية.
الفراتيون الأوائل
وفي الصدد ذاته، يبين الباحث في تاريخ الأديان الشيخ عباس شمس الدين، أن الفراتيين هم أول من سمى الأدوات الزراعية القديمة، وكانت هناك مجموعة أخرى أسبق منهم، منوها إلى أن قصة أن “العنصر الفلاني هو الأصلي لا أساس لها على الإطلاق لأنها متغيرة، وأن الأبحاث الجينية في (الأتوموسال) و(الأبلوغروب) لم تتضح بعد، فما فحص من العراقيين إلى اليوم لا يتخطى الألف عينة”.
ويقول شمس الدين في توضيح للجزيرة نت أن هناك ادعاءات تقابلها ادعاءات مضادة، وهناك عرب وجدوا قبل الإسلام في العراق مثل قبائل بكر ووائل وتميم، وقبلهم هاجر الكلدان من جزيرة العرب وقبلهم الأموريون وقبلهم الأكديون وقبلهم أقوام أخرى.
واستدرك بالقول: “إذا أردنا أن نتعمق بالبحث عن سكان العراق الأصليين فستظهر في النهاية أن أصل العراقيين من جزيرة العرب، وإذا انطلق البحث من السومريين فسنقول أن أصل العراقيين جاء من وادي السند”.
ووادي السند هو ما يعرف الآن بجنوب باكستان، حيث رجح بعض العلماء أن السومريين قدموا من هناك، بحسب شمس الدين.
كهف شاندر
وبحسب بحث علمي نشره مؤخرا موقع مشروع العراق الجيني (Iraq DNA project)، وهو موقع متخصص بدراسة جينات العراقيين، فإن الكرد الفيليين هم السكان الأصليون للبلاد، مستندا إلى مدى تأثير عينات صيادي ولاقطي كهف (شاندر) على التركيبة الأوتوسومية في العراق اليوم.
وبين الموقع ذلك من خلال مقارنة التركيبة الجينية لعينات عراقية متنوعة من مشروع العراق الجيني مع هيكلية مرجعية ضمت مجموعة من أقدم عينات لاقطي وصيادي العصر الحجري من المنطقة والعالم، ومن ضمنها عينات كهف شاندر، حيث يظهر حجم التأثير الكبير لعينات شاندر على كل سكان العراق من شماله إلى جنوبه مع تفاوت بالنسب المئوية بين مجموعة سكانية وأخرى.
وخلص البحث أن عينات كهف شاندر الزاغروسية كانت أحد المصادر الأساسية لتكوين سكان بلاد ما بين النهرين عموما، وكان التأثير أكثر وضوحا في مجاميع سكانية مثل الكرد وبالذات الورد الفيلية، إضافة إلى الآشوريين والكلدان والسريان ويهود العراق والصابئة المندائيين وتركمان العراق حيث تفوق النسبة النصف لدى المعدل العام لهم، بينما تصل النسبة إلى 40% في المعدل العام لدى عرب العراق والإيزيديين والكرد الكاكائية.
ويهتم مشروع العراق الجيني بدراسة التنوع لدى الشعب العراقي والذي أنشئ عام 2010، عبر دراسات خاصة وتحليلات عبر الحمض النووي (DNA).
مزيج من الأقوام
وتعقيبا على البحث العلمي يبين الباحث علي النشمي أن الجينات يمكن أن تكون متطابقة ما بين الكرد الفيليين وبين كهف شاندر، ولكن هذا لا يعني أن سكان العراق الأصليين هم فقط ممن سكنوا الكهف، وذلك لأن العراق مزيج من أقوام متداخلة، مشيرا إلى أن سكان العراق القدماء يتنوعون ما بين سكان الجنوب وسكان الوسط.
ويقول النشمي للجزيرة نت إن سكان الجنوب هم السومريون وقد جاؤوا من المنطقة الوسطى والتي تسمى اليوم كركوك وسامراء أو ما تعرف بالمناطق المتموجة وتكاثروا في السهل الرسوبي حتى أصبحوا بعد ذلك الشعب السومري، مبينا أن العراق امتزجت فيه الجينات، فمنهم من جاء من جبال زاكروس ومنهم من المناطق المتموجة وكذا من الشمال ومن المنطقة الغربية مثل الشام وغيرهم من جبال تركيا، وبالتالي فإن هناك خلطا جينيا كبيرا.
وكهف شاندر هو كهف قديم من عصور ما قبل التاريخ، يقع شمالي العراق، وجدت فيه بقايا عشر من الإنسان البدائي (النياندرتال)، يرجع تاريخهم إلى (35-65) ألف عام، كما يحتوي على مقبرتين تعودان إلى العصر الحجري الحديث.
كما يؤكد أستاذ علم الآثار منذر عبد المالك، أن رأي أغلب العلماء يميل إلى أن كردستان العراق ليس لها أي علاقة مع السكان الذين سكنوا شمال العراق وخاصة كهف شاندر، لأن الذين سكنوا الكهف هم من إنسان النياندرتال.
المصدر : الجزيرة