في مثل هذا اليوم 17 يوليو/تموز 2016، ضُمت مناطق الأهوار (جنوبي العراق) إلى لائحة التراث العالمي، حينما صوتت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) بإجماع أعضائها على ضم الأهوار إلى لائحة التراث العالمي. والأهوار كانت مركزا ثقافيا لعرب الأهوار الذين يعدون الوريث الشرعي للحضارتين السومرية والبابلية، ووصفتها اليونسكو حينها بأنها “ملاذ تنوع بيولوجي وموقع تاريخي لمدن حضارة ما بين النهرين”. ورغم الدعم الدولي الكبير لقرار اليونسكو، فلم تنل المنطقة -التي عانت طويلا من التهميش والإقصاء- اهتماما حكوميا أو أمميا يعكس قيمتها السياحية والثقافية الواعدة، وشهدت هجرة الكثير من سكانها لمناطق أخرى بسبب الجفاف والإهمال.
وكانت الأمم المتحدة والحكومة العراقية وعدتا بالعمل على توفير الإطلاقات المائية للأهوار، التي تتميز بمنازلها المبنية من قصب البردي التي تسبح وسط المياه، وتحتوي على حياة متكاملة، ويعتمد سكانها في غذائهم بصورة أساسية على الأسماك وتربية الجاموس. ودخلت اللائحة التراثية وفق قرار المنظمة أربعة أهوار في جنوب العراق، وهي الأهوار الوسطى، وهور الحمّار الغربي، وهور الحمّار الشرقي، وهور الحويزة. وهي مجموعة المسطحات المائية التي تغطي الأراضي المنخفضة الواقعة بين مدن العمارة والناصرية والبصرة.
فرص سياحية وتشكل مساحة الأهوار نحو 17% من مساحة العراق، وتغطي المياه 3.8 ملايين دونم (الدونم ألف متر) من الأراضي العراقية، ومنها 2.3 مليون دونم مغطاة بمياه الأهوار، بحسب تقارير حكومية. وتشكل هذه البيئة تنوعا نادرا وبيئة مواتية لعبور الطيور المهاجرة، وتعرف الأهوار بوفرة ثرواتها النباتية والحيوانية، وأبرزها الجاموس. وكانت الأهوار تغطى بمساحة تقارب 15 ألف كيلومتر مربع حول الجزء الجنوبي من نهري دجلة والفرات، لكنها بدأت الانحسار منذ نشوب الحرب العراقية الإيرانية وحتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي، حينما جففها النظام حينها لملاحقة المعارضين، وأصبح كثير من سكانها لاجئين ومهاجرين خارجها. ويتوقع أن تكون هناك مشاريع ممولة من الاتحاد الأوروبي لتطوير المواقع السياحية قرب مدينة أور، بكلفة قيمتها ثلاثة مليارات دولار، حيث من المفترض أن يكون هناك مجمع سياحي ترفيهي يضم العديد من البحيرات والمقاهي والنوادي العائمة، بحسب تأكيد رئيسة لجنة السياحة والآثار في مجلس ذي قار هيفاء الجابري للجزيرة نت. الإهمال والفساد لم تشهد الأهوار أي تطور، سواء على الواقع الخدمي أو العمراني، بما يضمن ديمومتها، إلا أنها بقيت كما هي، والمسؤولون عن الملف يجرون اجتماعات خجولة لا أكثر، بحسب حديث بديع الخيون مستشار محافظ ذي قار لشؤون الأهوار للجزيرة نت.
ويكشف الخيون عن وجود اعتراضات شخصية ومزاجية على أي مشروع استثماري في الأهوار، كمشروع نادي الصيد الذي أنفق على التصاميم الكثير من الأموال لإنشاء مجمع سياحي متكامل بكلفة ثمانية مليارات دينار (سبعة ملايين دولار) على مساحة عشرة دونمات. في ظل تلك المخاوف من الإهمال الذي قد تتعرض له مدينة بابل الأثرية، التي انضمت قبل أيام إلى قائمة التراث العالمي بشروط، اقترح الناشط البيئي ومسؤول منظمة الجبايش للسياحة البيئية رعد الأسدي أن يتم استحداث هيئة وطنية خاصة بالمواقع التي انضمت للتراث العالمي. وكانت اليونسكو اشترطت لإدراج بابل على قائمة التراث العالمي إزالة التغيرات التي طرأت على المدينة الأثرية، غير أن مراقبين شككوا في إمكانية تحقيق شروط المنظمة الدولية في ظل الفساد الذي ينخر الدولة العراقية. بيوت القصب في الأهوار (الجزيرة نت) بيوت القصب في الأهوار (الجزيرة نت) وعود وأضاف الأسدي للجزيرة نت أن التصريحات الحكومية بشأن الأهوار مجرد وعود لا أكثر، وأعرب عن أمله أن تنجز مشاريع حقيقية واعدة تعوض فترات الجفاف التي مرت بها الأهوار قبل عدة سنوات.
من جهته، بيّن وزير السياحة والآثار عبد الأمير الحمداني، أمس الثلاثاء، أن الحكومة الاتحادية ستطلق في أغسطس/آب المقبل دفعة جديدة من مشاريع تطوير الأهوار والمناطق الأثرية في محافظة ذي قار. وسجلت محافظة ذي قار عام 2018 نزوح أكثر من أربعة آلاف عائلة من سكان الأهوار إثر الجفاف الذي تفاقم خلال تلك السنة، في حين نفق ما يقارب عشرين ألف رأس من الجاموس، إضافة إلى كميات كبيرة من الأسماك، وهو ما أدى إلى هروب السكان بحثا عن مصادر الماء في مناطق الفرات الأوسط وشمال بغداد. وإلى جانب الأهوار، دخلت ثلاثة مواقع أثرية أخرى قبل ثلاث سنوات، وهي مدينة أور في الناصرية، والمشهور فيها زقورة أور، ومدينة أريدو غربي الناصرية التي تذكرها بعض الترجمات والأساطير بأنها واحدة من أهم المدن السومرية التي عمّر فيها ملوك سومر آلاف السنين، ومدينة الوركاء في محافظة المثنى التي ظهرت فيها الكتابة وملحمة كلكامش.
الجزيرة