أملٌ بالنسبة للبعض، وخشيةٌ بالنسبة للبعض الآخر؛ إذ إنّ الغرب وإيران قد يتوصلان إلى اتّفاق حول استخدام الطاقة الذرية من قبل طهران، وسيكون هذا الاتّفاق المطروح على الطاولة منذ عام 2002 حلًّا للخلاف الذي يبدو قديًما من فرط ما هو متجذّر في اللعبة الدبلوماسية العالمية.
2002: ثقة قصير المدّة
بعد 23 عامًا من الإيقاف، استؤنفت الأشغال في أوّل وحدة لمحطّة بوشهر.
ولكن مع هذه الخطوة القانونية الأولى، قامت إيران بخطوة أخرى في الاتّجاه المعاكس؛ إذ اكتشف يوم 12 سبتمبر من العام نفسه منشأتين نوويتين في ناتانز وآراك بعد ما صرّح به المعارض للنظام علي رضا جعفر زاده. وفي البداية، كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن وجود اليورانيوم المخصّب: تمّ الاشتباه فورًا في إيران بعملها على تصنيع السلاح النووي.
2003: تنازلات موجزة
لئن بدا سوء نية إيران واضحًا بالنسبة لفرنسا وألمانيا والمملكة المتّحدة -المجتمعون بمناسبة الـ EU three- فإنّ الاتّفاق الّذي تمّ التوصل إليه آنذاك لم يفرض صراحة على طهران أن تعلم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمشاريعها؛ وبالتالي أخذ الثلاثي زمام المبادرة، وطُلب من التلميذ السيئ الامتثال إلى البنود الإضافية لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الّتي تنصّ على زيارات مفاجئة من الوكالة الدولية للطاقة الذريّة.
قبلت إيران في أكتوبر 2003 التوقيع على البنود الإضافية في ديسمبر، وفي السنة الموالية اعترفت بوقف تخصيب اليورانيوم؛ في حين أن هذا يتّفق مع القواعد.
2005: أحمدي نجاد “مفسد الحفل”
لم يؤخذ بعين الاعتبار محمود أحمدي نجاد الّذي وصل إلى الرئاسة في يونيو 2005. إذ بعد شهرين فقط من انتخابه، كسر الاتّفاق؛ فقد صرّح الرئيس غريب الأطوار بلا خجل أمام الأمم المتّحدة أنّ إيران “لديها ببساطة الحقّ في تطوير برنامج نووي مدني”. ولئن لم يشر آنذاك إلى السلاح النووي، فإنّ التهديدات قد كشفت.
تمّت الإشارة إلى تخصيب اليورانيوم في محطّة أصفهان في وسط البلاد، وعلى الرغم من الحظر الغربي والدعوة إلى العقوبات الّتي أطلقها الأمريكيون؛ حصلت إيران على يورانيوم مخصّب بنسبة 3.5 % من الممكن استخدامه للانشطار النووي، كما أعلن محمود أحمدي نجاد في 2006 أنّ “إيران قد التحقت بركاب الدول النووية”.
2006: الركود والعقوبات
في مواجهة إيران المتقدّمة بتهور، لم تر الوكالة الدولية للطاقة الذرية من حلّ سوى إحالة الملفّ إلى منظمة الأمم المتّحدة، الّتي سعت إلى تعقيل البلاد من خلال تسويات واضحة؛ إذ اقترح الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن تقديم مساعدة مالية من أجل بناء مفاعلات بمياه خفيفة مقابل الوقف الفوري لتخصيب اليورانيوم، ولكن إيران رفضت هذا قطعًا؛ فلم يبق أمام الغرب في مواجهة هذا المأزق إلا معاقبة إيران الّتي ضاعفت من الانتهاكات.
وكانت هذه بداية تصعيد مقلق. إذ بمجرّد فرض عقوبة جديدة، يردّ أحمدي نجاد بجنون متهوّر؛ ففي عام 2007 أعلن الرئيس الإيراني عن أنّه يمتلك 3 آلاف جهاز طرد مركزي؛ وبالتالي يصبح قادرًا على تصنيع القنبلة النووية الّتي يخشاها الجميع.
ومع فرض الحصار الاقتصادي، قبل رئيس الدولة التحاور مع واشنطن، ولكن النقاشات كانت عقيمة؛ إذ إنّ إيران تنفي في كلّ مرّة تخصيب اليورانيوم، في حين منعت الولايات المتّحدة أيّ معاملة يمكن أن تغذّي هذه البلاد الّتي تريد تفقيرها.
كان موقف روسيا والصين في هذه المعركة غامضًا؛ فلئن دعتا إيران -مثل نظرائهما الغربيين- إلى وقف هذا السباق المحموم، فإنّهما كانتا أكثر رحمة فيما يتعلّق بالعقوبات التجارية، كما شاركت شركات روسية في بناء المحطّات النووية.
واستمرّت طهران في مشروعها وسط عزلة، وعلى الرغم من مقاطعة بنوكها من قبل معظم الاقتصادات العالمية.
2011: تسليط الضوء
في أواخر 2010، قامت إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 % وكشفت عن وجود موقع سرّي في فوردو. لم تعد القنبلة النووية احتماًلا بالنسبة للولايات المتّحدة و”إسرائيل”، وعلى الرغم من أنّ أحمدي نجاد قد نفى امتلاك رأس حربي صالح؛ فإنّ التدخّل العسكري بات متوقّعًا. وسجّل تدرّجًا جديدًا من الجانبين؛ إذ إنّ تشديد العقوبات لم يكن لديه صدى غير زيادة القدرات النووية الإيرانية؛ إذ إنّ عديم الحسّ في الأمم المتّحدة أعلن عن إنشاء 10 منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم.
باتت الأجواء متوترة في الأمم المتّحدة. ونذكر جميعًا الرسم البياني للقنبلة الّذي لوّح به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عام 2012 أمام نظرائه.
استعدّت القصّة إلى الابتسام؛ إذ كان الجميع في حالة تأهب مع إدراك قرب حدوث شرارة؛ حيث أظهرت إيران في السنة السابقة بالفعل أنها قادرة على ضرب “إسرائيل”. وفي عام 2013، اعتقد أوباما أنّه بقي عامٌ واحدٌ قبل أن تحصل طهران على قنبلة نووية. وأصبح موقع فوردو -الّذي أخفي لوقت طويل- مجّهزًا على أعلى مستوى.
2013: الانفراج
لئن رفض محمود أحمدي نجاد الخضوع لمن أسماهم “الأمريكان الصهاينة”؛ فإنهّ مجبر على الخضوع إلى قوانين بلاده. إذ مع انتهاء ولايته الثانية، ترك الرئاسة إلى حسن روحاني الأكثر اعتدالًا ودبلوماسية، خاصّة وأنه المفاوض السابق في المحادثات حول الملف النووي بين عامي 2003 و2005. وأعلن مبكّرًا عن رغبته في “التفاوض بجدية”؛ إذ صرّح في الأمم المتّحدة معربًا عن رغبته في انفتاح بلاده أنّ: “إيران لا تمثّل تهديدًا”.
يوم 27 سبتمبر 2013، تحدّث عبر الهاتف مع باراك أوباما في لفتة غير مسبوقة منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في عام 1979. كما قام المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بخطوة إلى الأمام من خلال الإعلان عن “عدم معارضته” لاستئناف الحوار.
يوم 15 أكتوبر، حدثت المفاوضات في جنيف بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتّحدة وإيران حول التخصيب الّذي يريده روحاني.
2015: الخاتمة؟
لئن لا تزال بعض المواقف متصلّبة -حيث إنّ إيران مستعدة لإظهار كلّ ما عندها مقابل الإلغاء الفوري للحظر- فإنّ الانفتاح قائمٌ؛ لأنّ النقاط الخلافية تخصّ في نظر الكثيرين الشكل لا الجوهر. فعلى سبيل المثال: يطالب الغرب بتدمير موقع فوردو الّذي نشأ في السرّ، في حين يرفض روحاني إلغاءه، ويدعو إلى تحويله إلى مركز للأبحاث الطبية. الأمر ذاته بالنسبة لإجراءات التفتيش: يقوم النقاش حول وتيرتها وحجمها لا حول إمكانية حدوثها.
من الطبيعي الشكّ في صدق إيران الّتي كانت مضللة لفترة طويل،ة ولكن من الممكن أيضًا الأمل في التعهّد بحسن النية من قبل دولة حريصة على إعادة إحياء اقتصادها وراغبة في القطع مع صورة المنبوذ الأبدي الّتي تلتصق بها.
التقرير