فجر الخميس الماضي، شنت قوات أمنية مستقدمة من خارج محافظة ذي قار العراقية، هجوما على المعتصمين قرب “جسر الزيتون” وسط مدينة الناصرية، ما أوقع 32 قتيلا وأكثر من 220 جريحا.
تداعيات الهجوم لم تتأخر، إذ أُرغم رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، على تقديم استقالته إلى البرلمان، فقبلها الأخير يوم الأحد، وأعقبه كل من محافظ ذي قار ومعاونه الإداري وقائد الشرطة، إضافة إلى إقالة الحاكم العسكري للمحافظة، الفريق جميل الشمري.
المجزرة وقعت بعد يوم واحد من وصول الشمري إلى ذي قار، حيث عيّنه عبد المهدي في عضوية “خلية الأزمة” الخاصة بالمحافظة؛ بهدف “ضبط الأمن وفرض القانون”.
وإجمالا، شهد يوما الخميس والجمعة الماضيين مقتل 70 محتجا، في أكثر موجة عنف دموية، منذ مطلع أكتوبر/ تشرين أول الماضي، حين اندلعت الاحتجاجات الراهنة، المطالبة برحيل ومحاكمة النخبة الحاكمة، التي يتهمها المحتجون بفساد مالي وسياسي أضر باقتصاد العراق، العضو بمنظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”.
قرارات خاطئة
تعتبر مدينة الناصرية، ومحافظة ذي قار عامة، التي ينحدر منها عبد المهدي ومسؤولون أمنيون وعسكريون وتنفيذيون، من أكثر المناطق العراقية دعما للاحتجاجات خلال السنوات الماضية.
وفي الموجة الاحتجاجية الراهنة التي انطلقت في 25 من أكتوبر الماضي، مدّت ذي قار ساحة التحرير وسط العاصمة بغداد بمئات المحتجين، بجانب اتساع رقعة الاحتجاجات في المحافظة ذات الغالبية الشيعية، والتي تُحكم بأعراف وتقاليد عشائرية.
يقول حسن الوائلي، عضو مجلس محافظة ذي قار، إن “قرارات عديدة خاطئة اتُخذت على مستوى الحكومة الاتحادية والإدارة المحلية في المحافظة، ما أدى إلى حصول مجزرة الناصرية“.
ويضيف: “المحتجون أصدروا بيانا، الأسبوع الماضي، أكدوا فيه إغلاق جميع المؤسسات الحكومية كنوع من الاحتجاج، لكن للأسف شخص ما أصدر أمرا بإعادة فتح مديرية تربية ذي قار، وتسبب بسقوط قتلى وجرحى، وهذه كانت بداية القرارات الخاطئة”.
ويتابع الوائلي: “تدخل وجهاء وشيوخ العشائر والمعنيون في المحافظة، وحصل اتفاق على تهدئة الأوضاع وعودة المحتجين إلى نصب الخيام في ساحة الحبوبي وعند جسر الزيتون وسط الناصرية”.
ويستدرك: “لكن فجر الخميس الماضي اقتحمت قوة أمنية مستقدمة (من خارج المحافظة) مكان اعتصام المتظاهرين قرب جسر الزيتون، وفتحت نيران أسلحتها تجاه المتظاهرين، ما أسقط عددا كبيرا من القتلى والجرحى”.
ويشدد على أن هذه “الأخطاء تتحملها بالدرجة الأولى الحكومة الاتحادية، وبعدها الإدارة المحلية والقوات الأمنية، فالحكومة لم تتعامل بالشكل المطلوب مع الأزمة التي تشهدها مختلف المدن”.
وسقط ما لا يقل عن 421 قتيلا وأكثر من 15 ألف جريح، استنادا إلى أرقام كل من لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، ومفوضية حقوق الإنسان (رسمية)، ومصادر طبية.
والغالبية العظمى من الضحايا هم من المحتجين، وسقطوا في مواجهات ضد قوات الأمن ومسلحي فصائل شيعية مقربة من إيران، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الأحزاب الشيعية الحاكمة في بغداد.
هدوء حذر
منذ مجزرة الناصرية، تتولى العشائر، بجانب قوات محدودة من الشرطة المحلية، حماية المدينة، التي تشهد هدوءا حذرا.
ويقول خالد ثامر، الناشط في احتجاجات الناصرية، إن “شيوخ ووجهاء العشائر سحبوا المتظاهرين من أمام مقر قيادة شرطة ذي قار إلى ساحة الحبوبي، بعد التأكد من أن مطلقي الرصاص الحي على المتظاهرين، الخميس الماضي، ليسوا في مقر قيادة الشرطة”.
ويضيف ثامر أن “العشائر تتولى حاليا، بالتنسيق مع الشرطة المحلية، حماية الناصرية، والوضع الأمني هادئ، ولا يوجد أي تصعيد”.
ويرى أن “استقالة عبد المهدي من منصبه ليست لها علاقة بعودة الهدوء إلى الناصرية، فالمتظاهرون يعتقدون أن المشكلة ليست بشخص رئيس الوزراء، إذ توجد منظومة فساد متكاملة يجب استئصالها”.
مطالب عشائرية
قائد شرطة ذي قار المستقيل، اللواء الركن محمد القريشي، أخلى مسؤوليته عن “مجزرة الناصرية”.
ويقول القريشي، خلال اجتماع مع العشائر، إنه لم يصدر أمرا بإطلاق النار على المحتجين، وكان يعتقد أن القوات الأمنية التي استُقدمت من خارج المحافظة ستتولى فقط تأمين منشآت الطاقة.
من جانبه، يفيد الشيخ كريم مهاور، أحد وجهاء عشيرة البدور، أن “العشائر تنتظر ما سيتوصل إليه القضاء بشأن المسؤول عن قتل أبنائنا العزل، الخميس الماضي.. نرفض الآن دخول أية قوات عسكرية إلى المحافظة، وسنتولى تأمين المدينة بالتنسيق مع الشرطة”.
وتوعد مهاور: “إذا لم يقتص القضاء من المتورطين بقتل أبنائنا، فسنتولى نحن أخذ حقوق قتلانا، فما حصل في الناصرية جريمة كبيرة بحق عشرات الشباب العزل المطالبين بالحقوق”.
وأعلن مجلس القضاء الأعلى، الأحد، صدور أمر قبض ومنع سفر بحق الفريق الشمري؛ للنظر في قضايا أحداث المظاهرات في ذي قار، وخاصة “مجزرة الناصرية”.
وعقب المجزرة، أصدرت عشائر ذي قار بيانا مشتركا ضم 11 مطلبا، أبرزها إقالة حكومة عبد المهدي، وحلّ البرلمان، وتشكيل حكومة مؤقتة لحين إجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة، وتعديل الدستور بإشراف أممي، ومحاسبة قتلة المتظاهرين، وعلى رأسهم الشمري.
وتحقق مطلب واحد من تلك المطالب حتى الآن، وهو استقالة حكومة عبد المهدي، التي تحوّلت إلى حكومة تصريف أعمال لحين تشكيل أخرى جديدة.
وقال عبد المهدي إن حكومته بذلت ما بوسعها للاستجابة لمطالب الاحتجاجات، رغم أنها تشكلت في ظل ظروف صعبة، بسبب تراكم المشاكل من الحكومات السابقة، على حد قوله.
وتبنت الحكومة، على وقع الاحتجاجات غير المسبوقة عددا من حزم الإصلاحات في قطاعات متعددة، لكن المحتجين يصرون على رحيل جميع مكونات الطبقة الحاكمة منذ عام 2003، تاريخ الإطاحة بحكم الرئيس الراحل، صدام حسين.
ودعت كتلة “سائرون” البرلمانية، المدعومة من التيار الصدري، الأحد، القضاء إلى محاكمة عبد المهدي ووزراء حكومته وقادة الأمن بتهمة قتل المتظاهرين.
(الأناضول)