تبدو دولة الكويت الأكثر تفاؤلا بإحداث اختراق في الأزمة القطرية خلال القمة الأربعين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، المقرر عقدها في الرياض في 10 ديسمبر/كانون الأول، وسط “توقعات” بحضور أمير دولة قطر أعمال القمة.
وهناك الكثير من المؤشرات على “انفراج” جزئي واحتمالات رسم الخطوة الأولى على طريق حل الأزمة بشكل تدريجي.
منذ الإعلان عن مشاركة السعودية والإمارات والبحرين في بطولة كأس الخليج 24 بالدوحة، وهي الاستجابة الأولى للمشاركة في نشاطات تنظمها دولة قطر، بدا واضحا أن الحملات الإعلامية المتبادلة قد خفت حدتها بشكل واضح.
لم يصدر عن حكومتي الرياض والدوحة أي تعليقات رسمية تتعلق بما نشرته صحف أمريكية عن زيارة قام بها وزير الخارجية القطري للرياض خلال الشهر الماضي، لكن زيارة محتملة كهذه تعطي إشارات إلى رغبة جدية بإيجاد حل للأزمة القطرية مع مؤشرات أخرى تتعلق بالحرب في اليمن بعد اتفاق المصالحة بين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا والحكومة الشرعية المدعومة سعوديا، إضافة إلى إطلاق سراح بعض الأسرى من جماعة الحوثي وتخفيف حدة الخطاب الإعلامي بين قطر والدول الخليجية الثلاثة الأخرى.
ورأت الكويت التي تقود وساطة رسمية لحل الأزمة، أن هناك مؤشرات لتحقيق المصالحة الخليجية وللتهدئة حول الملف الإيراني بعد الأشهر الماضية التي شهدت تصعيدا كبيرا، حسب تصريحات نائب وزير الخارجية الكويتي خالد الجار الله.
ويؤكد رئيس وزراء الكويت صباح خالد الصباح على أن القمة المنتظرة ستكون “محطة مهمة جدا للمصالحة الخليجية” في أجواء من التفاؤل على مستويات عدة بحل الأزمة.
كثيرا ما دعت الولايات المتحدة دول مجلس التعاون إلى وحدة وتماسك دول المجلس لتعزيز التحالف الإستراتيجي مع الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات الإيرانية في المنطقة.
وخلال زيارته إلى الكويت مطلع الشهر، التي تأتي في إطار جهود التوسط لإنهاء الأزمة بين قطر ودول جوارها من شركاء الولايات المتحدة في المنطقة، جدد وزير الخارجية الأمريكي دعوة بلاده إلى حل الأزمة بين الدول الخليجية “لتعزيز الجهود المبذولة لمكافحة التهديدات الإقليمية التي تشكلها إيران والدولة الإسلامية وغيرها من المجموعات الإرهابية”.
ومؤخرا دعا قائد سلاح الجو الأمريكي، الجنرال ديفيد غولدفين، إلى وحدة دول الخليج العربية لمواجهة الدعم التسليحي الإيراني للقوات الحليفة لها في اليمن ودول أخرى مثل العراق وسوريا ولبنان.
لكن السعودية، ومنذ الهجمات التي تعرضت لها منشآت النفط في شركة أرامكو في 14 سبتمبر/أيلول الماضي، أدركت أن الولايات المتحدة لم تعد حليفا موثوقا يمكن الاعتماد عليه في توفير المظلة الأمنية والحماية لدول مجلس التعاون في مواجهة التهديدات الإيرانية.
شكلت الهجمات على منشآت أرامكو منعطفا في السياسات السعودية التي باتت تميل إلى إيجاد حلول سياسية للعديد من مشاكلها الإقليمية، سواء ما يتعلق بالأزمة مع دولة قطر أو الحرب في اليمن، وما يتعلق بتخفيف التوترات مع إيران.
في وقت سابق من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، التقى نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، المسؤول عن ملف الحرب في اليمن بطلب خاص من ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، بالسلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، تحدثت تقارير إعلامية أنهما ناقشا الجهود المشتركة لحماية أمن المنطقة، والاستماع إلى رؤية عُمان بكيفية حل الأزمات في المنطقة.
وتركز سلطنة عمان التي تتبنى دور الوسيط “غير الرسمي” لحل الأزمة مع قطر، سياسة منفتحة على إيران تركز على ضرورة الحوار مع الإيرانيين لتخفيف حدة التوترات في المنطقة.
قد تكون الهجمات التي تعرضت لها ناقلات نفط في الخليج العربي وبحر العرب، وهجمات أخرى على منشآت أرامكو النفطية، وتراجع الدور الأمريكي في لجْم التهديدات الإيرانية، وضغوط أمريكية على دول مجلس التعاون لتوحيد صفها في مواجهة إيران، لعبت الدور الأكبر في لجوء السعودية والإمارات إلى إعادة تقييم سياساتهما الخارجية وكيفية التعاطي مع المشاكل الإقليمية، الحرب في اليمن، والتصعيد مع إيران، والأزمة مع قطر.
ويُعتقد على نطاق واسع أن دولة الإمارات تشكل العقبة الرئيسية في عدم دفع جهود تسوية الأزمة إلى الأمام، وليس دولة قطر.
وتتبنى السعودية سياسة خارجية تبدو أكثر ابتعادا عن السياسات الإماراتية لإيجاد حلول للمشاكل الإقليمية، وبدا ذلك واضحا في الاتفاق الذي رعته السعودية بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية، وهو الاتفاق الذي رأى محللون أنه جاء خلافا للرغبات الإماراتية ومتباينا مع سياساتها في اليمن.
وتحدثت تقارير إعلامية أن دولة الإمارات اعتذرت عن استضافة القمة الخليجية على أن تعقد في السعودية التي تستضيف مقر مجلس التعاون الخليجي، دون ابداء أي أسباب.
وتلقى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد دعوة من العاهل السعودي لحضور القمة الأربعين لمجلس التعاون الخليجي نقلها الأمين العام للمجلس وفق السياقات المعتمدة في توجيه الدعوات.
لم يحضر أمير دولة قطر القمة الخليجية التاسعة والثلاثين في الرياض العام الماضي، بينما حضر القمة التي سبقتها والتي استضافتها الكويت بغياب قادة السعودية والإمارات والبحرين.
سيكون لحضور أمير دولة قطر المتوقع إلى الرياض ولقائه بقادة دول مجلس التعاون خطوة متقدمة في تحقيق خرق في جدار الأزمة واحتمالات التوصل إلى تفاهمات تمثل الحد الأدني الذي يمكن البناء عليه وصولا إلى تسوية شاملة ونهائية للأزمة.
في مقابل ذلك، هناك العديد من الملفات الخلافية مع الدوحة لا تزال على ذات ما كانت عليه في بداية الأزمة في 5 يونيو/حزيران 2017.
لا تزال دولة قطر تحتفظ بعلاقات تعاون وتنسيق مع إيران في مجالات عدة تحفظت عليها دول المقاطعة العربية، إضافة إلى أن قطر تواصل تعزيز علاقاتها العسكرية مع أنقرة في الوقت الذي طالبت فيه دول المقاطعة إنهاء التواجد العسكري التركي في قطر.
كما أن قناة الجزيرة لا تزال تواصل خطابها الإعلامي الذي ترى دول المقاطعة أنه خطاب “تحريضي” يستهدف أمنها ومجتمعاتها، إضافة إلى استضافة الدوحة كبار قيادات حركات الإسلام السياسي المدرجة أسماؤهم على لائحة الإرهاب في تلك الدول التي تتبنى مواجهة تلك الحركات منذ ثورات الربيع العربي عام 2011.
لكن رغم تلك التباينات، فإن دول المقاطعة باتت تعطي الأولوية لتعزيز التحالفات العسكرية فيما بينها، ومع الولايات المتحدة ودول أخرى مثل فرنسا، لتبديد مخاوفها من الهيمنة الإيرانية، وضرورة أن تكون دولة قطر جزءا من التحالفات لتقوية صفها في مواجهة التهديدات الإيرانية بعد “تخاذل” الولايات المتحدة.
يرى مراقبون أن احتمالات المصالحة خلال القمة الخليجية وإعادة العلاقات مع الدوحة، هي احتمالات واردة لكنها لا تعني عودة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل أزمة يونيو/حزيران 2017، خاصة أن دولة قطر مستبعد أن تفكر في إعادة النظر بعلاقاتها مع كل من تركيا وإيران استجابة لمطالب دول المقاطعة الرباعية من منطلق تمسك قطر بما تراه استقلالية قرارها وسيادتها ورفض أي شكل من أشكال الوصاية الخارجية.
وتواصل الدوحة الإعلان عن استعدادها لحل الخلافات مع الدول الأخرى عن طريق الحوار المباشر دون شروط مسبقة وفق قواعد الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ورفض الإملاءات الخارجية أو الوصاية التي تنتهك سيادتها.
(الأناضول)