الشرق الأوسط: مزيد من الفوضى أو حصول تفاهمات

الشرق الأوسط: مزيد من الفوضى أو حصول تفاهمات

يبدو أن الشرق الأوسط ــ وتحديدا قلبه «العالم العربى» ــ سيبقى فى سنة 2020 مسرحا لحرائق مشتعلة وتوترات متزايدة قد تكون مستقلة لدرجة كبيرة فى مسبباتها الرئيسية والأولية ولكنها مترابطة فى تطورها ومساراتها. ترابط صنعته وتصنعه القوى الخارجية ولو بدرجات مختلفة وفى أوقات مختلفة فى مثلث يمتد من طرابلس الغرب إلى دمشق إلى صنعاء، تزداد الحرائق اشتعالا فى مناخ الحرب الباردة الدائرة والمتزايدة فى الشرق الأوسط والتى تغذى حروبا بالوكالة فى النطاق الساخنة، حروبا تعرقل أو تضعف من إمكانات ولوج باب الحلول. الحلول التى تستدعى أساسا تفاهم الحد الأدنى بين اللاعبين الخارجيين بشأن تغيير قواعد اللعبة وأهدافها.
الحرب العسكرية انتهت فى سوريا بمفهومها الشامل والواسع والمفتوح وحلت مكانها صراعات عسكرية وسياسية فى مناطق مختلفة وحول قضايا مختلفة. تحالفات وتفاهمات تتم «بالقطعة»، بعضها آخذ فى الاستقرار والبعض الآخر ما زال هشا: حلفاء فى مكان وخصوم فى مكان آخر. ويكفى النظر إلى «مسارح» الصراع فى الجنوب الغربى وفى الشمال الشرقى وفى الشمال الغربى لسوريا لتبيان هذه التعقيدات فى «المسرح الاستراتيجى» السورى: مسرح أخذ فى التوسع، مع اشتداد صراع النفوذ المستقبلى حول سوريا، نحو العراق فى الشرق ولبنان فى الغرب مستفيدا من انفجار أزمات ذات مسببات أساسية داخلية عند الجارين لسوريا ومن المرجح فى مسار التطورات الحاصلة أن يشهد المسرح الاستراتيجى السورى الواسع تزايدا فى حدة وأنماط الصراع حوله وبأشكال وعناوين مختلفة. فالجغرافيا الاستراتيجية والجغرافيا الاقتصادية لسوريا جاذبتان لهذا النوع من الصراعات التى يحتل المنتصر فيها مكانة رائدة فى الشرق الأوسط. وفى هذا السياق ازدادت رسائل التطبيع بشكل تدرجى وخجول بالوصول إلى دمشق، الأمر الذى يطرح السؤال حول عودة عربية بشكل فردى ولو أنه قد يكون منسقا بين البعض إلى سوريا. عودة يدفع بها عند البعض القلق من تعاظم الدور التركى من جهة ومحاولة الحد من النفوذ الإيرانى، عبر سياسة انخراط ولو متأخر، بعد فترة طويلة من الغياب العربى الساطع من جهة أخرى. وفى حين يشهد اليمن مسارا بطيئا ومتعثرا فى عملية خفض الصراع لم يترسخ بعد فإن محاولات «الطرف الثالث» الخليجى نجحت فى إطلاق مسار خفض التصعيد لكن التسوية النهائية تبقى مرتبطة لدرجة كبيرة بالمواجهة الأوسع فى المنطقة: مواجهة الحرب الباردة التى تغذى وتتغذى على هذه الصراعات.
وعلى صعيد آخر دلت التطورات الأخيرة فى ليبيا أن هذه الأخيرة قد احتلت موقع سوريا فى صدارة النقاط الساخنة والقابلة للمزيد من الاشتعال والجاذبة للتفاعلات الصراعية الإقليمية والدولية المتزايدة فى الشرق الأوسط الواسع. هشاشة الوضع الليبى الداخلى المجتمعى والسياسى والأمنى والجاذبية الاستراتيجية لليبيا على الأصعدة الإفريقية والمغربية والعربية والمتوسطية الأوروبية إلى جانب الثروة النفطية والغازية لليبيا كلها عناصر زادت من حدة الصراع حول ليبيا والدور المتعاظم أخيرا لتركيا عبر التحالف الوثيق والواسع فى أهدافه مع المجلس الرئاسى فى طرابلس. خلافات وأدوار جديدة ومتجددة تنتظر التوصل إلى تفاهم فى سباق مع محاولات الحسم العسكرى أو تعديل ميزان القوى على الأرض، للذهاب إلى مؤتمر برلين الذى يفترض أن يطلق مسارا جديدا للحل فى ليبيا.
مسار يقوم على مقاربة تعرف بمسمى من «فوق إلى تحت» أى من الخارجى إلى الداخلى للتوصل إلى حل الأزمة الليبية.
يحصل ذلك فيما دول مثل العراق ولبنان معرضة للانهيار الاقتصادى الحامل لانفجار اجتماعى مع تداعياته السياسية الداخلية والخارجية، تبقى أسيرة لدرجة كبيرة لصراعات الإقليم الاستراتيجية مما يزيد من مستوى ومساحة التوتر الإقليمى الحامل لمزيد من التعقيدات.
وعلى صعيد القضية الفلسطينية، تعيش إسرائيل أزمة سياسية تتعلق بالتحضير لانتخابات للمرة الثالثة خلال عام فهى تستكمل سيطرتها على الأرض الفلسطينية فيما القيادات الفلسطينية وتحت عنوان الاتفاق على إجراء الانتخابات المنتظرة مع رفض إسرائيل لإجراء الانتخابات فى القدس الشرقية، تعيش صراع السيطرة على ما تبقى من سلطة على بعض الأرض.
يبدو الشرق الأوسط أمام احتمالين أساسيين: حصول «صفقة كبرى» من المستبعد حصولها فى المدى القريب تؤدى إلى ترتيب المنطقة من خلال اقتسام الغنائم القائم على التفاهمات والتى قد تبقى هشة وقابلة للسقوط لاحقا، أو الاستمرار فى سياقات التفجير والانهيار ومحاولات إطفاء أو محاصرة بعض الحرائق لمنعها من الانتشار وهذا هو المرجح.

الشروق