انتفض العراق ولبنان ضد الفساد ونفوذ إيران.. فماذا بجعبة أميركا لتقدمه؟

انتفض العراق ولبنان ضد الفساد ونفوذ إيران.. فماذا بجعبة أميركا لتقدمه؟

أفاد مقال في مجلة فورين بوليسي بأن المحتجين في العراق ولبنان ثاروا ضد النفوذ الإيراني والطائفية والفساد، وأن على الكونغرس الأميركي تقديم عون “مشروط” لإرغام حكومتي البلدين على الاستجابة لمطالب شعبيهما.

وورد في المقال -الذي كتبه المبعوث الأميركي السابق للشرق الأوسط دينيس روس وزميلته الباحثة في السياسة العربية دانا سترول- أن ثائرة المتظاهرين في الشوارع موجهة نحو الطبقة السياسية في البلدين والحكومة الإيرانية.

ويقول الكاتبان إن الكيل قد طفح بالناس في لبنان والعراق من سوء إدارة الاقتصاد، والحكم العقيم، والفساد المستشري بين النخب السياسية، كما أنهم ينحون باللائمة في أوضاعهم المزرية على النفوذ الإيراني واستغلال الحرس الثوري الإيراني لبلديهما بتمويله وتسليحه مليشيات غير خاضعة للمساءلة.

الضغوط القصوى
وينظر الرئيس الأميركي دونالد ترامب للاحتجاجات في لبنان والعراق وأعمال الشغب الواسعة النطاق في إيران على أنها تثبت نجاعة ما تسميه إدارته سياسة “الضغوط القصوى” التي تمارسها على الاقتصاد الإيراني.

ويرى روس وسترول -وهما باحثان في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى- أن منتقدي الإدارة الأميركية يشكون في أن تؤتي تلك السياسة أكلها، لكنها حسب اعتقادهم ستضع الحكومة الإيرانية في مأزق، مما سيدفعها لتأجيج الصراع في المنطقة بدلا من الاستسلام.

على أن لا إدارة ترامب ولا منتقديها طرحوا مقترحات “مقنعة” بشأن كيفية التعامل مع التطورات الجارية في العراق ولبنان، فاكتفاء الإدارة الأميركية بتقديم الدعم “الخطابي” للجماهير العراقية واللبنانية، ومطالبتها الأجهزة الأمنية في البلدين بالكف عن التنكيل بالمتظاهرين إنما يعكس أقصى حدود قدرتها على الفعل.

أما المنتقدون فقد يكونون أكثر سلبية، إذ يخشون من أن انخراط الولايات المتحدة المتزايد في شؤون لبنان والعراق قد يصرفها عن التركيز على مناهضة إيران، والأنكى من ذلك أن تورطها قد يفاقم الوضع في البلدين العربيين استنادا إلى سجل إدارة ترامب “الأخرق” في تنفيذ سياساتها.

إن التردد والارتياب اللذين تتسم بهما تصرفات إدارة ترامب ومنتقديها على حد سواء مردهما بلا أدنى شك إلى تجارب الولايات المتحدة “البائسة” في سعيها لتحفيز التغيير في الشرق الأوسط، حسب تعبير المقال.الدفاع المتقدم
ويلفت الكاتبان إلى أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي دأب على وصف سوريا ولبنان بأنهما “الدفاع المتقدم” لطهران.

وبرأيهما، أن طهران استغلت عثرات الولايات المتحدة وفراغات السلطة في المنطقة لمد نفوذها وأساليبها “القهرية” إلى أبعد من الحدود الإيرانية، ونتيجة ذلك أن إيران أصبحت مسيطرة على ما يبدو على القادة والحكومات في العراق وسوريا ولبنان، وحققت غايتها من إملاء سياساتها والزج بوكلائها مثل حزب الله ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق في أجهزة الحكم لضمان نفوذ لها على المدى الطويل.

ويقول روس وسترول إن صناع السياسة الأميركية تحدثوا بجرأة وعلانية عن ضرورة تراجع إيران عن سياساتها بالمنطقة، إلا أنهم لم يقترحوا قط إستراتيجية فعالة بتمويل مناسب من أجل تحقيق ذلك الهدف.

بيد أن الاحتجاجات الواسعة النطاق ضد الحكومات الفاسدة والضعيفة وقوى الأمن “المتعسفة” وغير الخاضعة للمحاسبة كلها مؤشرات توحي بأن المكاسب الإيرانية قد لا تكون بذلك الرسوخ، بل ربما كان لها تأثير العدوى حتى على إيران نفسها، طبقا لوجهة نظر كاتبي المقال.

ولعل مشاركة جماهير مقدرة من الشيعة العراقيين واللبنانيين في الاحتجاجات ضد الحكم الطائفي ويد طهران الباطشة تفضح ضعف إيران، وصعوبة الحفاظ على موقعها الإقليمي كما يزعم روس وسترول.

القوة الناعمة
وعلاوة على ذلك، فإن إستراتيجية “القوة الناعمة” التي تنتهجها إيران بالاستفادة من علاقاتها الطائفية مع الشيعة في المناطق ذات الأغلبية العربية من أجل بسط نفوذها عبر مشاريع ثقافية ودينية وإعلامية واقتصادية يبدو -كما يؤكد كاتبا المقال- أنها تبددت، لارتباطها بالفساد والمفسدين من الزعماء، وبسوء الإدارة الاقتصادية وقوى الأمن الباطشة.

ولا تملك إيران حاليا سوى القليل من الأدوات أو الموارد في ظل اقتصادها الذي يعاني من الضغوط وسوء الإدارة، مما يستوجب من الولايات المتحدة أن تكون قادرة على مقارعتها بفعالية أكبر.
اعلان

وعلى السياسة الأميركية الآن التركيز على ما تستطيع واشنطن أن تقدمه للمنطقة وتمييز أسلوبها عن رؤية إيران “المتسمة بالعنف”.

ومن البشريات -التي يراها روس وسترول- أن الولايات المتحدة تملك في حقيقة الأمر الخبرات الفنية والعلاقات الدولية -ولا سيما تعاونها مع الحلفاء والمنظمات غير الحكومية ذات المصداقية- للمساعدة في التصدي للفساد وتعزيز حكم القانون، وإصلاح المرافق والخدمات، وتنظيم دورات تدريبية، وتطوير البنية التحتية، وإنعاش الاقتصاد.

إجمالا، فإن الشراكة مع الولايات المتحدة توفر -حسب المقال- إمكانية إقامة علاقات للتبادل العلمي والتربوي والتجاري والتقني “المجدي”، “وهو ما يريده المحتجون وما تستطيع واشنطن تقديمه بشكل بناء”.

وختم روس وسترول بأن إيران لا تملك أن تقدم أيا من تلك البرامج، وأن أمام الولايات المتحدة الآن فرصة سانحة لتقديم ما لا تستطيع إيران منحه للشعبين العراقي واللبناني اللذين يتوقان إلى تغيير حقيقي “ولن يهدأ لهما بال حتى يحصلا على ما ينشدانه”.

الجزيرة