طلع نفتالي بينت، وزير «الدفاع» الإسرائيلي، ببدعة جديدة الأربعاء الماضي بتصريح له، في حضور متهمين إسرائيليين محتملين بارتكاب جرائم حرب يقول إن تل أبيب «ستمنح جنودها قبة حديدية قضائية» لمواجهة قرار المحكمة الجنائية الدولية التي تعتزم فتح تحقيق في ارتكاب جرائم حرب محتملة داخل الأراضي الفلسطينية، معتبرا أن أولئك المتهمين المحتملين بجرائم الحرب يقومون بحماية الدولة الإسرائيلية وعليها بالتالي أن تحميهم، وأن المحكمة الجنائية الدولية «تصنع معاداة السامية الحديثة».
جاء التصريح على خلفية من قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية فاتو بنسودا فتح تحقيق في تصرفات الجيش الإسرائيلي خلال فترة العدوان على غزة بين 8 تموز/يوليو و26 آب/ أغسطس 2014، وهو ما جعل إسرائيل تستنفر ومجلس وزرائها المصغر «الكابينت» يقرر الاجتماع لبحث التهديد الأممي مع إضفاء السرية على المداولات وعلى الإجراءات «في هذه المسألة الحساسة».
تصادف تصريح بينت مع زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مدينة عسقلان على حدود قطاع غزة وقيام فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع بإطلاق صاروخ مما أدى لوقف الأخير لفعاليته الانتخابية، في تكرار لحادث مماثل جرى في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، واضطر نتنياهو في الحالتين للانسحاب خوفا على حياته رغم تفعيل جيش الاحتلال لـ»القبة الحديدية» التي قام بينت باستخدامها استعارة لإفلات إسرائيل من العدالة الدولية.
يشير تصريح بينت ضمنا إلى إمكانية ممارسة إسرائيل، وحقها على ما يبدو، في ممارسة جرائم الحرب، كما تشير السرية التي يريد الكابينت تغليف قراراته حول الموضوع بها إلى الإحراج السياسي الذي يشكله قرار المحكمة الجنائية الدولية، وربما إلى الطرق الملتوية التي قد تلجأ تل أبيب إليها في التعامل مع هذه «المسألة الحساسة»، ويشير استخدام تهمة «تصنيع معاداة السامية الحديثة» إلى إحدى الأساليب التقليدية التي سيجري استخدامها ضد المفوضة الدولية شخصيا، وضد «المحكمة الجنائية» ومن يعمل فيها، وهي إحدى طرق إسرائيل البائسة والمتهافتة للتعاطي مع أي انتقاد يمس ممارساتها في مناطق الاحتلال.
يفيد في هذا السياق عرض حادث آخر جرى في اليوم نفسه، حين قامت وزيرة «الثقافة» الإسرائيلية، ميري ريغيف، وهي إحدى الشخصيات المشهورة بتطرفها وركاكتها وعنصريتها، بمهاجمة من سمتهم «البخاريين»، الذين يجب عدم السماح لهم، حسب قولها، بالفوز في انتخابات حزب الليكود، في إشارة إلى جدعون ساعر، منافس نتنياهو على رئاسة الحزب، و»البخاريون» هو الاسم الدارج في إسرائيل للمهاجرين من منطقة وسط آسيا، والمقصود طبعا أن نتنياهو وأنصاره، هم من عنصر عرقي أعلى كونهم من يهود أوروبا الشرقية، وهو ما يجعلهم متفوقين جينيا على نظرائهم «البخاريين»، مما يفضح الأساسات العنصرية لاتجاهات اليمين المتطرف الإسرائيلي، ويكشف روابطها المتينة بالأيديولوجيات اليمينية المتطرفة في العالم، بدءا من الترتيبات الجغرافية (أوروبا مقابل باقي العالم)، والعرقية (البيض مقابل السود).
مسموح، ضمن هذه التراتبات الهرمية إذن أشكال تمييز اليهود بين بعضهم، من دون إمكان استخدام «السلاح النووي» المفضل، وهو «معاداة السامية»، والذي يترك لأي شخص أو مؤسسة أو دولة تهاجم إسرائيل أو تستنكر أعمالها الوحشية ضد الفلسطينيين.
المطلوب إذن، حسب بينت، التعامل مع العالم، كما يتم التعامل مع الفلسطينيين، لتصبح جرائم إسرائيل محصنة من العواقب العالمية، وبذلك تنجز إسرائيل إنجازها الأكبر فتغدو قادرة على ارتكاب الجرائم ضد أي كان، ويغدو العالم كله فلسطين (وبالتالي «معاديا للسامية»).
الشرائع الأممية ومحاكم الأمم المتحدة التي يفترض أن تحمي البشرية من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، والمنطق يقول إن الجرائم ضد الفلسطينيين هي جرائم ضد العالم أيضا.
القدس العربي