لن يطول الوقت حتى تعلن روسيا انتصار نظام بشار الأسد على ما تبقى من مقاتلين سوريين يواجهون جيش النظام والمليشيات الإيرانية والروس في محافظة إدلب. وكل المؤشرات تؤكد أن نهاية مرحلةٍ من عمر الثورة السورية باتت وشيكة، وهي التي تمثلت بحمْل السلاح للدفاع عن المتظاهرين السلميين، ثم تطوّرت في اتجاهات عدة، حتى وصلت إلى وضعها الراهن الذي يحتضر على نحوٍ لا يشكل مفاجأة لأحد، سواء جمهور الثورة أو خصومها. إلا أن نهاية هذه المرحلة ليست بالأمر العادي، ليس من منطلق أنها تطوي صفحة المعارضة المسلحة فقط، بل لأنها تمكّن النظام من مدّ نفوذه إلى مساحة شاسعة من سورية خرجت عن سيطرته منذ حوالي ست سنوات، وذلك من خلال استعادة كامل الطريق الدولي M5 الذي يربط دمشق بمدينة الحسكة، مرورا بمدن حماة وحلب والرقة، والذي يتفرّع إلى دير الزور، ويتقاطع مع طريق M4 الذي يربط حلب باللاذقية.
ووضعت روسيا كل ثقلها من أجل تحقيق هذا الإنجاز الذي يمكن النظام من التحكّم بشريان الحياة الاقتصادية في المنطقة الغنية بالثروات، خصوصاً النفطية والزراعية، إذ تعتبر شبكة الطرق هذه الوحيدة للنقل بين مناطق البلاد التي تقطّعت أوصالها بين مختلف الأطراف المتنازعة. وكون روسيا تدرك أهمية الطرق لترسيخ السيطرة، فإنها وضعت كل ثقلها، أكثر من عامين، من أجل الوصول إلى هذا الهدف الذي كلف حتى الآن تدمير الآلة العسكرية المعارضة للنظام، وألحق دمارا هائلا بالعمران في أرياف حماة وإدلب وحلب، وترتبت على ذلك حركة تهجير قسري واسعة من هذه المناطق، تجاوزت مليون مواطن سوري، باتوا مشرّدين لا يعرفون المستقبل الذي ينتظرهم أو الأرض التي سوف يستقرّون عليها. وتبين في الأيام الأخيرة أن الجانب الروسي على درجةٍ كبيرةٍ من العجالة كي يحسم هذا الملف في غياب ردٍّ تركيٍّ حازم، بوصف أنقرة داعماً أساسياً للمعارضة وضامنا لهذه المنطقة، وهي الأخيرة من بين مناطق خفض التصعيد الأربع التي استعادها الروس تباعا، ضاربين عرض الحائط بكل الاتفاقات التي وقّعوها مع تركيا.
يحقّق الروس نصرا للنظام، ولكنه نصر بطعم العار والجريمة. وأقل تسميةٍ تليق به أنه نصر المذبحة. هل هناك عارٌ أكثر قسوةً من أن ترسم روسيا طرقاتٍ للمدنيين السوريين، لكي يخلوا منازلهم في بلدات معرّة النعمان، بعد أيام من الهجوم اليومي لطائرات الروس والنظام على المهجّرين قسرا، وهم يسلكون طرقات الهرب تحت البراميل المتفجرة وصواريخ القاذفات الروسية التي تقدّمها وزارة الدفاع الروسية في معارض الأسلحة بوصفها سلاحا تم تطويره في سورية.
وجاء في صحيفة واشنطن بوست “ترى الحكومة الروسية نظام الأسد يكسب الحرب، وتعتقد أن منع وصول الغذاء إلى الناس الذين لا يزالون يقاومون حكم الأسد هو وسيلة فعالة لمساعدته”. وأتى هذا الكلام في معرض التعليق على الفيتو الذي استخدمه الروس ضد إيصال المساعدات الإنسانية إلى ملايين السوريين المدنيين الذين يعيشون خارج سيطرة النظام، وهؤلاء ليسوا من جماهير المعارضة، أو ممن يقعون تحت نفوذها فقط. والهدف من الخطوة الروسية هو توظيف سلاح الخبز من أجل تطويع السوريين، وكسب تأييدهم الأسد حاليا، وفي سبيل تعويم نظامه خطوة لاحقة.
وفي هذه الأثناء، تدرك الفصائل الصغيرة التي تقاتل على الأرض أنها تخوض معركةً خاسرة، وأن النظام سوف يبسط سيطرته على ريف إدلب في وقت ليس بعيدا، والطرف الذي يمتلك ورقة الحسم في هذه المواجهة غير المتكافئة هي روسيا. وعلى هذا، فإن الانتصار المرتقب الذي سيعلنه الروس هو انتصار المذبحة الروسية.
العربي الجديد