مع اتجاه الأوضاع في الشرق الأوسط إلى مزيد من التصعيد بعد اغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني، بضربة عسكرية أميركية في العراق، وتبادل واشنطن وطهران التهديدات منذ ذاك الحين، وحديث الطرفين عن تحديد أهداف لضربها، من المرجح أن تكون الجغرافيا السورية ساحة مفتوحة أمام الإيرانيين والأميركيين من أجل “تسجيل النقاط” في حال انزلاقهم نحو المواجهة العسكرية في الشرق الأوسط. وكلا الجانبان يملكان قواعد عسكرية في سورية، إذ يتمركز الأميركيون في شرق وشمال شرقي سورية في القسم الشرقي مما بات يعرف إعلامياً بمنطقة شرقي نهر الفرات، حيث الثروة النفطية التي أعلنت واشنطن صراحة أنها معنية بحمايتها ومنع استعادة النظام والإيرانيين والروس السيطرة عليها.
”
يتخذ الأميركيون من حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات قاعدة رئيسية لهم في سورية
“ويتخذ الأميركيون من حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات قاعدة رئيسية لهم في سورية، إضافة إلى قاعدة أخرى في منطقة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي أعادت القوات الأميركية في شرقي نهر الفرات تموضعها، وعززت وجودها بالقرب من بلدة الرميلان في ريف الحسكة التي تضم واحداً من كبريات حقول النفط في سورية. كذلك تتمركز القوات الأميركية في قرية هيمو في ريف القامشلي الغربي، وفي تل بيدر غير بعيد عن الحدود السورية التركية. كذلك لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بوجود محدود لها في محافظة الرقة، حيث تنتشر عدة نقاط لها، منها نقطة الجزرة غربي المدينة. والوجود الأكبر للأميركيين هو في قاعدة التنف في ريف حمص الشرقي في البادية السورية على الحدود السورية العراقية والتي تضم إلى جانب الأميركيين خبراء من عدة دول داخل التحالف الدولي.
في المقابل، تنشر إيران عشرات المليشيات في سورية، وتملك قواعد عسكرية بعضها معروف والبعض الآخر مجهول، بعدما عمد الحرس الثوري الإيراني إلى اتخاذ مقرات لقوات النظام السوري قواعد له للتمويه، خصوصاً في ريف دمشق والجنوب السوري.
ووردت أنباء السبت عن إخلاء الإيرانيين قواعد لهم داخل مدينة حلب شمال سورية، منها القاعدة التي كانت داخل مباني الأكاديمية العسكرية التابعة لقوات النظام في المدينة. وتعد قاعدة “الإمام علي” في منطقة الهري في محيط مدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي أكثر الأهداف وضوحاً أمام الأميركيين الذين قصفوا هذه القاعدة عدة مرات أواخر العام الماضي، ومطلع العام الحالي. ومن الواضح أن واشنطن تحاول عرقلة الجهود الإيرانية من أجل إتمام هذه القاعدة الكبرى التي يبدو أن الإيرانيين يريدون من خلالها ترسيخ وجود دائم في الشرق السوري. ووفق مصادر مطلعة، تحوي هذه القاعدة 15 نقطة عسكرية، بينها 10 نقاط تحوي عدداً من مخازن السلاح وساحات لتدريب المقاتلين، إضافة إلى عدد من المقار العسكرية للمليشيات المدعومة من إيران، فضلاً عن خمس نقاط أخرى تحوي منصات إطلاق صواريخ متطورة. وأكدت قناة “فوكس نيوز” الأميركية، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أنه من المقرر أن تؤوي القاعدة آلاف العناصر، كما يمكن إخفاء شاحنات وكميات كبيرة من المعدات العسكرية داخلها، حسب الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية التابعة لشركة “ISI”. وأشارت إلى أن الصور الفضائية أظهرت خمسة مبانٍ مختلفة تم بناؤها حديثاً وتحيط بها أكوام ترابية كبيرة. وأضافت أن هذه ستكون من أكبر القواعد التي تبنيها إيران في سورية، وأسندت مهمة بنائها إلى “فيلق القدس”. وقصفت طائرات مجهولة يرجح أنها إسرائيلية أكثر من مرة هذه القاعدة، إضافة إلى قصف طيران التحالف الدولي لها.
وإضافة إلى القواعد الإيرانية في الشرق السوري، هناك قاعدة إيرانية تؤكد مصادر مطلعة أنها لا تقل أهمية داخل “معامل الدفاع” بالقرب من بلدة السفيرة في ريف حلب الجنوبي الشرقي، مشيرة إلى أن الإيرانيين يتمركزون داخل المعامل منذ عام 2012. كما أشارت المصادر إلى أن الميلشيات الإيرانية تملك قاعدة كبرى في جبل عزان في ريف حلب الجنوبي، إضافة إلى نقاط عسكرية ليست بعيدة عن منطقة العيس في الريف نفسه، والذي لطالما كان مقراً وممراً للمليشيات الإيرانية. وكان سليماني قد زار ريف حلب الجنوبي أكثر من مرة خلال سنوات الصراع، كما تجول في أطلال الأحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة المعارضة في مدينة حلب إثر خروجها منها أواخر عام 2016.
وأوضحت المصادر أن للإيرانيين قاعدة مهمة من المرجح أن تكون ضمن بنك الأهداف الأميركية داخل مطار “تي فور” العسكري في ريف حمص الشرقي وهو أكبر المطارات العسكرية في سورية، وقد قصفته الطائرات الإسرائيلية في فبراير/ شباط 2018. كذلك يتخذ خبراء إيرانيون من مطار الشعيرات العسكري بريف حمص الشمالي مقراً لهم، وهو ذات المطار الذي قصفه الأميركيون في إبريل/ نيسان 2017.
”
للإيرانيين أكثر من قاعدة جنوب العاصمة وأقاموا قاعدة كبرى لهم في محيط مطار دمشق
“وللإيرانيين أكثر من قاعدة جنوب العاصمة دمشق في محيط بلدة الكسوة والتي تعرضت لقصف إسرائيلي أكثر من مرة، ومحيط منطقة السيدة زينب التي تحولت خلال سنوات الصراع على سورية إلى معقل بارز للمليشيات الإيرانية. كذلك أقام الإيرانيون قاعدة كبرى لهم في محيط مطار دمشق الدولي جنوب شرقي العاصمة السورية. ووفق مصادر متقاطعة، يطلق على هذه القاعدة اسم “البيت الزجاجي”، وهو مبنى محصن ذو جدران مضادة للانفجار، مؤلف من خمسة طوابق ويحوي 180 غرفة، يحرسه حوالي ألف عنصر مسلح، ويضم عدداً من الدوائر بما فيها مكافحة التجسس والخدمات اللوجيستية، وقيادة المليشيات الأجنبية، إضافة إلى المخابرات الإيرانية. وقام الطيران الإسرائيلي باستهداف المبنى في مايو/ أيار 2018 بغارات موسعة شنّها على دمشق ووسط وجنوب سورية، إلا أن الإيرانيين أعادوا تأهيله. إضافة إلى هذه القواعد، يحتفظ الإيرانيون بوجود لهم في العديد من المناطق السورية، منها جبل زين العابدين في ريف حماة الغربي، وداخل مدينة حمص وسط البلاد، وعلى الحدود السورية اللبنانية في منطقة القلمون الغربي.
وبحسب موقع “إيران انسايدر” المراقب للتحركات الإيرانية في سورية، فإن الميلشيات الإيرانية بدأت بعد ساعات من مقتل سليماني، بتعزيز وجودها في عدد من المناطق وتغيير مواقعها في أماكن أخرى، ورفع جاهزية القوة الصاروخية في قواعد عدة. ونقل الموقع عن مصادر مطلعة تأكيدها أن المليشيات الإيرانية في الأكاديمية العسكرية ومدرسة المدفعية في منطقة الراموسة داخل مدينة حلب، انسحبت إلى مناطق في محيط المدينة وإلى قواعدها العسكرية في قاعدة جبل عزان العسكرية والسفيرة ومعامل الدفاع جنوب حلب، ورفعت جاهزية منظوماتها الصاروخية والمدفعية.
وأضافت المصادر أنَّ الميلشيات استقدمت تعزيزات عسكرية من مناطق دير الزور والبوكمال إلى داخل بلدة الحاضر وسد شغيدلة في ريف حلب الجنوبي، ومن ثم وزعت قسماً آخر من تلك التعزيزات باتجاه مطار أبو الظهور العسكري بريف إدلب الشرقي. وقالت المصادر إن المليشيات الإيرانية استقدمت تعزيزات عسكرية إضافية من العراق باتجاه قاعدة “الإمام علي” في منطقة البوكمال وإلى مدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي، مشيرة إلى أن هذه المليشيات سحبت قوات لها من بادية دير الزور وحمص الشرقية باتجاه “الإمام علي”، تحسباً لهجوم جوي من قبل التحالف الدولي ولتقليل الخسائر البشرية والمادية في حال حدوثه.
العربي الجديد