على طاولة الاتحاد الأوروبي، في 2020، تحديات عديدة، أبرزها عملية خروج بريطانيا من الاتحاد (بريكست)، والعلاقات مع تركيا، وجهود القارة العجوز لمكافحة التغير المناخي.
شغلت قضية “بريكست” جدول أعمال الاتحاد، مقره بروكسل، لنحو 3 سنوات ونصف السنة، وها هي تقترب من النهاية، في 31 يناير/ كانون الثاني الجاري.
في ذلك اليوم، تغادر بريطانيا الاتحاد، بعد إعادة انتخاب المحافظ بوريس جونسون رئيسًا للوزراء، إثر فوز المحافظين بالانتخابات التشريعية، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وإذا لم تحدث تغيرات سياسية، ستكون بريطانيا أول دولة تغادر الاتحاد، منذ تأسيسه في 1993.
وتنتظر المفاوضات التجارية، التي ستستمر بعد “الطلاق”، مرحلة مخاض مؤلمة للغاية.
** مجموعة “فيشيغراد”
خطت دول مجموعة “فيشيغراد” (المجر، بولندا، والتشيك، وسلوفاكيا) سياسة معارضة لسياسات الاتحاد حيال بعض القضايا، وهو ما يبدو أنه سيستمر العام الجاري.
وثمة قضايا تثير غضب دول أوروبا الغربية، كالمعارضة المتزايدة للمهاجرين في بولندا والمجر، والجدل حول السياسات اليمينية وسيادة القانون.
فيما تشكو الدول الشرقية من أنه لم تُخصص لها استثمارات كافية بميزانية الاتحاد.
وتَعمق هذا الصدع بتبني البرلمان الأوروبي، وللمرة الأولى، في 2018، إجراءً يُعرف بـ”المادة السابعة”، يطلب من الدول الأعضاء التحرك لمنع “ارتكاب خروقات خطيرة تمس قيم” الاتحاد في المجر.
وندد رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، آنذاك، بما اعتبرها محاولة ابتزاز لدفعه إلى تغيير موقفه المتشدد تجاه الهجرة.
و”المادة السابعة”، التي يُطلق عليها أحيانًا “الخيار النووي”، هي إجراء عقابي لتأديب دولة عضو.
ونظريًا، يمكن لهذا الإجراء أن يؤدي إلى تعليق حق التصويت لبلد ما في الاتحاد، لكن ذلك يتطلب دعمًا جماعيًا، وهو مستبعد بسبب عرقلة بولندا له.
** مكافحة التغير المناخي
بشكل كبير، يركز الاتحاد على سياساته للحد من التغير المناخي، بهدف تحقيق ريادة بالوصول إلى “صفر” انبعاثات من الغازات الدفيئة بحلول 2050.
لكن ثمة معوقات، منها اعتماد بولندا ودول أخرى فقيرة على الفحم كمصدر للطاقة، إذ تريد هذه الدول مدة زمنية إضافية لتطبيق خطط الحد من انبعاثات الكربون، وإلا ستعارض بشدة أية سياسات في هذا الشأن.
** نفوذ في البلقان
يبحث الاتحاد عن سبل لزيادة نفوذه في البلقان، عبر ضم دول من المنطقة لعضويته؛ لقلقه من تأثير تركيا وروسيا والصين في المنطقة.
وأحرزت صربيا والجبل الأسود تقدمًا في مسار مفاوضات العضوية، فيما تطلب مقدونيا الشمالية وألبانيا من بروكسل الوفاء بوعدها ببدء المفاوضات معهما.
وبينما تؤيد رئيسة المفوضية الجديدة، أورزولا فون دير لين، بدء مفاوضات مع سكوبيه وتيرانا، تعارض فرنسا توسيع حدود الاتحاد، وترغب بإيجاد قواعد جديدة، وهو ما تدعمه دول، منها هولندا والدنمارك.
وبدأ الاتحاد بستة أعضاء، في 1957، ثم وصل إلى 28 عضوًا، مع آخر توسعة له بانضمام تركيا، في 2013.
** العلاقات مع تركيا
تتبنى أنقرة موقفًا واضحًا من التعاون الوثيق مع الاتحاد، واتخذت خطوات ذات نوايا حسنة، لكن يبدو أن ذلك لم يكفِ لتبديد سحب سوداء تشوب أجواء العلاقات الثنائية.
ومن المنتظر أن تتشكل هذه العلاقات، العام الجاري، وفق معايير عديدة مختلفة، منها أنشطة التنقيب التركية شرقي البحر المتوسط، وسياسات أنقرة حيال الأزمة السورية، واتفاق تحديد مناطق الصلاحية البحرية، الموقع بين أنقرة وطرابلس، في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
ويتبنى الاتحاد دائمًا مخاوف كل من إدارة الشطر الجنوبي لجزيرة قبرص واليونان، بينما دأب على صم أذنيه عن الطرح التركي، وهو ينشر رسائل إدانة مستمرة لأنقرة، ووصل الأمر حد تعليق المباحثات بين المسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين.
كما يبدو الاتحاد غير راغبٍ في الاعتراف بحق المواطنين الأتراك في دخول أراضيه من دون تأشيرة، ولا ينظر بإيجابية لتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي.
ولم يدفع الاتحاد حتى الآن نصف الستة مليارات يورو الخاصة باللاجئين السوريين، التي تعهد بها لأنقرة ضمن اتفاق مبرم بينهما.
وتوصلت أنقرة والاتحاد، ببروكسل في 18 مارس/ آذار 2016، إلى 3 اتفاقيات مترابطة حول الهجرة، وإعادة قبول اللاجئين، وإلغاء تأشيرة دخول الأتراك إلى دول الاتحاد الـ28.
ورغم إدلاء الاتحاد بتصريحات تضر بالثقة في علاقاته مع تركيا، إلا أنه لا يمكنه تجاهل حاجته لأنقرة كشريك تجاري مهم، وحليف في مجالي مكافحة الإرهاب والهجرة.
ولا شك أن تقارب القادة الجدد للاتحاد، الذين بدأوا مهامهم أواخر 2019، مع آراء أنقرة، سيكون عنصرًا مهمًا وحاسمًا في العلاقات الثنائية.
** سياسات ترامب
إبّان حكم الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما (2009-2017)، وصف الاتحاد واشنطن بـ”الحليف الموثوق”، لكنها أصبحت في ظل سياسات سلفه دونالد ترامب “حليفًا لا يمكن توقع تصرفاته”.
من هذه السياسات، انسحاب ترامب، في 2018، من الاتفاق النووي مع إيران، ومن اتفاق باريس للمناخ، في 2019، وهو ما اعتبره الاتحاد تخليًا من ترامب عن حلفائه الأوروبيين في منتصف الطريق.
واتفاق باريس هو أول اتفاق عالمي بشأن المناخ، وتم التوصل إليه عقب مفاوضات أثناء مؤتمر الأمم المتحدة الـ21 للتغير المناخي بباريس، في 12 ديسمبر/ كانون الأول 2015، وصدّقت عليه كل الوفود الـ195.
من الأسباب الأخرى لفتور العلاقات الأوروبية الأمريكية هو اتهام ترامب المتكرر للدول الأوروبية بالفشل في توفير موارد مالية كافية لحلف شمال الأطلسي (ناتو).
كما أغضب ترامب برلين، قاطرة الاتحاد، بخطته لفرض عقوبات على الشركات المشاركة في بناء خط أنابيب “نورد ستريم 2″، الهادف إلى زيادة صادرات الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا.
وعلى طاولته، يبقي ترامب على ورقة الحرب التجارية ضد الاتحاد الأوروبي، وهو ما يقلق الاتحاد، الذي يتخوف أيضًا من أن تأثير روسيا والصين والولايات المتحدة على المؤسسات الدولية سيزيد الضغوط عليه.
** قيادة جديدة
تلك التحديات سيواجهها الاتحاد الأوروبي في 2020 تحت قيادة جديدة تستمر خمس سنوات.
في أعقاب انتخابات البرلمان الأوروبي، عُينت الألمانية أورزولا فون دير لين رئيسًا للمفوضية الأوروبية، والبلجيكي تشارلز ميشيل رئيسًا لمجلس الاتحاد، والإيطالي ديفيد ساسولي رئيسًا للبرلمان.
وأصبحت كريستين لاغارد رئيسة للبنك المركزي الأوروبي، لتصبح أول سيدة تتولى المنصب.
** الرئاسة.. كرواتيا ثم ألمانيا
تسلمت كرواتيا، مطلع العام الجاري، من فنلندا الرئاسة الدورية للاتحاد لفترة 6 أشهر.
وهذه أول مرة تتولى فيها كرواتيا الرئاسة، منذ أن انضمت للاتحاد قبل 6 سنوات.
وخلال ترؤسها الاتحاد، تحت شعار “أوروبا قوية في عالم مليء بالتحديات”، يتعين على كرواتيا اتخاذ قرارات عديدة مهمة بشأن قضايا منها: خروج بريطانيا من الاتحاد، وانضمام دول غرب البلقان إليه، وتحديد ميزانيته بين 2021 و2027، إضافة إلى العلاقات مع أنقرة.
وبعد انتهاء الرئاسة الدورية لكرواتيا، ستتسلمها ألمانيا، في 30 يونيو/ حزيران المقبل، حتى انتهاء 2020.
(الأناضول)