لماذا لم تذكر وسائل إعلام كوريا الشمالية مقتل سليماني ولا حتى القذافي وصدام من قبله؟

لماذا لم تذكر وسائل إعلام كوريا الشمالية مقتل سليماني ولا حتى القذافي وصدام من قبله؟

سيطر احتمال المواجهة العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران على التغطية الإعلامية العالمية منذ الغارة الجوية الأميركية التي قتلت أقوى قائد عسكري في إيران، إلا أن الأمر في كوريا الشمالية كان مختلفا، حيث لم يكد مقتل اللواء قاسم سليماني وما أثاره من لغط يذكر في أجهزة الدولة الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وقالت صحيفة واشنطن بوست -في مقال لرئيس مكتبها في طوكيو سيمون دنير- إن التغطية الإعلامية في كوريا الشمالية احتلها خطاب الزعيم الأعلى كيم جونغ أون الأسبوع الماضي، وزيارته لمصنع الأسمدة هذا الأسبوع.

وخلت التغطية الإعلامية هناك من غير أخبار الزعيم -حسب الكاتب- إلا من تقرير صغير صادر عن وكالة الأنباء المركزية يوم الاثنين ذكر أن الصين وروسيا أدانتا الضربة الأميركية في بغداد، وأشارت الفقرة الأخيرة منه إلى أن الغارة أدت إلى مقتل قائد قوة القدس الإيرانية وشخصية من مليشيا عراقية، دون تسميتهما أو تقديم أي إحساس حقيقي بأهمية سليماني.
تشغيل الفيديو

مجرد إشارة عابرة
وأشار الكاتب إلى أن تقريرا موجزا آخر يوم الثلاثاء تحدث عن مظاهرة مناهضة للحرب جرت في واشنطن، وتساءل مستغربا عن سبب نفور القيادة من إيران، رغم أنها ميالة إلى انتقاد ما تصفه بالعدوان الأميركي في وسائل الإعلام الحكومية.

وقالت راشيل مينيونغ لي كبيرة المحللين في خدمة “أن كي برو” الإخبارية “حقيقة أنهم (كوريا الشمالية) لم يذكروا اسم سليماني أو ردة فعل طهران، تعني أن مقتل سليماني يمثل قضية حساسة بالنسبة لنظام بيونغ يانغ”.

ويقول بعض الخبراء إن حذر بيونغ يانغ نابع من خوفها من عمل عسكري أميركي قد يحدث، وإنها لا تريد الاعتراف بأن القادة المهمين يمكن القضاء عليهم، خشية أن يبدأ أي شخص في البيت الداخلي البحث عن أفكار جديدة.

وأشار الكاتب إلى أن وسائل الإعلام الحكومية تتمتع بسجل حافل من حجب المعلومات المتعلقة بـ “مصائر الدكتاتوريين السابقين الذين استهدفتهم الولايات المتحدة والذين انتهى بهم المطاف إلى القتل” من أمثال الزعيمين العراقي صدام حسين والليبي معمر القذافي.

وقالت لي “وسائل الإعلام الحكومية في كوريا الشمالية لم تذكر حتى يومنا هذا مصير صدام ولا القذافي، واكتفت بدل من ذلك بالإشارة إلى (كلمة) الإطاحة بهما، وكيف أن ليبيا والعراق أصبحا مثالين جيدين على الرضوخ للقوى الأجنبية والدخول في الخراب”.

الدبلوماسية مع واشنطن لم تعط شيئا
ومع ذلك، فإن أحداث إيران بالنسبة لكوريا الشمالية تدعم استنتاج كيم بأن عامين من الدبلوماسية المبدئية مع واشنطن لم تأتِ بشيء، وذلك في تبريره قرار أسرته الحاكمة قبل عقود بتطوير رادع نووي.

وقال الكاتب إن الهجوم الأميركي على سليماني جاء بعد أيام قليلة من تخلي كوريا الشمالية رسميا عن مساعيها مع إدارة (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب لرفع العقوبات، وأعلنت أنها ستعود إلى نهج أكثر تصادمية، وذلك في خطاب سياسي عشية رأس السنة الجديدة، أوضح فيه كيم أن بلاده ليست لديها نية التخلي عن أسلحتها النووية التي يعتبرها الضمان الوحيد لأمن نظامه.

وأكد كيم مرارا وتكرارا أن كوريا الشمالية لا يمكنها التخلي عن هذا الأمن حتى من أجل السعادة والراحة الاقتصادية، وأنها مستعدة لمواجهة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة، وأن عليها تحقيق تقدم اقتصادي من خلال جهودها الخاصة.

وقال أيضا “صحيح أننا بحاجة ماسة إلى بيئة خارجية مواتية لبنائنا الاقتصادي، لكن لا يمكننا أبدا بيع كرامتنا التي دافعنا عنها حتى الآن على أنها قيمة مثل حياتنا، على أمل حدوث تحول رائع”.

ويرى بعض الخبراء أنه من الخيال أن نظن أن كوريا الشمالية ستثق في إدارة أميركية لم تحترم الصفقة النووية مع إيران، ناسية أنها دولة لها تاريخ في تغيير الأنظمة بالخارج، وبالفعل أوضح كيم أن التعامل مع الولايات المتحدة على مدى العامين الماضيين قد عزز قناعاته.

وقال الزعيم الكوري في خطاب السياسة إن الولايات المتحدة -حتى لو حلت القضية النووية- ستجد أي خطأ في شيء آخر “مما نقوم به” وأنه لن يتوقف تهديدها العسكري والسياسي، مؤكدا “لقد شددنا عزمنا على ألا نقايض شيئا بأمن دولتنا وكرامتها وسلامة مستقبلها”.

ترامب يستخدم السلاح
ومع ذلك -حسب الكاتب- ما زال ترامب مصرا على أن كيم وعد بنزع السلاح النووي عندما التقيا في سنغافورة عام 2018، ويقول إنه ما زال يأمل أن يفي الزعيم الكوري بهذا التعهد باعتباره “رجلا يقف عند كلمته”.

ويشير الكاتب إلى أن بيونغ يانغ ظلت تؤكد أنها لم توافق مطلقا على التخلي عن أسلحتها النووية من جانب واحد، مشيرة إلى أن الزعيمين اتفقا فقط على العمل من أجل إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، وهي صيغة تنطوي أيضا على انسحاب التهديد النووي الأميركي.

ويرى أن قرار ترامب قتل سليماني قد يقنع الزعيم الكوري الذي يرى الخطر أمامه، بالمضي قدما بشكل أسرع في تطوير ترسانة بلاده النووية، لأنه يظهر أن كلام الرئيس الأميركي عندما يتحدث عن “النار والغضب” ليس مجرد كلام فارغ.

وقال أندريه لانكوف الأستاذ في جامعة كوكمين في سول “ترامب سوف ينظر إليه في كوريا الشمالية من الآن على أنه شخص يمكن أن يستخدم القوة (…) وهذه علامة سيئة للغاية لأنها تعني أن عليهم أن يتصرفوا بحذر أكبر”.

ويرى ليف إريك إيسلي الأستاذ بجامعة أوها في سول أن تصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة سيثني كوريا الشمالية عن التصعيد، ولكنه سيمنعها أيضا من التخلي عن سلاحها النووي.

الجزيرة