كشف موقع “ميدل إيست آي” أن الفصائل الشيعية العراقية تعيش حالة من الفوضى بعد الاغتيالات لقادتها رغم تعهد القادة العسكريون للحشد الشعبي بالرد على عملية إغتيال نائبه أبو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني. وقال قادة شيعيون إن هذه الفصائل لم تكن قادرة على ضرب القوات الأمريكية في العراق بعد عملية الاغتيال التي تمت يوم الجمعة خارج مطار بغداد الدولي.
وقال قيادي شيعي “فاجأت العملية الفصائل العراقية المسلحة التي اعتبرت خرقا لقواعد الاشتباك الدولي وتهديدا لها على أراضيها”. وبعد الرد الانتقامي الذي قامت به إيران يوم الأربعاء ضد قواعد عسكرية في العراق قال مسؤول بارز في الحشد الشعبي أن الوقت قد حان لـ “رد عراقي”. وقال قيس الخزعلي زعيم “عصائب أهل الحق” في تغريدة “لن يكون هذا الرد أقل حجما من الرد الإيراني”. وعلم الموقع أن إيران في الوقت الذي كانت فيه تشن الهجمات على القواعد العسكرية عقد الحرس الثوري اجتماعا مع الجماعات العربية المسلحة المرتبطة به استمر لمدة 4 ساعات للبحث في الخطوات المرتبطة بالرد الأمريكي.
إلا أن قادة الجماعات المسلحة التي تدعمها إيران أخبروا “ميدل إيست آي” أن خسارة قائدين يعني أنهم باتوا في حالة شلل وغير قادرين على الانتقام وتحمل ردود الأفعال الأمريكية.
وقال قيادي كان مقربا من سليماني والمهندس “ما حدث كان مفاجئا وكابوسا. وفقدان رجلين في وقت واحد كان صدمة لنا جميعا”. وأضاف أن “طريقة القتل، المكان والتوقيت هي رهيبة ومؤلمة ومخيفة”.
في الوقت الذي ينظر فيه إلى سليماني كبطل قاد بصفته مسؤولا عن فيلق القدس في الحرس الثوري إلا أن المهندس كان بمثابة العراب للمقاتلين العراقيين.
وفي الوقت الذي ينظر فيه إلى سليماني كبطل قاد بصفته مسؤولا عن فيلق القدس في الحرس الثوري إلا أن المهندس كان بمثابة العراب للمقاتلين العراقيين والذي أنشأ معظم الفصائل المسلحة. وعمل القائدان بمثابة البوصلة التي أرشدت المهام والاستراتيجيات للجماعات التي تدعمها إيران في العراق. وأدى اغتيالهما إلى فقدان الثقة والقدرة على العمل معا حسب مصادر تحدث إليها الموقع.
وقال سياسي شيعي بارز ” تعتبر الجماعات التي تدعمها إيران مجرد منفذة للأوامر ولا رأي لها ولا مشروع خاص لها”. وأضاف أن “المشروع العقائدي الذي تزعم الجماعات أنها تتبناه هو مجرد خيال وغير واقعي ويفتقد الأبعاد الجيوسياسية والجداول الزمنية وظل يحدد أبعاد هذا المشروع سليماني والمهندس”.
وقال ” تتمحور هذه الفصائل حول محورين: أبو مهدي المهندس وسليماني كممثلان عن ولي الفقيه، وكان الرجلان هما من يعطي الأوامر والثقة ويحددان الأهداف”. و “المشكلة الآن هي أن العلاقات بين الرجلين كانت شخصية ومباشرة” و “في غياب سليماني والمهندس فقدت هذه الجماعات توازنها وبوصلتها التي تحدد اتجاهها”.
وكان المهندس من أكثر الرجال المطلوبين لأمريكا لاتهامه بتفجير السفارة الأمريكية والفرنسية في الكويت ونظر إليه بأنه أكثر رجال إيران تأثيرا في العراق. وعرف بنائب الحشد الشعبي ولكن في الواقع لم يتول أي منصب في الحكومة منذ أيلول (سبتمبر) عندما قام عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء بإعادة هيكلة الحشد الشعبي وقلل من دور نائبه. وبعدها عرض عبد المهدي على المهندس لقيادة أركان الحشد الشعبي وهو ما رفضه ورفض تطبيق أوامره وواصل التصرف وكأن أمرا لم يحدث.
ورغم خسارته الدعم المالي والإداري من الحكومة إلا أن تأثير المهندس استمر داخل الحشد بطريقة لم تكن فيها الحكومة قادرة على السيطرة أو دفعه لتطبيق أوامرها. وخلال الأربعة الأشهر الماضية مثل الحكومة قائد الحشد فالح الفياض الذي ظل يصدر بيانات من فترة لأخرى ينكر فيها مواقف المهندس التي أحرجت الحكومة. ورغم إحباط الحكومة إلا أن المهندس وشخصيته القوية وتحديه لمعارضيه هي ما جذب إليه المقاتلين واتباع أوامره. ومن أجل الحفاظ على السلطة، رفض المهندس المشاركة بالسلطة وأرغم أي شخص حاول تحديه أو منافسته على الخروج. وقال ضابط بارز في الحشد إن “المهندس كان بمثابة ضابط ايقاع للفصائل المسلحة. وكان يعرف كيفية التعامل معها ويوجهها إلى الاتجاه الذي يريده أو إجبارها على عمل ما يريده” و “أبقى الشؤون المالية والإدارية والعسكرية في يديه للسيطرة على كل شيء حوله”. ولهذا السبب يقول القادة بات من الصعب استبدال القائدين. ويعتبر الحشد الشعبي الذي أنشئ لمواجهة قوات تنظيم “الدولة” بعد انهيار الجيش العراقي عام 2014 مظلة تجمع جماعات مثل منظمة بدر وكتائب حزب الله وعصائب الحق وقوامه 140.000 مقاتلا وبميزانية ملياري دولار في العام. واستخدم المهندس الحشد الشعبي كوسيلة للحفاظ على السيطرة. وقال قياديون إن المهندس حصل على ولاء بعض الفصائل من خلالها منحها العقود أو حرف النظر عن سرقتها لرواتب المقاتلين، فيما حرم الفصائل الأخرى من الأموال والمعدات والسلاح عندما تجرأت على مواجهة أوامره. إلا أن سياسة العصا والجزرة التي استخدمها المهندس تركت آثارا سلبية وبدأت بالظهور حتى قبل مقتله مما يجعل من الصعوبة أمام هذه الفصائل للتعاون معا بعد رحيله. وهذا هو الحال لأن معظم الفصائل التي تملك أكبر عدد من المقاتلين والإنجازات ولديها الثقل تم استبعادها من المناصب القيادية في الحشد والتي تم منحها للقيادات الموالية له. وقال القيادي البارز إن التنافس على المناصب سيبقي الجماعات في حالة خصام مما سيعقد من مهمة اختيار خليفة للمهندس. وقال عضو بارز “مثلا، قام المهندس بوضع 5 إدارات بالحشد تحت سيطرة صهره فيما تم تسليم مناصب قيادية بارزة أخرى لشخصيات مقربة منه وستكون هذه المناصب التي سيتم التنافس عليها”. وقال القيادي البارز إن التنافس على السيطرة بين الجماعات التي تدعمها إيران وتلك الموالية للمرجعية العراقية آية الله السيستاني قوي جدا. ولم يستبعد اندلاع نزاعات حقيقية بين هذه الفصائل. و “لو لم يكن هناك قتال فسيكون هناك نزاع بين قادة الفصائل وبالطبع فسيضعف هذا الجميع”. وبدأت محاولات الحفاظ على التأثير الإيراني في الحشد الشعبي مبكرا، فبعد أقل من 24 ساعة من مقتل المهندس عقد عدد من قادة الفصائل العسكرية والسياسية اجتماعا في بغداد واتفقوا على ترشيح هادي العامري، زعيم منظمة بدر ليحل محل المهندس، بصفة قائد للحشد لا نائبا له. وقال زعيم حضر اللقاء “تحتاج الفصائل لرجل تجتمع حوله وفي الوقت الحالي ليس هناك سوى العامري” ولكن “شخصية العامري ليست قوية مثل المهندس، ولكن ليس لدينا بديل في الوقت الحالي، ولهذا وافقنا على ترشيحه ليتولى منصب رئيس الحشد لأنه ليس من المعقول أن يعمل العامري تحت إشراف الفياض”. وقال إن الفياض يعتبر ضعيفا “وعليه الرحيل ويمكن لعبدي المهدي التوقيع على مرسوم في أيام”.
ويشير الموقع أن وضع الحشد الشعبي لا يتعلق فقط بالبحث عن بديل للمهندس، ولكن دقة الاستهداف والظروف التي رافقت القتل التي جعلت قادة الجماعات الشيعية المدعومة من إيران يخشون على الأمن داخل فصائلهم وأن أمريكا اخترقت صفوفهم بعمق وستقوم بتجميدهم واحدا بعد الآخر. وفي محاولة لشراء الوقت وتهدئة أفرادهم والحفاظ على ماء الوجه، قاموا يوم الأحد بالضغط على البرلمان من أجل إصدار قرار يدعو لطرد القوات الأمريكية من العراق. ورغم تحذيرات عبد المهدي من تداعيات إخراج القوات الأجنبية من العراق، خاصة أمريكا إلا أن البرلمان مضى وصوت يوم الأحد مما منح القادة فرصة لتهدئة مشاعر مقاتليهم وإعادة تجميعها. وقال قائد جماعة تدعمها إيران “كان هدف هذا القرار هو نزع فتيل الأزمة قبل أن تتورط جماعة في أمر لا يمكن التعامل معه لاحقا” وأضاف “كان الغضب عظيما والصدمة قاسية ومؤلمة على الجميع وهو ما شتتنا وأفقدنا التركيز. كما أن الوضع الحالي والتهديدات المستمرة من أمريكا شلت القادة”. و “نحن بحاجة لوقت كي نندب فقدنا ونجمع أنفسنا ونوحد قوانا وبعدها نقرر خطوتنا المقبلة. فالمبادرة هي بأيدينا حاليا ولا نريد فقدانها من خلال عمليات عاطفية غير مهمة وعلى قاعدة محدودة”.
القدس العربي