بعد مخاضٍ تجاوز العامين غلُب عليه التعثر والتصعيد التعريفي، وُلدت اتفاقية أميركية صينية، ومن المتوقع توقيع اتفاق (المرحلة الأولى) الأسبوع المقبل، وفقاً لوزارة التجارة الصينية خلال الزيارة المرتقبة لـإن ليو خه نائب رئيس الوزراء الصيني ورئيس فريق التفاوض في المباحثات التجارية الصينية الأميركية، لواشنطن.
الأسواق تراقب بحذر ساعة التوقيع، فالاتفاقية ستُحدث بلا شك انفراجة في الاقتصاد العالمي، لكن يبقى السؤال إلى أي مدى ستُعالج الاتفاقية التي ملأت تفاصيلها 86 صفحة الخلافات التجارية والاقتصادية والمالية العميقة بين البلدين.
رغم التقدم الذي أُحرز فيما يسمى “المرحلة الأولى”، فإن الصفقة كشفت عن خطوط تصدع متزايدة قد تهدد بـإزالة عولمة الاقتصاد العالمي، لكنها تبقى أفضل الموجود، فـشيء أفضل من لا شيء.
ليست المعركة كما يعتقد البعض على التجارة والملكية الفكرية فحسب، بل هي أيضاً معركة حول مستقبل نظام التجارة الدولية القائم على القواعد والنموذج الاقتصادي الذي سيسود.
الانتقادات الحادة التي وجهتها الولايات المتحدة للصين بشأن حقوق الإنسان في شينجيانغ وهونغ كونغ، ومخاوف واشنطن من شركة تكنولوجيا الاتصالات “هواوي”، إضافة إلى التوترات العسكرية المستمرة في بحر الصين الجنوبي، أضافت طبقات عميقة للنزاع الأميركي الصيني لن يستطيع اتفاق تجاري اختراقها.
عمل البلدان على تأسيس “صفقة تجارية” لمعالجة الحواجز التجارية الأولية، وتحسين مشتريات مكونات الأعلاف والمنتجات الزراعية الأميركية، وتقضي اتفاقية المرحلة الأولى التي جرى التوصل إليها على إدخال إصلاحات هيكلية، وتغييرات على النظام الاقتصادي والتجاري للصين، إلى جانب عنونة قضايا شائكة، مثل نقل التكنولوجيا والزراعة والخدمات المالية وتحويل العملات الأجنبية كما يقول مكتب التمثيل التجاري الأميركي.
لكن، في واقع الأمر إدارة ترمب تدرك تماماً أن الصين لن تتراجع عن جميع التعريفات، ولن تقوم بتعديل نموذجها الاقتصادي، الصفقة المحدودة هي الاعتراف بأن الصفقة الواسعة مستحيلة. كلاهما يدرك أن المرحلة الأولى هي كل ما يمكنهم الحصول عليه.
وتلزم اتفاقية المرحلة الأولى الصين شراء سلع أميركية تزيد بنحو 200 مليار دولار في قيمتها على الواردات الصينية السنوية من أميركا، وتشديد الحماية للملكية الفكرية الأميركية وتحظر النقل القسري للتكنولوجيا من الشركات الأميركية، والأهم أن الاتفاقية ستخلق نظاماً قوياً لتسوية النزاعات التجارية يضمن التنفيذ الفوري والفعال.
ويذكر أن من بين ما يقرب من 500 مليار دولار من البضائع التي تستوردها الولايات المتحدة من الصين كل عام، يخضع نحو 370 مليار دولار منها حالياً للتعريفة الجمركية.
ورُغم التوصل للاتفاقية التي ستدخل حيز التنفيذ في فبراير (شباط) المقبل، من المقرر أن تُبقي أميركا تعريفة بنسبة 25٪ على نحو 250 مليار دولار من الواردات من الصين، و7.5٪ من الرسوم الجمركية على 120 مليار دولار إضافية من المنتجات المستوردة من الصين طبقاً لمكتب التمثيل التجاري الأميركي.
من المتوقع أن تهدئ صفقة “المرحلة الأولى”، نزاعاً ساخناً بين أكبر اقتصادين في العالم، ما رفع تكاليف الشركات الأميركية، وألحق الأذى بالمزارعين الأميركيين وأسواق المال العالمية المتوترة.
الاتفاقية واستقرار الأسواق العالمية
أسامة آل رحمة نائب رئيس مجلس إدارة “مجموعة مؤسسات الصيرفة والتحويل المالي”، قال في تصريحات لـ”اندبندنت عربية”، إن الاتفاقية في مرحلتها الأولى “ستشيع الإيجابية” في ظل عدم اليقين الذي يخيم على الاقتصاد العالمي، بسبب الحرب التجارية الأميركية القائمة التي خلفت “تراجعات كبيرة لم تقتصر على الولايات المتحدة والصين فقط”، إنما اقتصادات العالم ككل، والدليل تراجع معدل نمو الاقتصاد العالمي بنحو 0.8%، أي أن العالم خسر ما يقرب من 700 مليار دولار، كان يمكن أن تضخ لو لا نشوب تلك الحرب.
ويرى آل رحمة أن الحرب التجارية بين أميركا والصين كانت “أحد المسببات الرئيسة لتراجع النمو الاقتصادي للعالم”، وبالتالي فإن توقيع الاتفاقية “سيخلق حالة من الاستقرار والثبات في الأسواق”، ما سيضخ “جرعة من النمو للاقتصاد العالمي”.
ويرى المختص الاقتصادي آل رحمة “، أن التوصل إلى تلك الاتفاقية “لم يأت من فراغ”، فقد جاء بعد مخاض طويل وكثير من التجاذبات بين البلدين، ويقول “وجود اتفاق أفضل من عدمه”.
أما البعد الثاني للتوصل لتلك الاتفاقية فيتمثل على حد قول آل رحمة، في أن الصين “تستثمر بشكل كبير في السيولة التي تمتلكها في أُذونات الخزانة الأميركية”، فحتى وقت قصير كانت الصين تحتل المرتبة الأولى في هذا الجانب إلا أن حربها التجارية مع أميركا جعلتها “تتراجع للمرتبة الثانية”، لتتقدم عليها اليابان في الاستثمار بتلك الأُذونات.
من وجهة نظر آل رحمة، استفادت الولايات المتحدة من نمو الاقتصاد الصيني في كثير من الأبعاد سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، لذلك الأمر لا يرتبط بالجانب التجاري، فالولايات المتحدة المستوعب الأكبر للفائض النقدي الموجود في الصين.
ويرى أن الصين “حاولت الخروج من الحرب التجارية بأقل الخسائر”، قائلاً إن التوصل للاتفاقية جاء عبر “نوع من التوافق بين الجانبين”، مذكراً بأن الصينيين “مفاوضون جيدون”، ومشيراً إلى أن التصعيد الأخير بين أميركا وإيران “كانت له تداعيات على قطاعات الطاقة والذهب وغيرها من القطاعات الأخرى”، منوهاً إلى أن الإعلان عن قرب توقيع الاتفاقية “خلق حالة من الارتياح في الأسواق العالمية ككل”.
روبرت دالي مدير معهد كيسنجر في مركز ويلسون، وهو مركز أبحاث في واشنطن، قال إن إدارة ترمب تسمى هذه المرحلة “الأولى” من صفقة تجارية مع الصين، لكن “لا يوجد سبب كاف لتوقيع المرحلة الثانية أو الثالثة”.
ويرى أن الصين حصلت بالفعل على “فترة راحة من التهديدات الأميركية المستمرة”، ويقول يبدو أنها قد فعلت ذلك “دون تقديم أي شروط”.
اندبندت العربي