أيّ عراق بعد جولتيّ الانتقام بين أمريكا وإيران؟
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعترف بأنه اتخذ شخصيا قرار الانتقام لأمريكا بقتل الفريق قاسم سليماني، المسؤول في زعمه عن قتل مئات الأمريكيين، والذي كان عازماً على نسف عدة سفارات أمريكية في دول الإقليم.
المرشد الأعلى السيد علي خامنئي قال إن إيران سددت صفعة أولى لأمريكا بضرب قاعدة عين الأسد، انتقاماً للشهيد قاسم سليماني وللمئات غيره من الشهداء الذين قضوا في مقاومة الاستكبار الامريكي.
مَن ينتقم للشهيد القائد العراقي المقاوم أبو مهدي المهندس؟
رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، دعا برلمان العراق إلى سنّ تشريع لإنهاء وجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية. البرلمان استجاب الدعوة في جلسة طارئة، قاطعها معظم النواب السنّة العرب والكرد.
لتزخيم قرار البرلمان، سارع قادة «الحشد الشعبي» إلى الإعلان بأن المقاومة العراقية، ستتولى مهمة إجلاء القواعد الأمريكية انتقاماً للشهيد أبو مهدي المهندس. بضغطٍ من الأوساط «الصديقة» للولايات المتحدة، انتقد وزير الخارجية العراقي إيران، وقبلها أمريكا، لخرقهما سيادة العراق بعمليتين عسكريتين على أرضه.
تدخل المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني بلسان ناطق باسمه في خطبة الجمعة، مندّداً بالمواجهة العسكرية بين أمريكا وإيران على أرض العراق، ومؤكداً على أنها تنمّ عن تجاهلٍ صارخ لسيادة البلاد. صحيح أن أكثرية العراقيين تجافي أمريكا وتبتغي إجلاء قواعدها العسكرية عن بلاد الرافدين، إلاّ أن ذلك لا يخفّف من وطأة الشرذمة السياسية والاجتماعية التي تسود العراق، وتساعد أمريكا، كما غيرها، على تعميق التنافر بين «مكوّناته» السياسية والاجتماعية. الأمريكيون هم من اعتمدوا، بعد احتلالهم العراق عام 2003، مصطلح «المكوّنات» وكرسوه من خلال دستورٍ ونظام سياسي فرضوه على البلاد، يحاكي نظام المحاصصة الطائفية في لبنان. فرئيس الجمهورية حصة الكرد السنّة، ورئاسة مجلس النواب حصة العرب السنّة ورئاسة مجلس الوزراء حصة العرب الشيعة، وثمة حصص محفوظة في مقاعد مجلس النواب للمسيحيين والأيزيديين وغيرهم.
الأمريكيون اعتمدوا بعد احتلالهم العراق عام 2003، مصطلح «المكوّنات» وكرسوه من خلال دستورٍ ونظام سياسي فرضوه على البلاد
اللبننة بما هي نظام التمايز الطائفي والمذهبي، واستثارة العصبية الطائفية لاستجلاب المصالح السياسية والاقتصادية وحمايتها، هي ما ساد ويسود العراق بعد الاحتلال الأمريكي، وهو السلاح الأمضى الذي تستخدمه واشنطن حالياً في حربها على قوى المقاومة العراقية وعلى إيران، وفي سعيها الدؤوب لتعميق الانقسام والشرذمة بين العراقيين .
قوى المقاومة العراقية جادة في كفاحها لإجلاء القواعد العسكرية الأمريكية، وهي ستتلقى دعماً سياسياً ولوجستياً سخياً من إيران، لكنها لن تستطيع تحقيق نجاح محسوس في هذا المجال ما لم تتمكّن، بالتعاون مع القوى الوطنية الحيّة العابرة للملل والنحل و»المكوّنات» والمناطق والمشارب، من إشاعة مناخ وطني شامل وسلوكية وطنية واجتماعية راسخة.
في هذا السياق، ثمة مقاربة وسلاح فاعلان لتجاوز حال «اللبننة» والشرذمة وتعطيل مناورات أمريكا ومخططاتها التقسيمية. إنها المقاومة المدنية والميدانية ضد الولايات المتحدة ووجودها السياسي والعسكري في بلاد الرافدين. ففي موازاة العمل الوطني والسياسي لبناء جبهة وطنية ديمقراطية ناشطة في البلاد، وفي مؤسسات الدولة، ولا سيما في مجلس النواب، يقتضي مباشرة مقاومة ميدانية يومية فاعلة ضد الوجود الامريكي، السياسي والعسكري، كما ضد شبكة السياسيين الفاسدين التي سطت على موارد البلاد واستولت على مئات مليارات الدولارات من عائدات النفط والأموال العامة، وعطّلت مشروعات التنمية، واحترفت إثارة العصبيات الطائفية والمذهبية لتدويم سيطرتها على السلطة والموارد والمصالح.
الى ذلك، يقتضي أن تبادر القوى الوطنية والتقدمية، كما قوى المقاومة العراقية، إلى تسريع وتيرة التعاون مع مثيلاتها في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين المحتلة من أجل تحقيق ثلاثة اهداف رئيسة:
(أ) فتح المعابر والحدود في ما بينها لتعزيز التنقل والانتقال وتسويق السلع والخدمات، وإقامة المشاريع التنموية الثنائية والإقليمية.
(ب) إقامة تحالف سياسي وعسكري، لمواجهة الهيمنة الأمريكية والعدوان الصهيوني وذلك بتوحيد وتفعيل جبهات المواجهة بين اطراف محور المقاومة جميعاً ضد «اسرائيل»، وتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي مع الدول المتمايزة في علاقاتها عن الولايات المتحدة، ولا سيما الصين وروسيا.
(جـ) العمل الجاد لبناء سوق مشتركة، ومن ثم صيغة اتحادية (فيدرالية) ديمقراطية بين بلدان المشرق العربي المنخرطة في مقاومة ناشطة ضد الكيان الصهيوني.
كل ما تقدّم بيانه مطلوب وملحّ، إلاّ أن تحقيقه لا يتمّ بمجرد قرار يتخذ في اجتماع أو مؤتمر، بل بإنتهاج مسار متكامل يشتمل كل مجالات السياسة والاقتصاد والأمن والثقافة.
عصام نعمان
القدس العربي