اغتيال سليماني يعقّد الوضع اللبناني

اغتيال سليماني يعقّد الوضع اللبناني

ازدادت المأساة الاقتصادية والمالية والمعيشية التي يعيشها المواطنون اللبنانيون قساوة وحدّة في أعقاب اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، الجنرال قاسم سليماني. كانت للحدث الدراماتيكي الذي وقع في العراق، وشكل ذروة الصراع الأميركي ضد إيران، انعكاساته المباشرة على الوضع اللبناني على أكثر من صعيد. على المستوى الأمني؛ ساد قلق كبير في وسط اللبنانيين جميعاً من إقدام حزب الله على المشاركة في الرد الانتقامي على حادثة الاغتيال من الأراضي اللبنانية ضد إسرائيل. وعلى الرغم من تشديد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، على أن إيران هي التي ستتولى الرد، فإن إعلانه بدء الحرب لإخراج القوات الأميركية من المنطقة فاقم في مخاوف الناس، زاد في ذلك خصوصاً تقديرات إسرائيلية رأت أن الرد الانتقامي الإيراني على الاغتيال قد لا يكون نهاية الأمر، وثمّة احتمال أن تتعرض أهداف أميركية في المنطقة إلى هجمات على يد وكلاء إيران في المنطقة، وفي طليعتهم حزب الله في لبنان.
على المستوى السياسي الداخلي؛ أدّت الحادثة إلى فرملة كل المساعي التي يقوم بها رئيس الحكومة المكلف، حسان دياب، لتشكيل حكومة جديدة من الخبراء الذين لا ينتمون إلى أحزاب. في وقتٍ بدا فيه واضحاً انشغال حزب الله بالتطورات الإقليمية، ومراجعة حساباته في ضوء الحدث الجلل الذي أصاب ركناً أساسياً من محور الممانعة الذي تقوده إيران. وعادت الأصوات التي تدعو إلى تشكيل حكومة تجمع بين سياسيين واختصاصيين، أو بحسب تعبير رئيس المجلس النيابي اللبناني، نبيه بري، حكومة “لمّ الشمل”، مع خيار عودة سعد الحريري إلى رئاسة
“ساد لبنان قلق من إقدام حزب الله على المشاركة في الرد الانتقامي على حادثة الاغتيال من الأراضي اللبنانية ضد إسرائيل”الحكومة.
على المستويين المعيشي والمالي، تتفاقم الأزمات، وتتوالد في ضوء ارتفاع كبير في سعر صرف الدولار أخيرا في السوق الموازية، وبداية ظهور شحّ كبير في عدد من المستلزمات الطبية، بسبب القيود التي تضعها المصارف على الشركات على تحويل الأموال من لبنان بالعملة الصعبة، بالإضافة إلى مشكلات تتناول التزوّد بالكهرباء، وإعلان وزيرة الطاقة أن مخزون الفيول لتوليد الطاقة ينتهي في شهر فبراير/ شباط، إذا لم تقر الميزانية، وتعطى الأموال اللازمة لاستيراده، فإن لبنان مهدّد بالعتمة.
في ضوء هذا كله، تمر ثورة الشباب اللبناني، منذ تكليف دياب بالحكومة، بمرحلةٍ من عدم اليقين في ظل انقسام الثوار بين الذين يؤيدون منح دياب فرصة وآخرين يرفضون ذلك، بالإضافة إلى تعاظم جهود كبح الثورة من العناصر المتضرّرة منها، سواء التي تنتمي إلى أحزاب السلطة أم التي تسيطر على المصارف والمصالح المالية. في هذه الأثناء، برز تراجع واضح في اهتمام وسائل الإعلام اللبنانية بالتحرّكات على الأرض الذي يمكن ردّه إلى سببين: تراجع الزخم الشعبي لهذه التحرّكات من جهة؛ ومن جهة ثانية ضغوط سياسية ومالية تُمارس على هذه الوسائل الإعلامية للتقليل من تغطيتها ما يجري على الأرض.
باختصار، يمر لبنان اليوم في إحدى أخطر أزماته، في ظل فشلٍ ذريعٍ للسلطة والأحزاب الحاكمة وتضاؤل آمال اللبنانيين، يوماً بعد يوم، بإمكانية حدوث تطور إيجابي، يوقف هذا الانهيار الكبير. ما يجري اليوم تتحمّل مسؤوليته مباشرة القوى السياسية التي حكمت البلد منذ أكثر من عقد، وأيضا تأخر تحرّك المواطن اللبناني ضد هذه القوى. ولكن من يتحمّل مسؤولية ربط المستقبل الحكومي في لبنان بتطوّرات الوضع الإقليمي هو قبل أي أحد حزب الله تحديداً. وهو بذلك يشرع الأبواب أمام مخاطر وتحديات الصراع الدائر حالياً بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران على أرضي العراق وسورية، ويتخطى ذلك كله كثيراً قدرة هذا الوطن المأزوم على الاحتمال.
يختنق المواطن اللبناني بفعل الأزمات المتوالدة، ويعيش في ظل الخوف الدائم من انهيار مقومات العيش الدنيا، وهو بالتأكيد غير قادر على تحمل أعباء صراع أميركي – إيراني طاحن، لا ناقة له فيه ولا جمل.

رنده حبيب

العربي الجديد