تحاول إيران الخروج من أزمتها الجديدة التي فجّرتها حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية من خلال صرف نظر المجتمع الدولي وشعبها عن المأساة التي راح ضحيتها 176 شخصا بعد إعلانها تدشين حملة اعتقالات بحق المتورطين في الحادثة وفي إخفاء حيثياتها، وهو ما جعل الانقسامات بين الحرس الثوري الإيراني والسلطات تخرج إلى العلن حسب العديد من المصادر.
طهران – تتجه أوضاع النظام الإيراني إلى مزيد من التأزم مع تواصل الاحتجاجات المندّدة بممارسات السلطات وتعمدها إخفاء حقيقة إسقاط الطائرة الأوكرانية الذي راح ضحيته 176 شخصا من جنسيات مختلفة.
وأظهرت تسجيلات مصورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، الثلاثاء، تجمع متظاهرين إيرانيين لليوم الرابع في طهران احتجاجا على طريقة تعامل السلطات مع حادثة الطائرة المنكوبة.
وأظهر أحد التسجيلات حشدا تجمع عند جامعة بالعاصمة وأخذ يهتف “أين العدالة؟” في استمرار لاحتجاجات تخرج يوميا منذ اعتراف الجيش الإيراني، يوم السبت، بإسقاطه الطائرة بطريق الخطأ.
وحاولت إيران تمويه الشعب الإيراني والأطراف الدولية الضاغطة عليها وفقا لمراقبين من خلال الترويج لبداية حملة اعتقالات ستطال المتورطين في محاولة إخفاء حقيقة إسقاط الطائرة.
وأعلنت السلطة القضائية في إيران، الثلاثاء، عن اعتقالات جرت في قضية إسقاط الطائرة في طهران الأسبوع الماضي. وقال الناطق باسم السلطة القضائية غلام حسين إسماعيلي خلال مؤتمر صحافي “لقد تم القيام بتحقيقات واسعة واعتقال بعض الأشخاص”.
ويعدّ هذا أول إعلان عن اعتقالات منذ إسقاط الطائرة الأوكرانية عن طريق الخطأ بصاروخ بعيد إقلاعها من طهران الأربعاء الماضي. وبعدما نفت في بادئ الأمر ما أعلنته عدة دول غربية عن إسقاط الطائرة بصاروخ، عادت إيران وأقرت، السبت، بضلوع الجيش الإيراني في الحادثة.
وأضاف إسماعيلي “لقد تم القيام بعدة تحقيقات في تلك المنطقة وفي كل ليلة كان فريقنا القضائي يعمل على الحصول على وثائق حتى منتصف الليل”.
ويأتي ذلك بعيد إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إيران ستعاقب كل المسؤولين عن إسقاط الطائرة في كارثة أثارت ولا زالت تثير تظاهرات غاضبة في مختلف المدن الإيرانية.
ولكن هذه الاعتقالات بدأت تطال شخصيات معارضة يهدف النظام إلى إسكاتها لاحتواء الاحتجاجات المتواصلة في طهران ضد سياسات النظام. وأوقفت السلطات، حسين كروبي نجل المعارض الإصلاحي مهدي كروبي، الخاضع للإقامة الجبرية في منزله منذ العام 2011، جراء دعمه للمظاهرات بالبلاد. وذكرت وكالة “فارس” الإيرانية أن قوات الأمن أوقفت حسين كروبي في منزله لدعمه المظاهرات المستمرة في البلاد منذ 3 أيام، دون ذكر ال
وأضافت الوكالة أن كروبي عضو بالمجلس المركزي لحزب “الثقة الوطنية” المعارض الذي كان يرأسه والده في السابق. ويخضع كروبي، للإقامة الجبرية منذ 2011، بتهمة “دعم الاحتجاجات” التي تلت الانتخابات الرئاسية سنة 2009.
وجاء اعتقال كروبي بعد يومين من دعوة والده المرشد الأعلى آية الله علي خامئني إلى التنحي على خلفية حادثة إسقاط الطائرة المنكوبة.
ولم يتوقف الأمر عند تنفيذ بعض الاعتقالات، حيث طغت الانقسامات بين النظام الإيراني وأذرعه لاسيما الحرس الثوري بعد أن استخلص الرئيس حسن روحاني أن الحرس الثوري حاول إخفاء حقيقة ضلوعه في كارثة الطائرة الأوكرانية.
وخرج التوتر بين الرئيس الإيراني والحرس الثوري إلى العلن عند اتهام مكتب الرئيس حسن روحاني للحرس الثوري بالخداع بخصوص إسقاط الطائرة الأوكرانية.
وذكرت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية، الثلاثاء، أنه من الواضح أن الرئيس روحاني بدا وكأنه يوجه الغضب الشعبي باتجاه أكثر أعدائه تشدّدا في الحرس الثوري بالتزامن مع دخول الاحتجاجات يومها الثالث.
وأضافت الصحيفة في تقرير لمراسليها أحمد فهدت وراف سانشيز بعنوان “التوتر بين الرئيس روحاني والحرس الثوري الإيراني يخرج إلى العلن”، أنه “في الوقت نفسه كُشف عن تسجيل مسرب لأحد قادة الحرس الثوري يشكو من أن حكومة روحاني تركتهم عرضة للغضب الشعبي بسبب إسقاط الطائرة الأوكرانية”.
ويقول التقرير إنه “في الوقت نفسه كُشف عن تسجيل مسرب لأحد قادة الحرس الثوري يشكو من أن حكومة روحاني تركتهم عرضة للغضب الشعبي بسبب إسقاط الطائرة الأوكرانية”.
ويوضح التقرير أن التسجيل نشره موقع تابع للمعارضة ويظهر فيه قائد بارز في الحرس الثوري يتحدث في غرفة مليئة بالضباط مطالبا إياهم بامتصاص الغضب السياسي.
ويكشف التسجيل أن القائد قال إن الحكومة كان من الممكن أن تنتظر شهرين أو ثلاثة قبل أن تعلن الحقيقة لتسمح للحرس الثوري بالحصول على دعم وتعاطف شعبي أكبر على خلفية قتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني وما تلاه من قصف لقاعدتين في العراق، مضيفا أن حكومة روحاني لم تظهر أي نوع من التقدير للحرس الثوري الذي قمع مظاهرات معادية لها قبل أسابيع.
وتزيد طهران من وطأة أزمتها من خلال إلقاء الاتهامات جزافا لأطراف خارجية ولاسيما تهديدها لدبلوماسيين. فبعد احتجازه الأسبوع الماضي لفترة وجيزة، وصف القضاء الإيراني، الثلاثاء، سفير بريطانيا لدى طهران روب ماكير بالشخص “غير المرغوب فيه”.
وستكون وزارة الخارجية الإيرانية، التي استدعت السفير روب ماكير الذي يشغل المنصب منذ عام 2018، هي المسؤولة عن إعلان أي تحرك لطرده.
ويرى مراقبون أن إيران بمثل هذه التصرفات تضيع على نفسها فرصة إيجاد تسويات مع خصومها وعلى رأسهم الولايات المتحدة لاسيما مع مواصلتها خفض التزاماتها بشأن الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
وفي إطار الجهود الرامية للتوصل إلى تسويات بين إيران وخصومها، دعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الثلاثاء، الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاستبدال الاتفاق النووي مع إيران باتفاق جديد لضمان عدم امتلاكها سلاحا نوويا.
وقال جونسون لـ “بي.بي.سي”، “الرئيس ترامب صانع صفقات رائع… فلنعمل معا على استبدال خطة العمل الشاملة المشتركة باتفاق ترامب”.
وجاء حديث جونسون عقب إعلان بريطانيا وفرنسا وألمانيا تفعيل آلية فض النزاعات مع إيران، وذلك بعد انتهاكاتها للالتزامات المنصوص عليها في الاتفاق النووي الذي كان تم التوصل إليه عام 2015. ويتيح تفعيل الآلية في نهاية الأمر إعادة فرض عقوبات على طهران.
العرب