تستعد تركيا لوضع حجر الأساس للقناة المائية الجديدة الموازية لقناة البوسفور في إسطنبول، وتأمل في أن تنجح بالعبور -من خلالها- قوةً اقتصاديةً كبيرةً إلى العقد الذي تحقق فيه رؤية 2023.
وتمثل القناة أحد المشاريع العملاقة الكثيرة التي تخرج إلى النور خلال العقد الأخير، والتي تبحث تركيا من خلالها عن مكان بين مجموعة الدول العشر الكبار “جي 10” على مستوى العالم.
والأربعاء الماضي، تم تدشين خط “السيل التركي” لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.
وحققت تركيا بعضا من شروط الوصول إلى “جي 10” فبلغ ناتجها المحلي 2.3 تريليون دولار، متجاوزا حد التريليونين المرتبط بالرؤية القومية، كما امتلكت شبكة مواصلات عملاقة، لكن تحديات كثيرة ما زالت ماثلة في طريقها لتحقيق شروط التنمية للوصول إلى رؤيتها.
فما زالت صادرات تركيا دون عتبة خمسمئة مليار دولار سنويا، ولم يبلغ معدل دخل الفرد حاجز الــ 25 ألف دولار، ولم يصل عدد زوارها من السياح بعد إلى خمسين مليونا، كما لم تفتتح محطتها النووية رغم توقيع اتفاق العمل بشأنها مع الروس.
ثورة المواصلات
يعد قطاع النقل والمواصلات الميدان الأكثر ازدحاما بالإنجازات المتعلقة بالمشاريع الكبيرة في تركيا، فخلال عام 2013، افتتحت خط قطار “مرمراي” العابر من تحت البوسفور، لينقل 1.5 مليون مسافر يوميا، قبل أن تنشئ جسر ياووز سليم المعلق عام 2016، الذي تعبره 135 ألف سيارة يوميا.
وفي العام ذاته جرى افتتاح نفق “أوراسيا” بطول يمتد إلى 14.6 كيلومترا، ليقلص زمن انتقال السيارات بين الشطرين الآسيوي والأوروبي لإسطنبول في ساعات الذروة من مئة دقيقة إلى 15 دقيقة فقط.
ويمثل مطار إسطنبول الذي افتتح أواخر عام 2018 واحدا من المصادر الجديدة للدخل الهائل في تركيا، فمنذ أن بدأ العمل بطاقته الكاملة في أبريل/نيسان من عام 2019 استخدمه 52.5 مليون مسافر، وهم نصف عدد مستخدمي مطارات تركيا في 2019 والبالغ نحو 104.2 ملايين مسافر.
الثورة الصناعية
من دون نفط ولا غاز طبيعي أو حتى معادن ثمينة، حققت تركيا في العام الماضي رقما قياسيا في قيمة صادراتها التي زادت على 180 مليار دولار، وتخطط إلى رفعها إلى 190 مليارا مع نهاية 2020.
ويمثل الإنتاج الصناعي المورد الأهم للعملة الصعبة، حيث بدأت تركيا فعليا إنتاج سيارتها القومية بتقنية محلية بنسبة 100% مطلع هذا العام، فيما بلغت عائدات صناعة وتصدير السيارات وقِطَعها خلال عام 2019 قرابة 32 مليار دولار.
وتمثل صناعة الملابس قوة اقتصادية لافتة في تركيا، حيث زادت قيمة صادراتها في العام الماضي على 17 مليار دولار.
أما في سوق السلاح، فحققت فيه تركيا قفزات هائلة نقلتها من خانة المستورد إلى دائرة التصنيع الذاتي وصولا إلى الدولة المصدرة، بعدما بلغ حجم صادراتها 18.3 مليار دولار بين عامي 2002 و2018، في حين وصلت المبيعات الكلية في الفترة ذاتها 64.9 مليار دولار.
وفي مجالات التكنولوجيا، ارتفع عدد مراكز “تكنوباركس” التي تضم شركات التقنية التركية من مركزين في عام 2001 إلى 84 مركزا عام 2019 موزعة على 56 مدينة تركية.
وتعمل تركيا حاليا على تنفيذ برامج “أتمتة الإنتاج” التي ستمكنها من زيادة قيمة صادرات الصناعات التحويلية إلى 210 مليارات دولار في عام 2023، كما تسعى إلى زيادة حصة نفقات البحث والتطوير إلى 1.8% من موازنة الدولة.
أما الصناعات الدوائي، فقد بلغت صادراتها 1.17 مليار دولار في عام 2018، في حين تبلغ القيمة الإجمالية للسياحة العلاجية في تركيا نحو خمسمئة مليار دولار، حيث يتطلع القطاع الطبي إلى توفير عشرين مليار دولار من عائدات هذه السياحة بحلول عام 2023.
سوق الطاقة
يوم الأربعاء الماضي، دشن الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين في إسطنبول خط “السيل التركي”، لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر الأراضي التركية.
وسيحول المشروع -الذي يؤَمِّن لتركيا نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي- البلاد من مستورد للغاز إلى مركز تجاري له.
وتولد تركيا اليوم نحو 46% من احتياجاتها للطاقة من مشاريع الطاقة المتجددة لاستثمار طاقتي الشمس والرياح، وتتطلع إلى رفعها إلى 56% بحلول عام 2023، كما أسست مشاريع طموحة في ولايتي أدرنة وفتحية لإنتاج الطاقة من تدوير النفايات، فضلا عن محطة آق قويو النووية التي تم وضع حجر الأساس لها في مرسين عام 2018.
مجالات واسعة
شهدت العشرية الأخيرة ثورة عملاقة في الصناعات الاستهلاكية، خاصة فيما يتعلق بالمنتجات الغذائية والأدوات، وفي مجالات الصناعات البحرية وتصدير المعادن والصلب والأثاث والمفروشات وغيرها.
أما سوق السياحة التركية الشهير، فبلغ من النمو حدا عكسته القدرة التشغيلية العملاقة للمطارات ووسائل النقل والمواصلات، حيث بلغ عدد السياح عام 2018 وحده أكثر من 43 مليون سائح، وفي 2019 بلغ 51 مليونا، مع تطلعات لبلوغ رقم 58 مليونا العام الجاري.
وانعكس حجم السياحة والزيارات الخارجية على ناتج قطاعات استثمارية كبرى في البلاد، مثل الفندقة وتجارة العقارات التي بيع منها للأجانب مليون و375 ألفا و398 شقة سكنية خلال عام 2018 وحده.
وخلال العقد الأخير، نمت الجامعات التركية بشكل كبير، فقد ارتفع عددها من 76 جامعة عام 2002 إلى 202 جامعة حاليا، يضاف لها 15 جامعة أخرى تحت التأسيس.
كما ارتفعت موازنة التعليم الجامعي في الفترة ذاتها من 11 مليار ليرة (1.87 مليار دولار) إلى 134 مليار ليرة (22.8 مليار دولار)، إضافة إلى 150 مليار ليرة من مساهمات الوزارات التركية والمتبرعين الأتراك.
التطور الاقتصادي
تظهر قراءات اقتصادية أن تركيا ستشهد مزيدا من الانتعش الاقتصادي في عام 2020، فقد نجحت بخفض معدل التضخم من نحو 20% في بداية عام 2019 إلى 12% في نهاية العام.
كما سجل الناتج المحلي الإجمالي في تركيا ارتفاعا بنسبة 2.8% في عام 2018، مقارنة بالفترة نفسها من العام الذي سبقه، في حين بلغ نصيب الفرد 45 ألفا و750 ليرة تركية في عام 2018.
وفي عام 2019، صنفت مجموعة “أتش أس بي سي هولدينغز” تركيا في المرتبة السابعة عالميا، باعتبارها أفضل البلدان للعيش والعمل، فيما حافظ جيشها على موقعه في مقدمة جيوش المنطقة والعاشر قوة على مستوى العالم.
الجزيرة