انتفاضة العراق: تصعيد ما بعد نهاية مهلة الشارع

انتفاضة العراق: تصعيد ما بعد نهاية مهلة الشارع

استعادت تظاهرات العراق أمس الاثنين، مشهد أول أيام انطلاقتها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فغصّت الساحات والميادين بالمتظاهرين، وضجت الشوارع بالهتافات، من البصرة أقصى جنوب العراق على مياه الخليج العربي، وحتى العاصمة بغداد، على امتداد 22 مدينة وبلدة عراقية. وكانت كربلاء والناصرية والعاصمة متفوقة على باقي مناطق التظاهرات، إلا أن الجديد هو انضمام ديالى وعاصمتها بعقوبة إلى حركة الاحتجاجات المتصاعدة في البلاد. وجاء التصعيد الكبير في التظاهرات بعد انتهاء المهلة التي حددتها ساحات التظاهر للحكومة والبرلمان لتسمية رئيس جديد ومؤقت للحكومة، شرط أن يكون مستقلاً، وتقديم قامعي التظاهرات وقاتلي الناشطين للقضاء والكشف عن هوياتهم وترجمة ما قُدِّم من وعود إلى أفعال وليس بيانات فقط. في المقابل، بدا أن السلطة تواصل رهانها على استخدام العنف في وجه المتظاهرين، وهو ما ظهر مع عودة القنّاصة، وسماح مجلس الأمن الوطني للقوات الأمنية باعتقال كل من يقطع الطرق ويغلق الدوائر الحكومية، ودعوة المحتجين إلى التزام ساحات التظاهر وعدم الخروج إلى الطرقات وقطعها، كما قال المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء عبد الكريم خلف، في تصريحات إعلامية أمس.
واستعادت ساحات وميادين وشوارع، الزبير وأم قصر والعشار وشط العرب وسفوان والهاشمية والناصرية وسوق الشيوخ والغراف والمجر والمشخاب وبدرة والسماوة والكوت وعلي الغربي والحلة والكوفة وكربلاء والنجف والكحلاء والديوانية والعمارة والحمزة والصويرة، وبلدات ومدن مختلفة جنوب العراق ووسطه، فضلاً عن بغداد، الأعداد التي فقدتها في الأيام والأسابيع الماضية. وغصّت الشوارع والساحات بالمتظاهرين الذين نجحوا في قطع عشرات الطرق والشوارع الرئيسية في تلك المدن، خصوصاً المؤدية إلى موانئ البصرة البحرية وحقول النفط، وأُغلقت دوائر ومؤسسات خدمية مختلفة أيضاً. شعارات العراقيين في التظاهرات التي رددت أو كتبت كانت منوعة، مثل: “لا سنّي ولا شيعي والروح تبقى عراقية”. وفي كربلاء رفعت لافتة كبيرة جاء فيها: “من دار أبو عبد الله الحسين لا للفساد والظلم والتبعية”، إضافة إلى شعارات سابقة مثل: “نريد وطن”، و”باسم الدين باكونة الحرامية”.


عاد القنّاصة لاستهداف الناشطين والمتظاهرين في ساحتي التحرير والطيران وجسر محمد القاسم


وأفادت مصادر طبية عراقية لـ”العربي الجديد”، بأن 4 عراقيين سقطوا بنيران الأمن في بغداد، بينهم 3 في ساحة الطيران، وأصيب ما لا يقل عن 100 آخرين حتى ساعة متأخرة من عصر أمس الاثنين، فضلاً عن اعتقال العشرات من قبل الأمن العراقي ووحدات تابعة لاستخبارات الجيش، اعتُبروا متورطين بـ”قطع الطرق وتعطيل الحياة العامة”. وأبلغ ناشط عراقي بارز في تنسيقية تظاهرات ساحة التحرير في بغداد، “العربي الجديد”، بأنهم يتوقعون “قمعاً مضاعفاً في الساعات المقبلة من قبل السلطة”. وأضاف: “كل ما في الأمر، أننا قررنا عودة التظاهرات والخروج من ساحات التظاهر، لكن السلطة أيضاً أعادت الجيش والشرطة التي أفرطت في استخدام قنابل الغاز والرصاص الحيّ”، لافتاً إلى أنهم “ليسوا في معرض التخلي عن دماء زملائهم الذين قتلوا وسيواصلون التصعيد”.

في البصرة استمرت الاحتجاجات وقطع الطرق في أحياء الزبير وشارع الأندلس والعشار والحكيمية والجزائر وقرب مبنى الحكومة المحلية، فيما عززت قوات الجيش وحماية المنشآت وجودها قرب مداخل ميناء أم قصر، من أجل منع أي اقتحام للمحتجين أو تعطيل العمل في الموانئ. واغتيل ناشط من البصرة خلال توجهه إلى ساحة التظاهر يدعى لؤي الحلفي، بنيران مسلحين مجهولين، ونُقل عدد من الجرحى إلى مستشفى الحسين التعليمي. كذلك سقط متظاهرون بفعل غازات القنابل أيضاً قرب ساحة الحبوبي في الناصرية، التي تعرضت لرشقات نيران من مسلحين مجهولين، لم توقِع ضحايا أو مصابين، واعتبرت بمثابة تهديد من مليشيات تقف بالضد من التظاهرات. أما في كربلاء، فاستمر اعتصام مئات المحتجين في ساحة التربية، وبالقرب من جسر الجمهورية، فيما أغلق متظاهرون طريق حي سيف سعد، وسُجّل سقوط 13 جريحاً. وبحسب مصدر عسكري تحدث لـ”العربي الجديد”، فإن “القوات الأمنية وقوات حماية العتبات كثفت وجودها في الدائرة التي تُحيط بمرقدي الإمامين الحسين والعباس بن علي، لمنع توجه المتظاهرين إلى الأماكن الدينية ونقل الاحتجاجات إليها”.

في النجف، استغل المتظاهرون ساحة الصدرين، ومجسر ثورة العشرين، لتثبيت أقدامهم، ونُصبت خيام جديدة لغرض تمديد الاعتصام، وأُصيب 10 أشخاص، وفي السماوة مركز محافظة المثنى عزل المتظاهرون سوق المدينة عن بقية أجزاء المحافظة، فيما عُزلت عن الناصرية والديوانية، وخرج الطريق الرابط مع بغداد عن الخدمة بعد قطعه بواسطة الإطارات المحترقة، والحال نفسه في مدينة بابل والكوت عاصمة واسط المحلية، والديوانية مركز القادسية، فيما أغلق المتظاهرون في النجف دوائر حكومية ومدارس حكومية. وظلّت الناصرية هي مركز القرارات الاحتجاجية، إذ يمتثل المتظاهرون في بغداد وبقية المدن المنتفضة إلى التوجهات التي يتبناها أهالي الناصرية والغراف والمجر وسوق الشيوخ والشطرة.

وفي السياق، قال المتظاهر علي الغزي، لـ”العربي الجديد”، إن “المتظاهرين قطعوا كل الطرق المؤدية إلى بغداد، ويستمر هذا القطع إلى حين تحقيق المطالب الشعبية، وهي تشكيل حكومة مؤقتة مستقلة بواسطة رئيس جديد لا ينتمي إلى الأحزاب الحاكمة، وإنهاء الجدل البرلماني والسياسي بشأن الانتخابات المبكرة وتحديد موعدٍ واضح وعلني لها، كما الكشف عن قتلة المتظاهرين من قوات الأمن والمليشيات”.

وأكد الغزي أن “المتظاهرين لن يسمحوا لناقلات النفط والشاحنات الكبيرة التابعة للتجار وبعض المسؤولين بالتوجه إلى بغداد، وهو خيار تصعيدي اتُّفق عليه مع الناشطين كافة في المحافظات المنتفضة، ويستثنى من ذلك مرور عربات الخضار والأدوية والمرضى”، مبيناً أن “هذا الخيار لا يخرج عن الأطر القانونية والأعراف الاحتجاجية المعمول بها في كل العالم، وبالتالي إن التوجيه باعتقال المحتجين خيار حكومي غير قانوني ويتنافى مع القانون العراقي”.

بدورهم، أكد ناشطون من بغداد عودة القنّاصة لاستهداف الناشطين والمتظاهرين في ساحتي التحرير والطيران وجسر محمد القاسم. وتحدّث ناشطون لـ”العربي الجديد” عن أن “أكثر من أربعة قناصين انتشروا على أسطح عدد من البنايات القريبة من جسر الجمهورية الذي يمثل الحد الفاصل بين المتظاهرين في ساحة التحرير عن المنطقة الحكومية الخضراء، مبينين أن “رصاصة من سلاح قنص اخترقت ساق الناشط عباس الكوخي، فيما أصيب محتج آخر بكتفه بطلقة نارية مجهولة، لم تصدر من قوات فض الشغب”، وهو ما يُنذر بتطور خطير، قد يؤدي إلى تعميق الأزمة في ساحات الاحتجاج، ولا سيما أن التظاهرات باتت تتخذ منحىً جديداً، بعد انتهاء المهلة التي حددها المتظاهرون في الناصرية.


حسم ملف اختيار رئيس الحكومة المؤقتة، سيكون خلال اليومين المقبلين


وعلى أثر التصعيد، دخلت محافظة ديالى على خط المشاركة في احتجاجات الوسط والجنوب، إذ شارك مئات الطلبة في تظاهرات تضامنية مع المحتجين، وهتفوا ضد التدخلات الإيرانية في شأن العراق، وإعلان البراءة من أي توجهٍ سياسي لنقل الحرب بين طهران وواشنطن وجعلها في أرض بغداد، ورفعوا شعارات ضد التدخّلات الخارجية وأخرى مساندة للمحتجين في بغداد: “نرفض إيران وأميركا”، و”لا مكان للذيول في هذا البلد”، ويُقصد بالذيول الجماعات الموالية لطهران، وكذلك الشعار القديم المتجدد “إخوان سنّة وشيعة، هذا الوطن ما نبيعه”.

وعلى المستوى السياسي، لا تزال الحوارات غير واضحة، إذ لم تثمر الأشهر الثلاثة الماضية إعلان أي اسم لرئاسة الحكومة، بسبب الرفض الجماهيري لكل الأسماء الحزبية. إلا أن مصدراً مطلعاً في رئاسة الجمهورية، قال لـ”العربي الجديد”، إن “الرئيس العراقي برهم صالح يخوض منذ يومين حوارات واجتماعات مكثفة مع قادة الكتل والأحزاب السياسية، من أجل التوصل إلى حلول بشأن اختيار رئيس الوزراء الجديد، وهناك تفاوض بشأن اختيار واحد من عدة أسماء، هم المستشار في رئاسة الجمهورية علي شكري، والجنرال العسكري عبد الغني الأسدي، ومصطفى الكاظمي، ومحمد توفيق علاوي، وجرى الحديث عن فائق الشيخ علي، إلا أن الكيانات السياسية الموالية لإيران أعلنت رفضها القاطع للأخير”. وأشار إلى أن “حسم ملف اختيار رئيس الحكومة المؤقتة، سيكون خلال اليومين المقبلين، والاختيار سيكون بتوافق كل القوى السياسية، بما فيها التيار الصدري”.

من جهته، أكد القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي، أن “تصعيد موجة الاحتجاجات، بكل تأكيد سيُسرع من ملف اختيار رئيس الوزراء، وهذا التصعيد سيزيد من الضغط والإحراج على الرئيس صالح والقوى السياسية ومجلس النواب، فخطوة تصعيد الاحتجاجات الشعبية، نعتبرها بالاتجاه الصحيح”. ولفت في حديثٍ لـ”العربي الجديد” إلى أن “عناصر تابعين لبعض الجهات السياسية، يحاولون استغلال هذا التصعيد للقيام بأعمال عنف من أجل تشويه صورة التظاهرات الشعبية والمتظاهرين السلميين الذين يحظون بتأييد سياسي وشعبي ودولي ومن قبل السيد علي السيستاني أيضاً”. إلى ذلك، كشف النائب عن تحالف “الفتح” أحمد الكناني، لـ”العربي الجديد”، أن “القوى السياسية اتفقت على حسم اختيار رئيس الوزراء الجديد خلال اليومين المقبلين، وسيكون شخصية مستقلة تحظى بمقبولية من الأطراف السياسية والشعبية كافة”، مؤكداً أن “رئيس الوزراء الجديد لا تربطه أي علاقة بالأحزاب والكيانات السياسية”.

العربي الجديد