أخيراً، بدأ النشاط يظهر في سوق المنتجات محلية الصنع في العراق نتيجة انتشار حملات مختلفة على مواقع التواصل لدعم المنتج المحلي وتشجيع الصناعة الوطنية، ومحاولة تجنب شراء المنتجات المستوردة، وهو ما أعاد الحياة لتلك المعروضات
انتعش سوق الحرف والصناعات المحلية في العراق، بفضل الحملات التي يتولى المتظاهرون تنظيمها، ما أعطى دفعة للحرفيين من أجل مواصلة عملهم بنشاط. يبرز ذلك من خلال عودة منتجات محلية عدة إلى الانتشار في السوق، نتيجة ارتفاع الطلب عليها.
مثنى رشيد، الذي يدير محلاً لبيع المواد المنزلية والغذائية، يقول إنّ الطلبات ازدادت على مصنوعات محلية ومن بينها مصنوعات يدوية وفخاريات للزينة، وحلويات وألبان، ولحوم، مشيراً إلى أنّ أنواعاً أخرى من البضائع المستوردة انخفض الطلب عليها. يوضح لـ”العربي الجديد” أنّ “منتجات الألبان والحليب والبيض والدجاج واللحوم المحلية أصبحت لها أولوية على غيرها من المنتجات المماثلة المستوردة، على الرغم من أنّ بعض المنتجات المحلية أغلى سعراً من المستوردة”. يضيف: “واضح جداً أنّ المواطن العراقي أصبح يبحث عن المنتج المحلي ويدعمه بشكل كبير؛ وهو مسعى لعودة الحياة إلى الصناعة المحلية”. يتابع: “يسأل المتبضعون دائماً عن بلد المنشأ. أكثر البضائع المستوردة التي تحارب اليوم من قبل المواطنين هي الإيرانية. هناك تضامن كبير مع المتظاهرين الذين دعوا لعدم شراء البضائع الإيرانية بشكل خاص، ودعم المنتج الوطني ومحاولة الاستغناء عن الصناعات والمنتجات المستوردة”. يضيف: “اللحوم المستوردة المعلبة وعلى الرغم من أنّها حلال لكنّ بيعها تراجع في الأيام الأخيرة على الرغم من أنّها زهيدة السعر قياساً للحوم المحلية. كلّ هذا سببه الحملات التي أطلقها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي تطلب دعم المنتج المحلي وهو ما استجاب له المواطنون بشكل غير متوقع بحسب ما تؤكده مبيعاتنا”.
تنتشر في الأسواق العراقية أنواع عديدة من الحلوى المعلبة على شكل هدايا، مستوردة من بلدان عربية وأجنبية، ويعتمدها العراقيون في تقديمها هدايا في بعض المناسبات، لكنّ زياد العيساوي وهو صانع حلويات ماهر، يقول لـ”العربي الجديد” إنّ “الإقبال على الحلويات المحلية ازداد أخيراً”. العيساوي، يذكر أنّ “الطلب على الحلويات المحلية ارتفع. جميع زبائننا يقولون إنّهم يدعمون المنتج الوطني. وهم يأملون أن يعتمد الجميع على الصناعات المحلية لكي تتوفر فرص عمل أكبر للعاطلين من العمل، وأن تُصدّر صناعاتنا إلى الخارج”. يؤكد أنّ “زيادة الطلب على الحلويات المحلية شجعتني لكي أبدأ بمشروعي الخاص بأن أفتتح مشغلاً لصنع الحلوى، وبالطبع سوف أستعين بعمال يساعدونني في عملي، وهذا يعني أنّ دعم المنتج المحلي يوفر فرص عمل لمواطنين”.
مصنوعات تراثية محلية من الفخار بدأت تأخذ مكاناً لها في الأسواق، وتحاول أن تنافس مشغولات مستوردة تتميز ببهاء ألوانها ورخص ثمنها، لكنّ الرغبة في دعم المنتج العراقي تدفع المواطنين لاقتناء مثل هذه المشغولات المحلية، بحسب ما يشير إليه بائعون، وهو ما يؤكده بائع متجول صغير، يقول لـ”العربي الجديد” إنّه استغل الإقبال على دعم المنتج الوطني للتربح. يضيف الفتى، كرار حبيب، أنّه يعمل بعد عودته من المدرسة بائعاً متجولاً يبيع السجائر، لكنّه أخيراً أخذ يبيع منتجات فخارية يزوده بها صاحب مشغل للفخاريات التراثية. يقول: “أعتمد على مهارتي في جذب المشترين، لكنّ الحملة التي أطلقها مواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي بدعم المنتج الوطني كانت مهمة لكي أجذب المشترين لبضائع عراقية”. يضيف: “أنادي على بضاعتي بأنّها منتج عراقي وأدعو الناس للدعم بشرائه، فيقبلون عليّ ويشترون مني”.
كذلك، فإنّ صناعة المنتجات الخشبية ستستعيد عافيتها، وفق ما يؤكده نجارون، إذ بدأ الإقبال على الكنبات والديكورات الخشبية يزداد، بحسب معتز فليح، الذي يملك ورشة للنجارة وسط بغداد. فليح يقول لـ”العربي الجديد” إنّ “ما يحتاجه النجارون لعودة الحياة إلى أعمالهم هو تفعيل الحكومة لقوانين حماية المنتج المحلي، لكي يكون أرخص من المستورد مثلما كان في السابق، وبذلك يقبل المواطنون على شراء منتجاتنا”. لكن، على الرغم من ذلك، يقول فليح: “هناك إقبال بدأنا نشهده من قبل مواطنين على المنتج المحلي، وكلّ ذلك بفضل حملة تشجيع الصناعة المحلية”.
في ساحات التظاهر كانت الدعوة كبيرة لدعم المنتج الوطني ومحاربة المنتج المستورد بعدم شرائه، وكانت وما زالت الحملات مستمرة لا سيما من ناحية الأطعمة التي تقدم هناك مجاناً للمتظاهرين. في حديثه إلى “العربي الجديد” يقول أسامة غانم، الذي يستمر في المشاركة بالتظاهرات منذ انطلاقها في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إنّ ساحات التظاهر “أصبحت مرجعاً للعراقيين”. يوضح أنّ “النصائح والدعوات التي تنطلق من ساحات التظاهر يعتبرها العراقيون أشبه بدستور يجب تطبيقه نتيجة إجماع عموم الشعب على أنّ المتظاهرين يمثلون الشعب”. يضيف: “مقاطعة المنتجات الأجنبية كانت إحدى الوسائل التي رأى فيها المتظاهرون بأنّها تساعد في توفير فرص عمل للعاطلين من العمل، وأيضاً هي دعم للمنتج المحلي لكي يعود للواجهة بعدما غيبته المنتجات المستوردة بسبب رخص ثمنها”.
مشغولات من سعف النخيل بدأت تظهر في واجهات محلات مختلفة، من بينها معارض لبيع الأثاث، بحسب عمال في هذه المهنة التي توشك على الانقراض بسبب المشغولات المشابهة المستوردة، التي تعتبر أقل كلفة وأخف وزناً وأصغر حجماً، بحسب ما يقولونه. وكانت أرائك وكراسي وطاولات تصنع من سعف النخيل لها حضور بارز في البيت العراقي، وفي المقاهي والحدائق العامة، وتمتاز بجمالها ودقة صنعها لا سيما أنّها يدوية لا تدخل فيها الآلات. مجيد عبد الرسول الذي يعمل منذ 30 عاماً في تجارة هذه المصنوعات، يدعو عبر “العربي الجديد” الناشطين والصحافيين إلى الترويج لهذه الصناعة ودعمها من خلال تشجيع الصناعة المحلية. يضيف: “كان للدعوة التي أطلقها الناشطون والمتظاهرون، الخاصة بدعم المنتج المحلي أثر كبير على الصناعة المحلية، وفي ما يخص عملنا الذي يعتبر تراثياً مهماً بدأت تشهد مشغولاتنا طلباً من مواطنين لصنع أثاث بحسب الطلب، وأتوقع أن تعود مهنتنا إلى سابق عهدها إن استمر الترويج شعبياً لدعم المنتج المحلي”.
كرم السعدي
العربي الجديد