روسيا والصين والجهاديون.. تحديات تعيق خفض القوات الأميركية في أفريقيا

روسيا والصين والجهاديون.. تحديات تعيق خفض القوات الأميركية في أفريقيا

يحذر مشرعون أميركيون، وحلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون والأفارقة، من نتائج تقليص التواجد العسكري الأميركي في أفريقيا. وفيما يؤكد سياسيون جمهوريون وديمقراطيون أن هذا يتعارض مباشرة مع استراتيجية الأمن القومي التي تعتمدها الولايات المتحدة، خاصة في مواجهة الصين وروسيا، لفت الحلفاء الأوروبيون والأفارقة النظر إلى كرة لهيب الإرهاب التي تكبر في أفريقيا محذرين من أن أي موقف أميركي غير مدروس جيدا في هذه المرحلة قد تكون نتائجه كارثية.

جوهانسبرغ – لا يلاقي قرار وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، بتقليص التواجد العسكري الأميركي في أفريقيا ترحيبا بين المشرعين الأميركيين، الديمقراطيين والجمهوريين، كما حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

ويحذر المعارضون الأميركيون من أن الانسحاب الأميركي من أفريقيا يعني فسح المجال للصين وروسيا. هذا بالإضافة إلى تحدي الجماعات الجهادية، الذي أصبح معقدا أكثر من جهة الصراع الثنائي بين داعش والقاعدة، ومن جهة تدخل أطراف خارجية لتكريس الفوضى ودعم الجهاديين، في وقت شهدت فيه الولايات المتحدة أكثر الهجمات دموية على جيشها المتواجد في أفريقيا منذ سنة 2017.

أعلنت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، في 6 يناير 2020، عن مقتل جندي أميركي ومتعاقدين اثنين إثر هجوم شنته حركة الشباب الصومالية على قاعدة عسكرية تعرف باسم معسكر سيمبا في خليج ماندا.

وفي صورة نشرتها لمقاتليها بالقرب من طائرة مشتعلة، أصدرت الجماعة المرتبطة بتنظيم القاعدة رسالة تهكمت فيها على الأطراف الأفريقية المتعاونة مع الأفريكوم، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة ستتخلى عنهم تماما كما تخلّت عن حلفائها الأكراد من قبلهم.

وكثّفت حركة الشباب مؤخرا عملياتها الإرهابية في هذا البلد الواقع في منطقة القرن الأفريقي (شرق القارة). كما شنت جماعة بوكوحرام، المرتبطة بداعش، مجموعة من الهجمات في حوض بحيرة تشاد التي تمتد بين تشاد والكاميرون والنيجر ونيجيريا.

ويأتي هذا التصعيد وسط تحذيرات من أن كرة الإرهاب تتسع في أفريقيا وتزداد نيرانها لهيبا مع ما يجري في ليبيا، والفوضى التي تخلقها أطراف داعمة للجماعات الإسلامية، تعمل على التسلل عبر شقوق الخلافات السياسية الداخلية والأزمات العرقية، على غرار التدخل التركي في ليبيا والصومال.

وفي خضم هذا المشهد المتوتر، كان موضوع تقليص التواجد الأميركي في أفريقيا محل معارضة مشتركة نادرة بين الجمهوريين والديمقراطيين. وأكد المشرعون في الكونغرس على ضرورة إبقاء الجنود الأميركيين، لمواجهة الصين وروسيا اللتين تحاولان التأثير في المنطقة كما التهديد المتزايد المتأتي من الجماعات الجهادية.

أشار حلفاء الولايات المتحدة إلى خطورة تقليص الوجود العسكري الأميركي في هذه المرحلة. ففي سنة 2019، سجّلت الجماعات المتطرفة في أفريقيا نشاطا قياسيا خلّفت من خلاله 10400 قتيل. وأكد مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية في تقرير جديد أنّ النشاط المسجل تضاعف منذ سنة 2013.

وقالت قيادة الأفريكوم إن تهديد حركة الشباب ارتفع بعد أن وجّه زعيمها دعوة غير مسبوقة في شهر نوفمبر الماضي حثّ من خلالها على مهاجمة الأميركيين أينما كانوا. وأعربت عن قلقها بشأن التخفيضات المحتملة للقوات الأميركية في هذه الفترة الحرجة.

كما أضاف مسؤولون في الأفريكوم، في مؤتمر صحافي عُقد خلال الأسبوع الماضي، أن الصين وروسيا لا تساهمان بالكثير في المساعي الهادفة إلى مواجهة الجماعات المتطرفة في أفريقيا.

يعدّ خفض وزارة الدفاع الأميركية المحتمل للقوات الموجودة في أفريقيا جزءا من مراجعة عالمية نظمها وزير الدفاع مارك إسبر للبحث عن طرق تمكّنه من تشديد التركيز على الصين وروسيا. ويبقى موعد الإعلان عن القرار غير معلوم.

على الصعيد الأوروبي، عقدت فرنسا قمة أمنية لتعزيز مكافحة الإرهاب في منطقة غرب أفريقيا بحضور دول الساحل الخمس (تشاد والنيجر وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا) في يناير الحالي.

وشددت على الحاجة إلى الدعم العسكري الأميركي في منطقة الساحل الواقعة أسفل الصحراء مباشرة، حيث تقترب المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية من المدن الساحلية المأهولة بالسكان في بلدان مثل غانا وساحل العاج.

لذلك، يعمل الفرنسيون على زيادة تواجدهم في غرب أفريقيا لمواجهة ما أصبح أخطر تهديد للمتطرفين في أفريقيا، حيث أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن خطة تشمل إرسال 220 جنديا إضافيا إلى الساحل لتعزيز القوة العسكرية الفرنسية وقوة برخان التي تجمع 4500 عسكري.

القرار الأميركي سيفسح المجال لتنامي أنشطة الأنظمة المتطرفة في المنطقة، مما يثير مخاوف حلفاء واشنطن الأوربيين

وفي شهر ديسمبر 2019، نشرت باريس أولى طائراتها المسلحة دون طيار. وأشارت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي إلى أن مهمة الطائرات الرئيسية تكمن في المراقبة والاستطلاع، لكنها تستطيع شن الضربات إذا تطلب الأمر ذلك. وحدث ذلك في نفس الشهر حين أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية عن شن أول هجوم بطائرة مُسيّرة مسلحة في مالي، مما أسفر عن مقتل 7 متطرفين في وسط البلاد.

وقال الرئيس الفرنسي خلال القمة “إذا قرر الأميركيون الانسحاب من أفريقيا، فسيكون ذلك خبرا سيئا بالنسبة إلينا جميعا. أؤكد لكم ذلك. آمل أن أتمكن من إقناع الرئيس دونالد ترامب بأن الحرب ضد الإرهاب أصبحت على المحك في هذه المنطقة”.

وبدورها تشير الولايات المتحدة إلى أهمية الوجود الفرنسي في الساحل الذي اعتبره وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو نقطة التركيز التالية للتحالف العالمي المناهض لداعش.

وقال اللواء ويليام جايلر، الذي يتولى إدارة عمليات القيادة الأميركية في أفريقيا، إن أعداد المنتمين إلى القوات الفرنسية في الساحل يتجاوز أعداد المنتمين إلى القوات الأميركية في القارة الأفريقية بأكملها. ودعا بذلك إلى مساهمة أوروبية أكبر لدعمها.

وأرسلت الولايات المتحدة حوالي 5200 عنصر تابع للجيش إلى القارة، بالإضافة إلى حوالي 800 من أفراد وزارة الدفاع الآخرين.

قلق المشرعين الأميركيين
حذر الجمهوريون والديمقراطيون البارزون إدارة ترامب من تقليص الوجود العسكري الأميركي في أفريقيا، مشيرين إلى أن هذه الخطوة ستسلّم القدرة على التأثير في قارة الشباب، التي يبلغ عدد سكانها 1.2 مليار نسمة، إلى الصين وروسيا. وحسب المشرعين، يتعارض هذا مباشرة مع استراتيجية الأمن القومي التي تعتمدها الولايات المتحدة.

وقال السيناتور الجمهوري من أوكلاهوما، جيم اينهوف، وهو رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، “يرى البلدان في أفريقيا ساحة لمعركة مهمة يخوضانها لتحقيق طموحاتهما العالمية وتحدي المصالح الأميركية”.

وأشار مشرعون آخرون إلى إنشاء أول قاعدة عسكرية خارجية للصين في جيبوتي الواقعة في القرن الأفريقي، وذلك على مسافة قصيرة من القاعدة الدائمة الوحيدة للجيش الأميركي في القارة، وذكّروا بالنشاط الروسي المتزايد في المنطقة عبر المرتزقة واتفاقات التعاون العسكري.

كما أثار وجود الجماعات المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة والدولة الإسلامية في أفريقيا، بما في ذلك فرع بوكوحرام في نيجيريا، المزيد من المخاوف.

وكتب السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، وعضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي، كريس كونس، إلى وزير الدفاع “سيؤدي أي انسحاب للقوات أو أي تخفيض فيها إلى تصاعد هجمات المتطرفين العنيفة داخل القارة وخارجها”.

تراجع تركيز الولايات المتحدة على حركة الشباب حيث وجّهت اهتمامها نحو إيران. وكانت واشنطن في أوج المواجهة، إثر استهدافها لقائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، عندما شنّت حركة الشباب هجوما ضد قواتها المتمركزة في كينيا التي تعدّ المركز الاقتصادي الأساسي في شرق أفريقيا.

وقال اللواء ويليام جايلر إن عددا صغيرا من المنتمين إلى القوات الأميركية نجحوا في صد المهاجمين بعيدا عن المنشأة. لكن الجماعة المتطرفة اعتبرت أنها نجحت في تحقيق أهداف الهجوم، حيث نشرت صورا لمقاتلين ملثمين قرب طائرة مشتعلة.

ويتوقع وزير الدفاع مغادرة حوالي 20 ألف جندي من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في 2021. لكنّ المعارضين للانسحاب الأميركي يحذّرون من النتائج المحتملة التي يمكن أن تهز الأمن في كامل القارة، ويمكن أن تتمدد إلى خارجها. ويلفت هؤلاء إلى أنه لا تتفور بدائل.

وحسب مات برايدن، الذي يترأس مركز ساهان في نيروبي، لن تصعد قوة أمنية متماسكة يمكنها أن تواجه حركة الشباب، وخاصة إذا انسحبت قوات الاتحاد الأفريقي من المنطقة.

وأشار إلى أن قدرة الحركة على إلحاق خسائر جسيمة في الصومال تبرز هشاشة الحكومة المركزية التي تركز على البقاء في السلطة أكثر من تركيزها على محاربة الإسلاميين.

العرب