بعد سنوات من التصريحات والإعدادات ومع عدد كبير من التوقعات، يتوقع قريباً أن يتم أخيراً الكشف عن الجزء السياسي بالكامل للخطة الأمريكية للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين التي تسمى “صفقة القرن”. لقد سئم الطاقم المسؤول برئاسة صهر الرئيس الأمريكي، غارد كوشنر، من انتظار نتائج الانتخابات التي لا تنتهي في إسرائيل. المبعوث إلى المنطقة، آفي بيركوفيتش، مساعد كوشنر السابق الذي حل محل جيسون غرينبلات، بدأ يشعر أن وظيفته آخذة في فقدان أهميتها. وكلما اقتربت فترات الولاية في بيت إيل وواشنطن من نهايتها فقد من يشتغلون بهذه المهمة صبرهم خشية دفن المسودات التي كتبوها حتى دون تأبين.
هكذا تحولت صفقة السلام الموعودة بين إسرائيل والفلسطينيين، إلى صفقة سلام بين نتنياهو وغانتس. وبشكل أدق، صفقة القرن لنتنياهو.
لذلك، عندما أعطى بني غانتس هذا الأسبوع الضوء الأخضر رسمياً للتدخل في الحملة الانتخابية الثالثة بعد إدراكه بأن الخطة قد تنشر معه أو من دونه، بدأ العد التنازلي العلني لإطلاقها في البيت الأبيض. غانتس المُفخخ لم يكن لديه الوقت لتقدير كمية المتفجرات التي تحيط به. وهنا الدهشة، التاريخ المخصص للإطلاق لا يتجاوز اليوم الذي يتوقع فيه أن يتم إجراء نقاش حول حصانة بنيامين نتنياهو. وكل ذلك في الوقت الذي يغرق فيه المضيف هو نفسه في التحقيقات حتى عنقه. هكذا تحولت صفقة السلام الموعودة بين إسرائيل والفلسطينيين، إلى صفقة سلام بين نتنياهو وغانتس. وبشكل أدق، صفقة القرن لنتنياهو. وقد تم استدعاء الاثنين لمناقشتها معاً وكأنهما اللذان يجب عليهما التوصل إلى تفاهمات.
هذه مقاربة لا يجب أن تفاجئ من تابعوا الكشف عن الجزء الأول من الخطة، الاقتصادي، في ورشة البحرين التي عقدت في حزيران بالمنامة العاصمة. وقد كان واضحاً لجميع المشاركين في اللقاء من اللحظة الأولى بأن الفلسطينيين ليسوا طرفاً على الإطلاق، فهم يظهرون في الصور التوضيحية في الكراسة الفخمة والأفلام الهوليوودية، ولكن هذا الحدث هو بالإجمال ليس من أجلهم. الفلسطينيون القلائل الذين نجحوا في الوصول إلى هناك لا يمثلون أي أحد في الحقيقة. وأحد هؤلاء القلائل الذي أظهر اهتماماً ضئيلاً بالخطة حظي بازدراء من كوشنر بعد لحظة من انتهاء خطابه حول الشرق الأوسط الجديد المزدهر. فقد أظهر الاهتمام أكثر بأرباب المال العرب الذين اجتمعوا في الغرفة وخصص لهم ابتساماته.
في عدة مناسبات أثبت الأمريكيون مرة تلو الأخرى بأن صفقة السلام لم تستهدف التوصل إلى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين. في كل موضوع “أرادوا إزاحته عن طاولة المفاوضات” – بدءاً بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ومروراً بخصم أموال المساعدة للسلطة، وانتهاء بالاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان، أما سلامة نتنياهو فهي التي جرى الحفاظ عليها. الدمج بين طاقم السلام لمؤيدي المستوطنين ومنهم سفير الولايات المتحدة في إسرائيل دافيد فريدمان الذي يتصرف وكأنه سفير إسرائيل في واشنطن، وبين المؤيدين الإفنغلستيين للرئيس ترامب ونائبه مايك بينس، لم يبق أي مجال للخيال منذ البداية.
إلى جانب الوعد المتكرر لجهات إسرائيلية منذ أيلول بأن الخطة ستضمن سيادة إسرائيل على جميع المستوطنات القائمة وضم غور الأردن وترسيخه كحدود شرقية لإسرائيل، أكدت هذه الجهات بأن رفض الفلسطينيين الفوري لترامب سيؤدي إلى شرعنة هذه الخطوات حتى ولو بشكل أحادي الجانب. لذلك، يتم طرح سؤال: ألم يكن من الأصح تسمية هذه الخطة “خطة الضم”؟ في المقابل، تحذر هذه الجهات من أن يكون هناك وجه آخر للعملة: جميع المناطق الفلسطينية ستبقى تحت سيطرة السلطة وسيتم اعتبارها دولة منزوعة السلاح.
مع ذلك، من المهم التذكر بأن كل هذه الأمور هي تسريبات تمثل في هذه الأثناء بالأساس المصلحة لتسويق هذه الخطة للجمهور الإسرائيلي، اليميني بمعظمه. إن الموجود في الوثيقة كلها سنعرفه عند الكشف عنها قريباً. سيكون المشهد بلا شك مختلفاً جداً: هناك شخصان يتنافسان على التاج في إسرائيل، سيبحثان معاً في البيت الأبيض خطة السلام دون وجود شريك فلسطيني، بدعم من اليمين ومعارضة اليسار. وقد تخرج من ذلك حكومة.
القدس العربي