قال وزير المال في الحكومة اللبنانية الجديدة، غازي وزني، الخميس، إن المانحين الأجانب يترقبون الإصلاحات التي ستستحدثها الحكومة الجديدة، وما إن كانت مستعدة لتلقّي دعم.
وأضاف الوزير، في تصريحات بثها تلفزيون محلي، أن المجتمع الدولي بأكمله يترقب ما الذي ستفعله الحكومة، وما هو برنامجها، وما هي خطواتها الإصلاحية، وهل هي مستعدة لتلقي الدعم أم لا.
كما لفت، في حديث لصحيفة “دايلي ستار”، إلى أن بلاده تتطلع إلى تدبير قروض ميسرة من المانحين الدوليين تتراوح بين أربعة وخمسة مليارات دولار لتمويل مشتريات القمح والوقود والأدوية. وتابع وزني “سيغطي هذا الضخ احتياجات البلد لمدة عام، وسيساهم أيضا في خفض الطلب على الدولار الأميركي”.
وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على سقوط حكومة سعد الحريري تحت ضغط الشارع اللبناني، عيّنت الأحزاب السياسية التي تسيطر على السلطة منذ انتهاء الحرب الأهلية، حكومة جديدة برئاسة حسان دياب، مع تشكيلة وزارية من الحزبيين والمقربين من حزب الله وحلفائه.
وتأتي هذه الحكومة بما يتناقض مع تطلعات انتفاضة شعبية انطلقت في 17 تشرين الأول/أكتوبر، تطالب بحكومة من المستقلين عن الأحزاب السلطوية، وبانتخابات نيابية مبكرة وقضاء مستقل لتأمين محاسبة الفاسدين واسترجاع الأموال المنهوبة. إلا أن دياب وحكومته لم يعلنا حتى اليوم عن أي برنامج اقتصادي يؤمّن خروج لبنان من أسوأ أزمة مالية ونقدية، لا بل تؤكد التصريحات المعلنة عن اتجاه نحو الاستدانة، بالرغم من ارتفاع حجم الدين العام في لبنان إلى أكثر من 86 مليار دولار، ومخاوف متصاعدة من عدم قدرة البلاد على دفع مستحقات من الديون وفوائدها خلال الأشهر المقبلة.
مساعدات خارجية
وحصل لبنان على تعهدات تجاوزت 11 مليار دولار في مؤتمر “سيدر” الدولي الذي عقد في باريس عام 2018 كانت مرهونة بإصلاحات، فشل حتى الآن في تطبيقها. وغداة إعلان تشكيل الحكومة، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “سنقوم بكل شيء لمساعدة أصدقائنا اللبنانيين في الأزمة العميقة التي يمرون بها”.
وفي بيان له بشأن الحكومة اللبنانية الجديدة، شدد وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو على الحاجة إلى الإصلاح ومكافحة الفساد. وقال بومبيو، الأربعاء، إن “وجود حكومة قادرة وملتزمة بإجراء إصلاحات حقيقية وملموسة هو فقط الذي من شأنه أن يستعيد ثقة المستثمر ويضمن المساعدات الدولية”.
وخلال أول اجتماع للحكومة الجديدة يوم الأربعاء، قال الرئيس ميشال عون إن مهمتها الرئيسية هي استعادة ثقة المجتمع الدولي، وهو ما قد يفسح المجال أمام التمويل وتخفيف أزمة في السيولة أضرت بالليرة اللبنانية وزادت من التضخم وتسببت في فرض قيود على المعاملات المصرفية. وقال النائب اللبناني آلان عون لرويترز يوم الأربعاء إن تنفيذ برنامج من صندوق النقد الدولي أحد الخيارات أمام لبنان إذا كان يمكن للبلد تحمل شروط الصندوق ولا تثير اضطرابات اجتماعية.
واخترق محتجون غير راضين عن الحكومة الجديدة طوقا أمنيا في وسط بيروت الأربعاء وأشعلوا النار في خيمة لقوات الأمن التي ردت بإطلاق الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه.
وامتدت المناوشات إلى حي تجاري راق قريب. وقال عامل بالدفاع المدني لوسائل إعلام محلية إن البعض أصيب بجروح بسيطة. وكان مئات قد أصيبوا في اشتباكات شبيهة، في مطلع الأسبوع، مع استخدام القوى الأمنية العنف المفرط، الذي أدى إلى خسارة أربعة شبان عيونهم بالرصاص المطاطي، إضافة إلى حصول إصابات خطرة لعدد من الشبان والشابات.
وارتفع سعر السندات السيادية اللبنانية المقومة بالدولار بما يصل إلى سنت واحد يوم الأربعاء مع تشكيل الحكومة الجديدة، بعد جدال على مدى أشهر حول المحاصصات الحزبية والطائفية.
وقال دياب إن أول زيارة له للخارج ستكون لدول الخليج العربية، وسيكون عليه طمأنة حكام المنطقة المتحالفين مع الولايات المتحدة والذين يشعرون بقلق من تزايد نفوذ حزب الله في بيروت. وقالت جمعية المصارف اللبنانية، يوم الأربعاء، إنها تتوقع أن تضع الحكومة المشكلة حديثا برنامجا اقتصاديا وماليا واضحا، وعرضت دعم المصارف.
استحقاقات اليوروبوندز
ويتعين على لبنان اتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع سندات دولية (يوروبوندز) مُستحقة السداد، ومنها شريحة قيمتها 1.2 مليار دولار تستحق في مارس/آذار. وكان وزني قد وصف بعد قليل من تشكيل مجلس الوزراء استحقاقات الديون السيادية القادمة بالعملة الأجنبية بأنها “كرة نار”.
وقال وزير العمل اللبناني السابق، كميل أبو سليمان، لرويترز، إنه يتعين على لبنان إعادة هيكلة سنداته الدولية، بما في ذلك إصدار بقيمة 1.2 مليار دولار مستحق في مارس، وتأمين برنامج إنقاذ بمليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي. وأضاف “لا أرى منطق النظام الذي يسرب من 500 مليون دولار إلى 600 مليون دولار إلى خارج لبنان مدفوعات على الفوائد في مارس، في الوقت الذي يكاد يكون من المحتوم فيه إعادة هيكلة فعلية للسندات الدولية… من الأحرى إنفاق تلك الأموال في أشياء أخرى مثل الغذاء والأدوية”.
من جهة أخرى، أكد وزني أن من غير المرجح أن يعود سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار إلى ما كان عليه في السوق الموازية، أي 1507 ليرات، بعدما لامس 2500 ليرة. وقرّر مجلس نقابة الصرافين بالتوافق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الثلاثاء، الإعلان عن سعر شراء الدولار الأميركي بألفي ليرة لبنانية كحد أقصى، والتقيد به من قبل الصرافين المرخصين بدءاً من صباح نهار الأربعاء، تحت طائلة إلحاق العقوبات الإدارية والقانونية بالمخالفين من قبل السلطات المعنية.
واصطدمت جهود لبنان لكبح جماح سوق موازية مزدهرة للدولار بعثرة يوم الأربعاء، عندما رفض عدد كبير من تجار العملة بيع الدولار بسعر أقل وافقت عليه نقابة الصرافين مع البنك المركزي.
ومنذ أشهر، يواجه لبنان انهياراً اقتصادياً مرشحاً للتفاقم مع شح في السيولة وارتفاع مستمر في أسعار المواد الأساسية وفرض المصارف إجراءات مشددة على العمليات النقدية وسحب الدولار، حتى تحولت أفرع البنوك إلى مسرح يومي للإشكالات بين مودعين يطالبون بأموالهم وموظفين ينفذون القيود المفروضة.
وتقوم المصارف منذ أشهر، باحتجاز أموال اللبنانيين من الحسابات الجارية وصولاً إلى الودائع الصغيرة والمتوسط من دون أي سند قانوني أو دستوري، في حين تم الكشف عن معلومات من أكثر من جهة في البرلمان وخبراء الاقتصاد، عن قيام كبار المودعين وسياسيين بتهريب مليارات الدولارات إلى خارج لبنان، ما زاد من سخط المواطنين على الإدارة السياسية والمالية والنقدية في البلاد.
مخاوف من كارثة
وحذر رئيس الحكومة الجديد حسان دياب الأربعاء غداة إعلان تشكيل مجلس الوزراء أن بلاده تواجه “كارثة” اقتصادية جعلها من أولويات عمله في المرحلة المقبلة. وقال دياب في تصريحات تلاها أمين عام مجلس الوزراء محمود مكية في ختام الجلسة البروتوكولية، “نحن أمام مأزق مالي واقتصادي واجتماعي، في الواقع نحن أمام كارثة وعلينا التخفيف من وطأة وتداعيات الكارثة”، مضيفاً “المهم اليوم هو تأمين الاستقرار الذي يحفظ البلد”.
وأشار دياب إلى “تحديات هائلة” تواجه حكومته في بلد يشهد منذ أشهر انهياراً اقتصادياً يهدد اللبنانيين في لقمة عيشهم ووظائفهم، مؤكداً أن من “حق اللبنانيين أن يصرخوا وأن يطالبوا بوقف المسار الانحداري للبلد بينما لا يزال الإصلاح أسير التجاذبات”.
وخلال حديث مع صحافيين نقلته وسائل إعلام محلية الأربعاء، قال دياب “سيكون نهج هذه الحكومة المالي والاقتصادي مختلفا كليًا عن الحكومات السابقة”، مؤكداً أن أولويته معالجة “كل الأمور المتعلقة بالاقتصاد والقطاع المصرفي وصرف الليرة”. والأزمة الاقتصادية الراهنة وليدة سنوات من النمو المتباطئ، مع عجز الدولة عن إجراء إصلاحات بنيوية.
العربي الجديد