لم يكن تصريح الأسد في خطابه الأخير بأنه قد يضطر للتخلي عن مناطق في سوريا من أجل حماية مناطق أخرى إلا تمهيدًا للمنطقة الآمنة التي تعتزم الحكومة التركية إقامتها على الحدود السورية التركية، وعدم قدرته على الاقتراب منها أو المطالبة بها.
من جهة مقابلة، تفاؤل الحكومة التركية بأن المنطقة الآمنة ستخفف من وطأة الضغوطات التي يسببها التمدد الكردي على حدودها الشمالية مع سوريا، وعمليات التهجير الممنهجة التي تمارسها بعض القوات الكردية على العرب في الشمال، الذي تسبب في مضاعفة أعداد اللاجئين السوريين على أراضيها، وشكل تهديدًا واضحًا على حدودها، يمكننا النظر إليه على أنه تفاؤل خجول؛ نظرًا لأن المنطقة الآمنة لن تشتمل على إقامة منطقة حظر طيران؛ مما سيضاعف من الجهود الأمنية لتفعيل المنطقة الآمنة، وذلك لا يرتبط بأي تخوف من تهور النظام السوري، وإنما التخوف فيما إذا استطاع تنظيم الدولة امتلاك الجو في حال سيطرته على أحد المطارات أو مراكز الدفاعات الجوية في سوريا أو العراق، و هو أمر لا نستبعده عندما نقف عند أمرين: الأول، أن قوات تنظيم الدولة استطاعت الحصول على مقاتلات جوية سابقًا كتلك التي استولت عليها بعد سيطرتها على مطار الجراح العسكري شمال حلب العام الماضي؛ حيث اعترف النظام السوري بخسارته لثلاث طائرات حربية قادرة على الطيران والمناورة، يعتقد أنها من نوع (ميغ-21) و(ميغ-23)، وقد أورد النظام السوري حينها أن تنظيم الدولة استولى عليها بعد سيطرته على المطارات العسكرية التابعة للنظام في محافظتي حلب والرقة في الشمال السوري، كما تم تجريبها والتحليق بها على مستوى منخفض، حسب شهادة أهالي المنطقة، واعتراف النظام السوري بأنه استطاع ضرب طائرتين منها في أثناء تحليقها في الأجواء السورية، ونذكر أيضًا امتلاك التنظيم رصيدًا لا بأس به من مضادات الصواريخ ومضادات الطيران من النوعين القديم والحديث، يتخوف خبراء عسكريون من إمكانية استخدامها لصد طيران التحالف.
لا توجد أرقام حقيقية على الأقل معلنة لإمكانات تنظيم الدولة الجوية، وما ذكر اليوم سواء عبر التصريحات الرسمية أو التحقيقات الصحفية لا يعطي أرقامًا واضحة، وهذا ما ننظر إليه على أنه أكثر من مقلق؛ خصوصًا مع تقدم سيطرة التنظيم على مناطق الثروات النفطية على الأراضي السورية؛ مما سيجر ارتفاعًا كبيرًا في واردات التنظيم، والتي حذر مراقبون وخبراء عسكريون سابقًا من أنها قد تفضي إلى ثروة تمكنها من امتلاك التنظيم للمتفجرات النووية، عبر شرائها من وسطاء دوليين.
في حين ينظر المجتمع الدولي اليوم إلى النظام السوري على أنه الحليف الأكثر قدرة على مده بدعم، بما قد يحتاجه في معركته ضد تنظيم الدولة؛ إلا أنه تغاضى عن أن بنية التنظيم وقدراته القتالية تعتمد على العمليات البرية، وهذا بحد ذاته ما يجعل من الواقع مختلفًا عما يخطط له من استراتيجيات سياسية وعسكرية في المنطقة على الأراضي السورية خاصة، ونحن لا نتحدث فقط من خلال تكهناتنا عما ستؤول إليه الأوضاع في المنطقة؛ وإنما من خلال انعكاسات ما طرحه الغرب من استراتيجيات أثبتت فشلها وأدت إلى مزيد من الفوضى والتعقيد، وخصوصًا فيما يتعلق بملف مكافحة الإرهاب وتحجيم قدرات تنظيم الدولة.
حتى نظام الأسد اعترف بشكل صريح وواضح في خطاب الأسد الأخير بأنه يعاني من ضعف في أعداد المقاتلين التابعين له.
الأمر الثاني: في حال استمر استنزاف المقاومة الشعبية، والضغط عليها لتحقيق مزيد من الصراعات بين صفوف فصائلها، والفصل بين الفصائل الجهادية وفصائل الحرب على هذا المنوال؛ يمكننا أن نتنبأ بمزيد من الفوضى والفشل لأي استراتيجية قادمة. فإلى اليوم، أثبتت المعارضة المسلحة بأنها خط الدفاع البري الأول والأوحد على الأراضي السورية ضد قوات التنظيم، التي تغلغلت في العمق السوري متغذية على خلافات فصائل المقاومة، والحرب غير المعلنة التي يشنها عليها المجتمع الدولي تحت غطاءي محاربة الإرهاب والتطرف الإسلامي السني المستشري بين فصائلها.
تركيا تدرك اليوم أنها غاصت في المستنقع السوري، وأن أمنها الداخلي وأمن حدودها دخل لعبة الرهانات والمقايضات الدولية، وبقاء الأسد بالنسبة لها رهان خاسر لن تقبل الدخول فيه، والحكومة التركية على إحاطة كاملة ببنية الفصائل المعارضة وخلفياتها، ونتوقع أنها ستؤدي دورًا في الضغط على المجتمع الدولي للقبول، أو على الأقل غض الطرف عن بعض ممن يتهمون بالتطرف؛ لأنها تعلم أن دعمهم سيخفف الأعباء على تركيا في حربها القادمة، ويمنحها مزيدًا من الدعم والقوة فيما إذا اضطرت إلى تدخل بري أوسع على الأراضي السورية.
ترك برس