مستقبل الغاز الطبيعي الإيراني

مستقبل الغاز الطبيعي الإيراني

72953253-1024x665

في ذهن الكثير، يمثل الغاز الطبيعي الإيراني علامة استفهام خاصة عند التفكير في العلاقات العالمية مع طهران بعد رفع العقوبات. في منتصف يوليو الماضي قال أوباما إنّ موسكو كانت متعاونة للغاية في المفاوضات مع إيران لتحقيق نتائج مثمرة. وأوضح: لم أكن متأكدًا؛ نظرًا للاختلافات القوية مع روسيا في الوقت الراهن حول أوكرانيا بشأن ما إذا كان دور روسيا سيستمر أم لا. هناك انقسام بين بوتين والحكومة الروسية بشأن هذا الأمر بطريقة فاجأتني، ولم نكن لنحقق هذا الاتفاق لو لم تكن روسيا على استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة وغيرها من أعضاء مجموعة P5+1 في الإصرار على التوصل إلى اتفاق قوي.

ولكن، لماذا فعلت روسيا ذلك؟ إذا كانت موسكو تزود الاتحاد الأوروبي بما يقرب من ثلث احتياجاته من الغاز الطبيعي. إذن؛ ألن يكون من الخطر على موسكو أن تقدم موردًا آخر لعميلها المفضل في الغرب؟

إمكانات الغاز الطبيعي الإيراني هائلة. ما يخبرنا به الخبراء هو أنّ السوق “الطبيعي” لصادرات إيران في المستقبل سيكون في أوروبا عبر تركيا. وهذا يعني أنّ شركة غازبروم على استعداد للتخلي عن عملائها الأساسيين وأنّ بوتين هو الآخر على استعداد للتخلي عن أكثر من 20٪ من الميزانية الروسية كعمولات للحصول على تقدير وإعجاب الرئيس أوباما لدوره خلال المفاوضات.

هناك وجهتا نظر حول هذه المسألة: الأولى تفسر الموقف الروسي من حيث المقارنة بين أذربيجان وإيران، والخريطة المعقدة لخطوط أنابيب الغاز الطبيعي وخطوط الأنابيب المحتملة، ومزيد من التحليل المحدود داخل معايير السوق الحالية. والثانية تفسر ذلك من حيث وجهات نظر روسيا والصين وجنوب آسيا وإيران في النظام العالمي الناشئ؛ حيث تمتلك الولايات المتحدة مكانة منخفضة وتكيفها مع الصعود المطرد للأسواق الآسيوية.

نحن لا نعتقد أن الروس لا يدركون ما يقومون به. كما أنّ افتراض أن موسكو لا تحسب المكاسب والخسائر المحتملة في الصفقة الإيرانية هو افتراضٌ ساذج ومثير للسخرية.

نحن لا نؤمن تمامًا بصحة التفسير القائل بتطوع روسيا، بالرغم من أننا لا نعتبره كاذبًا أيضًا. لقد فسّر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مساعدة بلاده على أنها مساهمة في القوانين الدولية والأمن العالمي.

وأضاف لافروف: “سيكون من المناسب عدم الحديث عن كيفية استفادة روسيا من هذا الاتفاق؛ لأنه لا يهدف إلى إعطاء مزايا لطرف واحد فقط. لقد كان الهدف من هذا الاتفاق هو اتباع نهج شامل لإزالة جميع المخاطر التي تهدد نظام حظر الانتشار النووي وفعل ذلك على أساس الحق المعترف به دوليًا، والذي يتم تعديله في الوثائق الدولية، في الدول، وتحديدًا إيران؛ لتطوير أنشطة الطاقة النووية السلمية، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم“.

صحيح أنّ روسيا لديها مصلحة حقيقية في منع إيران من أن تصبح قوة نووية. ومع ذلك؛ من الصعب أن نصدق أن الرئيس بوتين قد يكون على استعداد لإفلاس روسيا من أجل إزالة كل مخاطر انتشار الأسلحة النووية وتفعيل المواثيق الدولية. هذه هي الوثائق نفسها التي لم تظهر في الرادارات الروسية أثناء التخطيط لغزو شبه جزيرة القرم.

نحن لا نعتقد أنّ روسيا تقف للتعويض عن الخسائر المحتملة في عائدات مبيعات الطاقة، بمجرد ارتفاع الغاز الطبيعي الإيراني في الأسواق الأوروبية، من خلال مبيعات الأسلحة إلى طهران بعد رفع العقوبات. مبيعات الأسلحة الروسية لإيران، المحتملة والقائمة بالفعل، سوف تحقق جزءًا بسيطًا مما حققته مبيعات الغاز الطبيعي إلى أوروبا لخزائن موسكو.

ولكن، كيف يفسّر الإيرانيون موقفهم فيما يتعلق بهذه المسألة؟

منذ حوالي 10 أشهر، ساهم الرئيس حسن روحاني برأيه مع التركيز الدقيق على رفضه لنظرية روسيا. وقال روحاني في مقابلة مع روسيا 2 (قناة تليفزيونية روسية): “الظروف اليوم لا تسير بطريقة أنه إذا توقفت روسيا عن بيع الغاز إلى أوروبا فإنّ إيران يمكن أن تكون بمثابة بديل للصادرات الروسية من الغاز إلى تلك البلدان“.

ذهب روحاني إلى أبعد من ذلك، وتعهد بالمساعدة الثابتة لروسيا؛ لكسر حصتها من العقوبات الدولية. وأوضح: “في ظل الوضع الحالي، سنقدم للحكومة الروسية أي مساعدة ممكنة، وسيرى الشعب الروسي العلامات التجارية الإيرانية في محلاتهم بحلول العام المقبل، بعد استيفاء متطلبات التجارة اللازمة. إنّ العقوبات تضر جميع البلدان، ولكن ينبغي على البلدان الخاضعة للعقوبات أن تواجه ذلك وينبغي أن تقدم الدول الأخرى المساعدة“.

في الواقع، روسيا لديها بعض الأسباب العملية لعدم القلق بشأن صادرات الغاز الإيراني المحتملة إلى أوروبا.

في الآونة الأخيرة، على سبيل المثال، وجّهت موسكو ضربة قوية للمعارضين الأوروبيين لخط أنابيب “ستريم” التركي (البديل الروسي لخط أنابيب ساوث ستريم) عندما لمح مسؤولون في مجال النفط أن المشروع لن يبقى على الطاولة إلى الأبد. وقال وزير الطاقة ألكسندر نوفاك إنّه كانت هناك خطورة من تأجيل بناء خط أنابيب تحت الماء إلى تركيا إذا لم يتم توقيع اتفاق بين الحكومات ذات الصلة مع الأوروبيين في وقت قريب. ومن المنطقي أنّ موسكو تريد المضي قُدمًا في هذا المشروع الذي كان من المفترض أن يكون جاهزًا للعمل بحلول عام 2017. ويتوقع بعض المحللين في السوق أن تخفف موسكو شروطها بشأن تخفيض أشعار الغاز إلى تركيا كورقة ضغط تكتيكية للحصول على مشاريع إضافية.

من الناحية العملية، سيتطلب الأمر عشر سنوات من إيران لتكون جاهزة لإحداث الفارق في سوق الغاز الأوروبي. كما ستتزايد الاحتياجات المحلية في إيران بشكل كبير وستمتص جزءًا كبيرًا من إنتاج الغاز في البلاد لبعض الوقت في المستقبل.

افتراض أنّ إيران تتحدى حصتها في السوق الروسية يصبح محل شك بمجرد مقارنته بنقيضه، وهو أنّ إيران وروسيا ستتعاونان في كل الأوجه بمنظمة أوبك صغيرة للتأثير على الأسعار. كما تمتلك البلدان تقريبًا أكثر من 40٪ من احتياطيات الغاز العالمية. ويمكن للبلدان الأخرى أن تنضم إلى مثل هذا الإجراء. لقد شاهدنا على سبيل المثال دولة مثل أذربيجان، التي تمتلك قدرات ضخمة من الغاز الطبيعي، تغيّر نهجها في السوق الدولية؛ حيث رأت أنه من السهل تحدي روسيا. العراق هو حليف دائم لطهران. لذلك؛ فإنّ المزيج من الضغط السياسي، والعلاقات الجيوسياسية، والتاريخ والتجارة والتعقيدات التقنية والمالية يوفر قاعدة سليمة لدعم لمثل هذا الإجراء.

وعلاوة على ذلك، ليس هناك سبب لإيران لكي تمنح الأسبقية لأوروبا بدلًا من آسيا التي تأتي في المرتبة الأولى للتجارة الخارجية الإيرانية، وتحصل على 87% من الصادرات الإيرانية، وتوفر 69% من الواردات الإيرانية، وذلك وفقًا لمجلس الأعمال الإيراني. في الواقع، ستكون أولى صفقات الطاقة الإيرانية مع كل من الهند وباكستان. وهناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن هذه الصفقات سيتبعها اتفاقيات بالتصدير إلى الصين.

الهند الآن تتجه إلى إلغاء خط الأنابيب بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند والتفكير بدلًا من ذلك في خط أنابيب تركمانستان وإيران وعمان تحت الماء. وقالت الصين إنها مستعدة لبناء الجزء الباكستاني من خط الأنابيب بين إيران وباكستان كجزء من الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان. لكنّ العرض الهندي، وخط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان، يشير إلى حقيقة أن أول سوق محتمل للغاز الطبيعي الإيراني سيكون سوق جنوب وشرق آسيا، وليس أوروبا. السوق الآسيوية يمكن أن تبتلع بسهولة إنتاج الغاز الطبيعي الإيراني لعقود من الزمن. وعلاوة على ذلك، فإنّ الإمدادات الروسية إلى الاتحاد الأوروبي مدمجة بالفعل في شبكات الاتصالات الأوروبية. إنها موجودة هناك بالفعل، ويمكن زيادتها نسبيًا من الناحية الاقتصادية. هذه السياسة الشرقية وليست الأوروبية توفر الأرضية المناسبة للتنسيق في مجال الغاز الطبيعي بين إيران وروسيا.

وبعبارة أخرى، افتراض أنّ إيران سوف تتنافس مع روسيا في تصدير الغاز إلى أوروبا، وبالتالي تحسين أمن الطاقة الأوروبي، يبدو أنّه مجرد تمنٍ. ما قد نراه ليس تنافسًا، بل تعاونًا بين البلدين.

ربما يفسر هذا السبب في أن الروس لم يكونوا مخطئين عندما ساعدوا على الوصول إلى اتفاق نووي مع إيران. في الواقع، العكس هو الصحيح تمامًا. إذا كان لدى الروس اتفاق مع الإيرانيين، والأذريين، والتركمانيين، والعراقيين لتنسيق سياسات الغاز في مرحلة ما بعد العقوبات؛ فربما نشهد ظهور منظمة أوبك جديدة للغاز الطبيعي.

التقرير