هذه هي الحكاية الحزينة عن القيادة الفلسطينية وفقاعة رام الله التي لم تنفجر بعد

هذه هي الحكاية الحزينة عن القيادة الفلسطينية وفقاعة رام الله التي لم تنفجر بعد

علي سعد دوابشة، الطفل صاحب العام ونصف، أصبح أحدث ضحايا العنف الإسرائيلي في 31 يوليو الماضي. احترق حتى الموت، كما احترق أعضاء آخرون من عائلته بشدة إثر هجوم من المستوطنين اليهود على منازلهم في قرية دوما، قرب نابلس في الضفة الغربية.

وقال متحدث باسم منظمة حاخامات من أجل حقوق الإنسان لقناة الجزيرة العربية إنّ هذا هو الهجوم العاشر على نابلس من قِبل المستوطنين في شهر يوليو. كما أصدرت منظمة التحرير الفلسطينية بيانًا يقدّم إحصائيات مثيرة للقلق، وتذكر أنّ عدد هجمات المستوطنين اليهود، وبعضها قاتلة، تُقدّر بنحو 11 ألف هجوم منذ نهاية عام 2014.

علي دوابشة ليس أول طفل فلسطيني يُحرق حتى الموت، على الرغم من أنّ قصة محمد أبو خضير، الذي تعرض للتعذيب وحُرق حيًا من قِبل مجموعة من المتطرفين اليهود في يوليو 2014، باتت الآن معيار بشاعة عنف المستوطنين الإسرائيليين، والذي غالبًا ما يحدث تحت أنظار أو كجزء من الحملة العنيفة التي يقودها جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وبالرغم من المسرح السياسي الإسرائيلي وبيانات الشجب التي أعقبت القتل المروّع لأبي خضير؛ إلّا أنّ العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين هو جزء لا يتجزأ من سياسة الاحتلال الإسرائيلي المتخفية وراء جرائم عديدة تحدث دون عقاب.

علي، هذا الطفل الصغير، لا يختلف عن 490 فلسطينيًا قُتلوا في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في الصيف الماضي، والتي قُتل فيها نحو 2200 فلسطيني، معظمهم من المدنيين. منزل أسرة دوابشة، الذي احترق تمامًا، (بينما الأم والأب وشقيقه أحمد عانوا من حروق بليغة) كان لا يختلف عن 20 ألف منزل في غزة التي تم تدميرها أثناء المجازر الإسرائيلية في القطاع، وفقًا للأمم المتحدة.

الضفة الغربية وقطاع غزة، على الرغم من الانفصال والشقاق الفلسطيني، متحدان من خلال علاقة من المعاناة ودرب من الدم أقوى من الخلاف بين حماس وفتح. إنهما متحدان أيضًا في النظرة إلى إسرائيل، التي ترى عليًا وجميع الأطفال الصغار الفلسطينيين كتهديد ديموغرافي على “الهوية اليهودية” للدولة.

في بيانها، وجّهت منظمة التحرير الفلسطينية المسؤولية الكاملة لإسرائيل عن قتل علي وحرق عائلته ومنزلهم. وقال صائب عريقات، مسؤول بمنظمة التحرير الفلسطينية، إنّ “الاغتيال الوحشي للطفل علي هو نتيجة مباشرة لعقود منحت فيها الحكومة الإسرائيلية الحصانة للمستوطنين الإرهابيين“.

بطبيعة الحال، فإنّ البيان دقيق ومتقن، وإذا جاء على لسان أي شخص آخر غير “كبير مفاوضي” السلطة الفلسطينية، كان يمكن أن يؤخذ على محمل الجد. ولكن للأسف، هذه التصريحات تسلط الضوء فقط على النفاق والتناقض في الموقف الرسمي الفلسطيني. في الواقع، لا يمكن للمرء إلّا أن يشعر بأن السلطة الفلسطينية مسؤولة جزئيًا عن وفاة الطفل علي. وفيما يلي نذكر بعض الأسباب.

لقد تعزز إفلات إسرائيل من العقاب من خلال العديد من العوامل، بما في ذلك دعم الولايات المتحدة والغرب وعدم وجود إرادة دولية لعقد إسرائيل -حكومة وجيشًا ومستوطنين- للمساءلة عن جرائمهم. ولكن هذا الإفلات من العقاب تعزز أيضًا من خلال القيادة الفلسطينية نفسها، التي تعيش في فقاعة سياسية واقتصادية واسعة النطاق في رام الله، بالضفة الغربية.

عريقات مقيمٌ في فقاعة رام الله، وظيفته مكّونة من جانبين رئيسين: الحفاظ على التمثيلية المصطنعة باستخدام الكلمات الرنانة، وأنّ السلطة الفلسطينية وإسرائيل تخوضان نوعًا من الصراع الدائم (على الرغم من أنهما ليسا كذلك) في الوقت الذي تعمل فيه بشكل وثيق مع إسرائيل لضمان بقاء السلطة الفلسطينية.

السلطة الفلسطينية لا يمكن أن توجد بدون دعم إسرائيلي، والاحتلال العسكري الإسرائيلي والتوسع الاستيطاني غير المشروع لا يمكن أن يستمر دون الذراع الأمنية للسلطة الفلسطينية، التي قمعت أي مقاومة جدية لإسرائيل في الضفة الغربية. ومن خلال “التنسيق الأمني”، تعتقل السلطة الفلسطينية أي فلسطيني يجرؤ أن يشكّل تهديدًا، حقيقيًا أو متوهمًا، ضد الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين.

وبعبارة أخرى، تساعد السلطة الفلسطينية في ضمان سلامة المستوطنين اليهود، مثل أولئك الذين قتلوا الطفل علي وكثير من أمثاله.

وبطبيعة الحال، تواجه المستوطنات مقاومة ضئيلة أو منعدمة، ومن ثم تتزايد بشكل كبير. لقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أحدث التوسعات المخطط لها لبناء مئات المنازل الاستيطانية غير القانونية الجديدة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، في المستوطنات اليهودية مثل: بسغات زئيف، وراموت، وجيلو هارهوما في القدس.

في بيانه، لم ينس عريقات أن يربط قتل علي بقوله: “نحن لا يمكننا فصل الهجوم الوحشي الذي وقع في دوما الليلة الماضية عن اعتماد التسوية الأخيرة من قِبل الحكومة الإسرائيلية، وهي حكومة تمثل التحالف الوطني الإسرائيلي للمستوطنات والفصل العنصري“.

لكنه، إلى جانب رئيسه، محمود عباس، لا يعتزم فعل أي شيء حيال ذلك؛ بل على العكس من ذلك، وبالرغم من بياناته النارية والمسؤولين في السُلطة الفلسطينية أيضًا، لكنّ الرسالة الثابتة التي ترسلها السلطة الفلسطينية إلى إسرائيل هي أنّ الفلسطينيين على ما يرام في ظل الوضع الراهن، وأنّ الأعمال سوف تستمر على النحو المعتاد، سواء تم حرق الأطفال أم لا.

فكر في هذا كمثال: صوت المجلس المركزي للسُلطة الفلسطينية في مارس الماضي على وقف المفاوضات والتنسيق الأمني مع إسرائيل. هذا القرار، المعني بالاستهلاك العام غالبًا، ليست له أي أهمية على الإطلاق، خاصة وأنّ كبار المسؤولين في السُلطة الفلسطينية، بما في ذلك عريقات نفسه، عقدوا مؤخرًا محادثات “سرية” مع مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية في عمان، الأردن.

وقال تيسير خالد، من “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين“، في تصريحات لشبكة “معًا”: “للأسف، اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والقادة الفلسطينيون يعرفون بشأن هذه الاجتماعات فقط من وسائل الإعلام الإسرائيلية“.

هذا مؤسف في الواقع، خاصة وأن اجتماعات عمّان كانت توصف بأنها استراتيجية “بناء الثقة” (دليل على أن أمريكا كان لها يد في ذلك)، وشملت عريقات ووزير الداخلية الإسرائيلي سيلفان شالوم.

ولكن هذه هي الاستراتيجية الفعلية للسلطة الفلسطينية بأوجه القصور والتناقضات. حجر الزاوية في هذه الاستراتيجية هو الترويج للعديد من الشعارات مهما كانت متضاربة، لمجموعات مختلفة من الناس من أجل الحفاظ على الذات. في كثير من الأحيان يكون عريقات هو كبش الفداء؛ لأنّه هو الوجه الأكثر وضوحًا لجهاز السلطة الفلسطينية. ولكن العديد من المسؤولين الآخرين متورطون أيضًا في بيع الوهم للشعب الفلسطيني، بينما يشاركون في الحفاظ على الاحتلال الإسرائيلي العنيف الذي يدمر المجتمع الفلسطيني، ويجرده من الأراضي والمياه، والكرامة.

بعد ساعات قليلة من قتل علي، كان من المقرر أن يجتمع مسؤولو السلطة الفلسطينية في رام الله، أمام عباس؛ حيث يؤدي أربعة وزراء جدد اليمين. حدث تجديد ما تُسمى حكومة الوحدة الوطنية دون موافقة حماس، ونتيجة لذلك؛ دق المسمار الأخير في نعش الوحدة الفلسطينية التي لم تحقق حتى الآن.

الوزراء الجدد الأربعة، الذين ليست لديهم أي سلطة حقيقية في ظل حكم الاحتلال الإسرائيلي، سوف يقرؤون الفاتحة على روح آخر “الأبطال الشهداء” في فلسطين، علي الصغير. وربما تسلط وسائل الإعلام الضوء على الدموع الحقيقية أو المزيفة من المسؤولين في رام الله لإبراز العلاقة العاطفية بين فقاعة رام الله وجميع الفلسطينيين. هذه التمثيلية سوف تستمر لبضعة أشهر أو ربما لسنوات؛ حيث ستقاتل السلطة الفلسطينية ضد الاحتلال باستخدام كل الكلمات المتاحة، وستقاتل مع الاحتلال باستخدام كل الوسائل المتاحة أيضًا.

هذه هي الحكاية الحزينة للقيادة الفلسطينية وفقاعة رام الله التي لم تنفجر بعد.

التقرير