«إسرائيل» ليست دولة. ولادتها في الأساس لم تكن ولادة طبيعية كما تولد بقية الدول، هي في الواقع توليفة من مجموعة عصابات (شتيرن، أرغون، هاغانا، ليحي، إيتسل) تم استيرادها من أربعة رياح الأرض إلى فلسطين في ظل الاحتلال البريطاني وتحت حمايته ورعايته لتعيث قتلاً وتدميراً وإرهاباً ضد أصحاب الأرض وإجبارهم على الهجرة لتقيم كياناً هجيناً هو أشبه بطفل الأنابيب الذي يولد خارج الرحم الطبيعي.
«إسرائيل» أيضاً كيان بلا حدود وبلا دستور، ولا تلتزم بالقوانين والشرائع الدولية. هي بالمعنى السياسي «دولة شاردة» أو «دولة مارقة» تمارس عمل العصابات في علاقاتها مع الشعب الفلسطيني ومع الشعوب العربية ومع المجتمع الدولي. هي مجموعة عصابات أقام لها الغرب كياناً أسموه «إسرائيل»، قال عنه المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي إنه «خطأ تاريخي» ثم تحول إلى خطأ جغرافي وأخلاقي، لأنه يعيش خارج بيئته وحضارتها وثقافتها، ويتناقض وجوده مع أبسط القيم الإنسانية.
هذه العصابة التي هي استمرار للعصابات الأولى بمسميات أخرى والتي ترفض أية تسوية وتمارس العربدة السياسية والعسكرية وترتكب المجازر بحق الشعب الفلسطيني، وتتخذ من العدوان والتهويد والاستيطان والتوسع أجندة عمل يومية، باتت اليوم تشكل خطراً على الأمن والسلام العالميين بعد استفحال شوكة عصابات المستوطنين اليهود الذين يشكلون العمود الفقري للكيان ويجدون في الحكومة والجيش والمؤسسات رديفاً وسنداً.
تبدو هذه العصابة وكأنها أصيبت بالسعار وخرجت من أوكارها كي تمارس أبشع أشكال الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني تحت نظر الأمتين العربية والإسلامية والعالم أجمع، وهي مطمئنة إلى أنها تستطيع أن تحرق وتقتل وتدمر وتصادر الأراضي والمنازل وتنتهك الحرمات وتدنس المقدسات وتفرض الأمر الواقع من دون سؤال أو حساب.
الشعب الفلسطيني يقف وحيداً يدافع عن أرضه والمقدسات، بلا نصير أو سند يشد من أزره ويعينه على مواجهة أعتى هجمة صهيونية في أسوأ مرحلة تمر بها الأمة العربية في حياتها المعاصرة، حيث تهب عليها عواصف التآمر من الداخل والخارج، بين إرهاب يضرب ساحاتها فيدمر دولها ومؤسساتها وجيوشها ومكوناتها الاجتماعية، وبين أطماع إقليمية ودولية تستغل حالة التمزق والانقسام والصراعات العربية لتحقيق أهدافها جراء تخلي العرب عن دورهم وحماية أمنهم القومي، ما أدى إلى فراغ استراتيجي يغري أياً كان باستباحة الأرض العربية.
ما كان بمقدور هذه العصابات أن تقوم بما تقوم به لولا حالة الهوان العربي وانفراط عقد التضامن، وإسقاط القضية الفلسطينية من سلم أولويات العرب، واللهاث وراء سراب التسوية والرهان على الولايات المتحدة كوسيط نزيه يمكن أن يعيد للفلسطينيين والعرب حقاً يعرفون أنه لن يأتي إلا بالقوة، لأنهم في مواجهة عصابات لا تقيم وزناً لقانون أو شرعية أو حقوق، ولأن من يراهنون عليه هو شريك لهذه العصابات حيث لا يترك مناسبة إلا ويؤكد دعمه لها والحرص على أمنها وتفوقها.
الخليج