تجاوز صعود مؤشرات الأسهم الأميركية كل التوقعات في الأيام الأخيرة، بعد أن واصلت تحقيق المستويات القياسية، رغم التوتر الشديد في الأسواق العالمية، جراء الشلل الذي أصاب الصين على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد.
وتلعب الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، دوراً رئيسياً في سلاسل الإمداد والإنتاج في الكثير من الشركات بالولايات المتحدة التي يقترب اقتصادها من إتمام عامه الحادي عشر من الانتعاش المتواصل.
ولم يكن فيروس كورونا هو الشيء الوحيد الذي تخطته أسواق الأسهم الأميركية، حيث سبق لها أن تجاوزت تحقيقات عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتحذيرات المؤسسات المالية الدولية من تراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي، والتأثيرات السلبية للحروب التجارية الشرسة مع الصين.
وبعد مرور شهر ونصف فقط من العام الجديد، قفز مؤشر ناسداك بنسبة 8.45 في المائة، وربح مؤشر “اس آند بي 500” الأكثر شمولاً 4.62 في المائة، بينما اقتصرت مكاسب مؤشر داو جونز الصناعي على 3.29 في المائة.
لكن الأرقام الأكثر تعبيراً عن حجم ما تحقق خلال هذه الفترة تشير إلى تحقيق مؤشر ناسداك 13 مستوى قياسياً، وتحقيق مؤشر اس آند بي 12 مستوى قياسياً، خلال 32 يوم عمل فقط، بواقع مستوى قياسي جديد كل أقل من ثلاثة أيام، كما ارتفاع القيمة السوقية للأسهم الأميركية بأكثر من تريليون دولار خلال أسبوعين فقط من بداية فبراير/ شباط الجاري.
وكانت هناك طفرات فردية كبيرة في أسعار بعض الأسهم، كما حدث في سعر سهم شركة تسلا لصناعة السيارات الكهربائية، عروس الأسهم الأميركية في 2020، الذي حقق مكاسب تجاوزت 100 في المائة منذ بداية العام، لترتفع القيمة السوقية للشركة لأكثر من 150 مليار دولار، أي ما يقرب من ضعف مجموع القيمة السوقية لشركتي جنرال موتورز وفورد الأميركيتين، رائدتا إنتاج السيارات في الولايات المتحدة، وذلك رغم خسارته أكثر من 10 في المائة خلال تعاملات آخر أسبوعين.
ويرى محللون أن الانتعاش الحادث في قيم مؤشرات الأسهم الأميركية لا يعكس بالضرورة حقيقة وضع السوق، بعد أن سيطرت شركات التكنولوجيا الكبرى التي توصف بـ”الرافعات” على الصورة.
وتمثل شركات مايكروسوفت وآبل وأمازون وألفابيت (الشركة الأم لغوغل) وفيسبوك مجتمعة نحو 18 في المائة من قيمة مؤشر “اس آند بي 500″، وهو ما لم يحدث لأي خمس شركات من قبل، وقد حققت تلك الشركات معاً 50 في المائة مما حققه المؤشر الأشمل للسوق الأميركية منذ مطلع العام.
ومنذ مارس/ آذار 2009، التاريخ الأقرب لانتهاء الأزمة المالية العالمية، ارتفع مؤشر “اس آند بي 500” بنسبة 400 في المائة، تسببت الشركات الخمس معاً في تحقيق خُمس هذه المكاسب، الأمر الذي يثير القلق عما يمكن أن يحدث للأسواق، حال تراجع أسعار أسهم تلك الشركات في أي وقت.
وأرجع محللون ارتفاعات مؤشرات الأسهم المبالغ فيها إلى رغبة ترامب إظهار الاقتصاد الأميركي في أفضل حالاته، باعتباره أحد أهم الأعمدة التي يبني عليها حملته الانتخابية.
ويوم الجمعة الماضي، نقلت شبكة “سي ان بي سي” عن أربعة مسؤولين في الإدارة الأميركية، من بينهم لاري كودلو، كبير مستشاري ترامب ورئيس المجلس الاقتصادي القومي أن “البيت الأبيض يعمل على إعفاء جزء من دخل الأسر الأميركية من الضرائب، لتحفيزها على الاستثمار في سوق الأسهم، ضمن حزمة تحفيز جديدة للاقتصاد”.
ويرى توماس كين، المحلل الاقتصادي، أن ترامب أمر مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) “بإغراق الأسواق بالسيولة لدفع أسواق الأسهم لأعلى”، مشيرا إلى أن البنك ضخ بالفعل 500 مليار دولار (هي تقريباً حجم الزيادة في عجز الموازنة الأميركية منذ تولي ترامب) في سوق الأسهم، ليتمكن ترامب من التشدق بها خلال خطابه عن حالة الاتحاد الأسبوع الماضي.
وفي نفس الاتجاه، أيد ماكس بوت، محلل الاقتصاد السياسي في شبكة “سي أن أن” الإخبارية، في مقال له بصحيفة واشنطن بوست، قبل يومين، فكرة دعم ترامب وفريقه للأسهم، مضيفا أن “أغلب الأميركيين يهتمون بقوة سوق الأسهم أكثر من اهتمامهم بالديمقراطية في الولايات المتحدة”.
ورغم ترويج ترامب لنجاحاته عبر شاشات التداول في البورصة، تظهر العديد من المؤشرات على مواجهة الاقتصاد الأميركي تحديات حقيقية قد تعيده إلى سنوات الأزمة المالية العالمية قبل نحو 12 عاماً.
وتوقع مكتب الموازنة التابع للكونغرس، في وقت سابق من فبراير/شباط الجاري، أن يتجاوز عجز الموازنة العامة، تريليون دولار للمرة الأولى منذ عام 2012، ما يلقي بظلال سلبية على أكبر اقتصاد في العالم.
وحمّل مكتب الموازنة زيادة الإنفاق الحكومي، وإلغاء بعض أنواع الضرائب، مسؤولية زيادة عجز الموازنة الحالية، التي تنقضي بنهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، والتي جاء فيها أن الحكومة الأميركية سيتعين عليها اقتراض 22 في المائة من إجمالي نفقاتها، المقدرة بنحو 4.6 تريليونات دولار.
وعلى حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، عبّر بول ميتشل، العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ عن ولاية ميشيغان، مطلع الشهر الجاري، عن قلقه الشديد من ارتفاع عجز الموازنة العامة، واصفاً إياه بـ”الجنون المالي”.
ويتخوف مكتب الموازنة من أن يؤدي العجز المتزايد إلى ارتفاع الدين العام، وما يسببه من زيادة في العائد على سندات الخزانة الأميركية، ما يتسبب في طرد استثمارات القطاع الخاص، وربما يؤدي إلى حدوث أزمة ديون، على غرار ما حدث في القارة الأوروبية قبل أعوام.
شريف عثمان
العربي الجديد