الباحثة شذى خليل*
الصدمات الاقتصادية تحدث أثرا مفاجئا يعرقل جميع الأهداف الرئيسة للسياسة الاقتصادية، وأنّ أثر هذه الصدمات يزداد بزيادة ارتباطها مع العالم بشكل عام وزيادة ارتباطها بالدولة مصدرة الصدمة بشكل خاص، ويمكن تقسيم هذه الصدمات الى نوعين:
النوع الأول: هو صدمات الطلب (Demand Shocks)، وتتمثل بالتغيرات في السياسة، مثل صدمات السياسة المالية (صدمات الانفاق الحكومي والخاص ومعدلات الضرائب)، وصدمات السياسة النقدية (عرض النقود وسعر الفائدة وسعر الصرف).
النوع الثاني: هو صدمات العرض (Supply Shocks)، أو الانتاجية التي تؤثر مباشرة في جانب الإنتاج، وهي من أهم الصدمات التي تحدث اليوم وما يتعرض إلية الاقتصاد العالمي هي صدمة كورونا.
إن انتشار فيروس “كورونا” بشكل سريع يقلق الأسواق ويزيد التداعيات السلبية التي تنذر بخطر، نظرا إلى كون الصين التي ظهر فيها المرض، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهو ما يعني أن خسائر فادحة تلوح في الأفق.
مع استمرار التحذيرات من الكوارث والصدمات الاقتصادية التي سيخلّفها الفيروس الذي بدأ رحلته من الصين الى انحاء العالم، ليرسم خارطة الخوف والشلل الاقتصادي، خصوصاً مع استمرار صدور البيانات السلبية المتعلقة بتقييد حركة السفر وخسائر شركات الطيران، حيث سجلت شركة الطيران الصينية خسائر كبيرة، واكدتها وكالة الطاقة الدولية في المراحل الأولى من أزمة تفشي الفيروس أدَّت إلى انخفاض نسبته 70% بحركة السفر الجوي العالمية في الصين، بينما تراجعت حركة السفر المحلية 50%.
وتسببت هذه الإجراءات في خفض بنسبة 80% بطاقة شركات الطيران الأجنبية للمسافرين مباشرة إلى الصين ومنها، وتراجع بنسبة 40% بالطاقة من جانب شركات الطيران الصينية.
وتقلص طلب الصين على وقود الطائرات في الربع الأول بنسبة 14%، أو ما يعادل 125 ألف برميل يومياً، وتوقعاتها للربع الثاني بنسبة 15%، أو ما يعادل 140 ألف برميل يومياً.
وفي ذات السياق، توقّعت المنظمة الدولية للطيران المدني “إيكاو” التابعة إلى الأمم المتحدة، انخفاض إيرادات شركات الطيران العالمية بقيمة تتراوح بين 4 و5 مليارات دولار في الربع الأول، بسبب إلغاء الرحلات المُرتبطة بانتشار فيروس (كورونا).
وأضافت المنظمة، أنه من المرجح أن تتكبد اليابان “خسائر بقيمة 1.29 مليار دولار في إيرادات السياحة في الربع الأول”، بسبب انخفاض عدد المسافرين الصينيين، واحتمال أن تخسر تايلاند 1.5 مليار دولار.
وفي المقابل قررت الكثير من الدول وقف رحلات الطيران إلى الصين، مع وضع قيود على القادمين منها، كما جرى وضع الركاب على السفن تحت الحجر الصحي، والقائمة تطول في هذا الشأن.
وكانت التجربة الأخيرة لهذا النوع من الديناميكيات المتعاقبة للتوقف المفاجئ الذي شوهد على نطاق واسع في عام 2008 خلال الأزمة المالية العالمية.
ويوجد حالياً أدلة متزايدة على التأثير المتعاقب في بقية أنحاء العالم، إذ أغلقت آبل وآيكيا وغيرهما متاجرها في الصين، كما أبلغت مجموعة “بربري” عن تراجع المبيعات في ثلاثة فصول.
وحذّرت “فيات كرايسلر” من أنها ربما تضطر إلى وقف عمليات الإنتاج في أحد مصانعها الأوروبية، بسبب مشكلات سلاسل التوريد.
أما في القطاع الإنتاجي للسيارات، فقد أعلنت جميع شركات السيارات الكبرى التي تمتلك مصانع في الصين، مثل رينو، وهوندا، وبيجو، وتويوتا، وبي إم دبليو، وفولفو، وفولكس فاغن، وغيرها، توقف نشاطاتها لوقت انتهاء الازمة.
وكشفت الجمعية الصينية لسيارات الركاب، عن تراجع مبيعات السيارات في البلاد بنسبة تتراوح بين 25% و30% لشهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، بسبب انتشار الفيروس المميت.
ويرى خبراء اقتصاد، أنه بعد أن أصبحت الصين مصنع العالم فإن التباطؤ سيمتد إلى الاقتصاد العالمي من خلال عملاء الشركات الصينية، حيث يوجد ما يقرب من 51 ألف مجموعة أجنبية لها موارد مباشرة في الصين، خاصة في المناطق الأكثر تضررا من فيروس كورونا.
ويرجح الخبراء أن يتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تفوق 160 مليار دولار لتصبح بذلك أكبر خسارة يسببها وباء في العصر الحديث، وهي تتجاوز بواقع أربعة أضعاف ما سببه فيروس “سارس” الذي اجتاح الصين سنة 2003.
وقدرت خسائر الفيروس، وقتئذ، بنحو 40 مليار دولار، وأدى إلى خفض مساهمة الصين في إجمالي الناتج المحلي العالمي بقرابة 170%.
أما اليوم، فيتوقع الخبراء أن تنخفض مساهمة الصين بشكل أكبر، نظرا لدورها المحوري في التجارة العالمية، لأنها أضحت أكبر سوق للسيارات وأعلى مصدر ينفق على السياحة الدولية.
حيث ارتفعت حصة القيمة المضافة الصينية في الطلب النهائي العالمي على السلع المصنعة من 9 إلى 25% تقريبا، مع اعتماد قطاعات النسيج والصلب والمعادن وتكنولوجيا المعلومات والإلكترونيات والكيماويات الدوائية على الشركات الصينية.
ويبين الاقتصاديون، ان قياس تأثير هذه العقبات على النمو العالمي أمر معقد، حيث لا تتوفر معلومات كافية عن تاريخ هذا النوع من صدمات العرض، حيث أصبحت سلاسل الإنتاج معولمة إلى حد كبير منذ تفشي وباء سارس عام 2003.
ولا تزال أزمة النفط عام 1973 أحد أبرز الأمثلة على أزمات العرض، إلا أن صدمة فيروس كورونا ينبغي أن تكون نظريا ادنى من ذلك بكثير، حيث يمكن أن تقتصر على انخفاض بسيط في النشاط في الربع الأول من العام الجاري، يتم تعويضه في أعقاب أول انتعاش، وهذا يعني خسائر معوضه.
أما صندوق النقد الدولي، فإنه يرى ان هذا الوباء سيكون له تأثير كبير، ولكن ليس مزعجا على النمو العالمي بمقدار 0.1 نقطة، وهي تكلفة سارس نفسها، أما محافظ بنك فرنسا برونو لو مير، فهو يتحدث عن “تأثير سلبي ولكنه مؤقت، يحد بشكل طفيف” من توقعات النمو الفرنسي لعام 2020.
من جهة ثانية، يرى الاقتصاديون أن هذه التوقعات المتفائلة يمكن أن تتناقض لسببين: أولهما احتمال ترافق صدمة العرض بضعف شديد في الطلب، أي انخفاض في الاستهلاك أو القوة الشرائية، وثانيهما فقدان الثقة لدى رواد الأعمال والأسر، وإن كانوا حافظوا على معنوياتهم الجيدة في أوروبا حتى الآن.
جاءت تداعيات تفشّي الفيروس وجهود الصين لاحتوائه في وقت سيئ للغاية بالنسبة لاقتصادات بلدان مثل اليابان وألمانيا، التي بدأت لتوها في الانتعاش بعد عام اتسم بالكثير من الاضطرابات التجارية العالمية التي أثرت بدورها على صناعاتها وصادراتها، كما أثر الفيروس سلبًا على صناعة السيارات العالمية بشدّة، حيث طالت انعكاساته اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا وربما حتى الولايات المتحدة.
أما إذا استمر انتشار الفيروس وتحول إلى وباء، فإن آفاق جميع أصحاب المصلحة ستكون قاتمة، خاصة وأن الأسواق المالية أظهرت بعض الضعف من دون أن تستسلم للخوف الذي يشل الحياة الاقتصادية.
ومع أن البيانات لا تزال غير كافية لتقييم التأثير الكلي لتدابير الحجر الصحي على الطاقة الإنتاجية للشركات، فإن التحذيرات الواردة من مجموعات التكنولوجيا وشركات صناعة السيارات وشركات الطيران تعطي فكرة عن مدى خطورة الموقف، خاصة أن المصانع الصينية لا تزال متوقفة إلى حد كبير.
أما حول حالات العدوى بالفيروسات، فإن التداعيات الاقتصادية أصبحت واضحة بشكل متزايد بين دول مجاورة للصين، على خلفية ذلك، أعلنت كوريا الجنوبية حالة طوارئ اقتصادية، ودعت إلى اتخاذ تدابير للحدّ من الأضرار التي لحقت باقتصاد الصين.
من جهتها، خفضت سنغافورة توقعاتها للنمو هذا العام، وتخطط إلى تقديم حزمة من الحوافز بمليارات الدولارات لتعويض خسائر النشاط الاقتصادي، كما خفضت تايلند وماليزيا توقعات النمو الخاصة بهما.
وتخطط ماليزيا لاتخاذ تدابير تحفيزية اقتصادية لاحتواء الضرر، واليابان، التي توجد بها أكثر حالات الإصابة بالفيروس خارج الصين، من المحتمل أن تواجه تحديّات أكبر بعد أن تراجع نمو اقتصادها في الربع الأخير من العام الماضي.
أما أميركا وأوروبا، فأشار الاقتصاديون الى أن الشركات الصينية التي تعمل في مشاريع مبادرة “حزام واحد طريق واحد” حول جنوب شرق آسيا، ستتكبد خسائر فادحة جراء التأخير وارتفاع التكاليف الناجمة عن تعطل سلسلة الإمداد وانقطاع العمال عن مزاولة أنشطتهم.
ومن المرجح أن تشهد البرازيل، التي تعتمد على السوق الصينية كأكبر شريك تجاري لها، تباطؤا في نسبة النمو هذا العام بسبب تداعيات انتشار المرض.
وهناك الآن مخاوف متزايدة من حدوث اضطرابات إضافية في سلسلة التوريد التي قد تؤثر سلبا على المصانع الأوروبية.
وأخيرا إيران حيث أصبحت اكثر خطرا من الصين بنشر الفيروس، حيث تفشَّى فيروس كورونا في ايران بتكتم إعلامي من جانب الجهات الرسمية الإيرانية الذي يزيد الوضع سوءا ويسمح لحاملي المرض بالتنقل والذهاب الى الزيارات الدينية في العراق ولبنان ودول عربية أخرى دون قيود، حيث بدأت بلبنان ووصلت الحالات للكويت وعمان والبحرين والإمارات، وهذا كله بسبب تكتم إيران على انتشار الفيروس فيها، وعدم إعلانها عن ذلك، كما تفعل كل دول العالم، فإيران دولة لا تتعامل بشفافية كما هو معروف عنها.
بدورها، حذرت منظمة مراسلون بلا حدود، المعنية بمراقبة وسائل الإعلام، إيران وحثتها على ضرورة “احترام حق الجمهور في الوصول إلى التقارير الإخبارية الكاملة والمستقلة والصحيحة، على النحو المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو أفضل وسيلة لحماية السكان ومكافحة الشائعات، “وإن حجب المعلومات “يمكن أن يقتل”.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية