قال المعلق في صحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر إن حرب الاستنزاف الجارية في شمال سوريا خرجت عن السيطرة. وقال إن الأجواء فوق إدلب مزدحمة بالمقاتلات الحربية والطائرات المسيرة حيث يعيش في هذا الجيب الأخير التابع للمعارضة ما يقرب عن 3 ملايين نسمة. وأضاف أن حرب الاستنزاف المتصاعدة بين تركيا والنظام السوري الذي يدعمه الروس تقترب من التحول إلى حرب شاملة.
وقتلت الغارات الجوية وغارات “الدرونز” أعدادا من الجنود على الجانبين. ويقول الدبلوماسيون والمسؤولون وعمال الإغاثة أن أكثر من 27 غارة شنت ضد القوات التركية في إدلب، وربما قام بها الطيران الروسي، وأدت إلى مقتل 34 جنديا تركيا اعترفت أنقرة بمقتلهم.
وتسببت الحرب برحيل مليون لاجئ سوري علقوا في قرب الحدود مع تركيا. ويقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن اللاجئين السوريين الجدد مع أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري استقبلتهم تركيا خلال الحرب الأهلية لهم الخيار بالتوجه شمال نحو أوروبا، مما وسع أزمة إدلب إلى الحدود مع اليونان.
وتساءل غاردنر عن السبب الذي أدى لهذه الكارثة، في وقت كان العالم يحاول فيه إبعاد شبح إدلب عن عقله؟ فإدلب هي المعقل الأخير للمعارضة السورية التي ثارت ضد بشار الأسد في عام 2011. وكانت من أوائل المدن السورية التي ثارت ضد نظام دمشق، وكانت مركز الحرب في سوريا.
وتحالفت روسيا وتركيا رغم دعمهما الأطراف المتحاربة في عام 2016 بعد محاولة الجيش التركي الانقلاب على أردوغان والذي حمّل بدوره الغرب المسؤولية.
ووافق الطرفان على محور خفض التوتر في عام 2018. وتحولت المحافظة إلى عنق الزجاجة للمعارضين وعائلاتهم الذين تم ترحيلهم من مناطق دمشق والمدن التي توصلت لاتفاقات مع النظام. ويقف النظام وحلفاؤه على حافة فتح حقول موت جديدة.
وقام جيش النظام السوري المتداعي وبدعم من الطيران الروسي وإمدادات جديدة من إيران، بالتقدم منذ كانون الأول/ ديسمبر نحو ريف إدلب. وكان الغرض هو السيطرة على طريقين مهمين، الأول من دمشق إلى حلب شمالا، والثاني من الغرب إلى الشاطئ على البحر المتوسط.
واشتكت موسكو من عدم تلبية أنقرة الوعود التي قطعتها بالسيطرة على هيئة تحرير الشام، الموالية للقاعدة، والتي تحتفظ بـ20 مقاتل في المحافظة. وعندما تعرضت نقاط المراقبة التركية في إدلب وعددها 12 نقطة، للحصار، أرسلت انقرة الشهر الماضي فرقة مدرعة.
وفي 26 شباط/ فبراير، تمت استعادة مدينة سراقب التي تقع على الطريقين الاستراتيجيين. وردت قوات الأسد بقوة في اليوم التالي. وردت تركيا بقوة أكبر وقتلت قوات سورية وإيرانية ومقاتلين من حزب الله.
ويعد هذا تصعيدا خارجا عن السيطرة، ويشير إلى أن الاتحاد الأوروبي الذي وقّع اتفاقية في عام 2016 مع تركيا لوقف موجة اللجوء إلى القارة، دعا إلى اجتماع طارئ على مستوى وزراء الخارجية. وسيلتقي أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين الخميس، ولكنه يبدو مكشوفا. فمطالبه بعودة قوات دمشق إلى خطوط خفض التوتر التي اتفقت عليها أنقرة وموسكو ورفضه القبول بمنطقة تركية خارج سراقب يعني مواجهة بينه ونظيره الروسي، ويعرّض للخطر الجيبين التركيين في جرابلس وعفرين التي سيطرت عليهما عام 2016 و2018 وحتى المنطقة العازلة التي سيطرت عليها تركيا بعد انسحاب القوات الأمريكية من شمال- شرق سوريا العام الماضي. ولن يأتي حلف الناتو الذي كان حاميا لتركيا إلى مساعدة الأخيرة بعد شرائها منظومة الصواريخ الروسية اس- 400.
ويبدو الرئيس التركي الذي يرى بلاده وحيده ويفضل العلاقات التعاقدية على التحالفات الطبيعية في وضع ضعيف. واهتمامه بسوريا نابع من رغبته بمنع ظهور جيب كردي سوري على حدود بلاده يتعاون من الانفصاليين الأكراد داخل بلاده، بالإضافة لمنع موجة جديدة من اللاجئين. وهو بحاجة لمساعدة بوتين في الأمرين.
وكما قال أحد المحللين الأكراد البارزين: “ما هي مصلحة تركيا في منع سقوط إدلب؟”.
القدس العربي