أين يصل عناق واشنطن وطالبان؟

أين يصل عناق واشنطن وطالبان؟

أثارت المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان الأفغانية، الملا عبد الغني برادار، بعد التوقيع على اتفاق الدوحة للسلام بين واشنطن والحركة، في 29 من الشهر الماضي (فبراير/ شباط)، اهتماما إعلاميا كبيرا، ذلك أن ترامب أعرب فيها عن سعادته في الحديث مع برادار، وأخبره بأنه “يعلم أنه يقاتل من أجل وطنه”، بمعنى أنه يحترم القضية التي يقاتل من أجلها. وفي تصريحٍ مثيرٍ لاحق، أعرب ترامب عن اعتقاده بأن “طالبان” قد تطيح الحكومة التي تدعمها واشنطن بعد انسحاب القوات الأميركية وتعود إلى حكم أفغانستان، وأن على حكومة أشرف غني أن تتولى شؤونها بنفسها، “لأننا لا نستطيع أن نظل ممسكين بأيديهم إلى ما لا نهاية”.
بغض النظر عن دوافع الرئيس ترامب (انتخابية بالدرجة الأولى)، وطريقته التي تبدو سطحية في التعاطي مع قضايا جوهرية، إلا أن مؤشرات عدة تذهب إلى احتمال حصول تطور كبير في علاقة واشنطن بحركة طالبان، على الرغم من تحفظ دوائر أميركية، خصوصا وزارة الدفاع (البنتاغون). وهناك من الأسباب ما يرجّح احتمال قيام علاقة إيجابية مستقبلا بين الطرفين، مع وجود شواهد كثيرة على تحول علاقة تناحرية بين واشنطن وأحد خصومها إلى علاقة تحالف وثيقة.
في الأسباب، من المهم القول إن أحد أهم الأسباب الاستراتيجية للغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، إذا طرحنا جانبا السبب المباشر (هجمات “11 سبتمبر”)، يتمثل في إنشاء وجود عسكري أميركي في قلب آسيا، يمنع الصين من إنشاء طرق برية بديلة لتأمين إمداداتها من النفط والغاز من منطقة الخليج (إيران) بعيدا عن السيطرة الأميركية على الطرق البحرية. ولا يُنسى أيضًا أن أفغانستان، بحسب مذكرة لوزارة الدفاع الأميركية، كشفت عنها صحيفة نيويورك تايمز عام 2010، تحتوي على أكبر مخزون عالمي من معدن الليثيوم المستخدم في صنع بطاريات الأجهزة الإلكترونية. وقد وصفت مذكرة “البنتاغون” أفغانستان بسبب هذا الاكتشاف بأنها “سعودية الليثيوم”، “Saudi Arabia of lithium”. وتتيح السيطرة على هذا المخزون لواشنطن أفضليةً في المنافسة مع الصين في هذا القطاع.
جهدت واشنطن، خلال العقدين الماضيين، في إقامة حكومة مركزية قوية قادرة على حماية المصالح الأميركية في أفغانستان، لكنها فشلت. ولأنها متحرّرة من أي اعتباراتٍ أيديولوجية في سياستها الخارجية، وتميل إلى الأكفأ في لعبة الصراع، لن تجد واشنطن بدّا لحماية مصالحها من الرهان على الحصان الرابح في أفغانستان، حتى لو كانت “طالبان” التي حاربتها 20 عاما. وواقع الحال أن “طالبان” تعد حليفا طبيعيا لواشنطن، إذا أخذنا بالاعتبار التنافر الأيديولوجي والتناقض الجيوسياسي بين الحركة وخصوم واشنطن في المنطقة، وهم الصين وروسيا وإيران. وقد حاولت كل هذه الدول بدورها، على الرغم من كراهيتها لـ”طالبان”، دعم هزيمة واشنطن وإخراجها من أفغانستان. واشنطن تفكر الآن في قلب المشهد، وتطمح، في نقطة ما، إلى تحالف مع حكومةٍ (تراها حتمية) تقودها “طالبان” في أفغانستان. هل هذا ممكن؟ بالتأكيد.
هناك أمثلة عديدة يمكن أن يسوقها المرء عن عداوات لواشنطن انقلبت تحالفات، أبرزها ربما فيتنام التي بدأ التدخل العسكري الأميركي فيها بعد هزيمة فرنسا في معركة ديان بيان فو عام 1954، وإعلان عجزها عن الاستمرار في حكم مستعمرتها السابقة. ومنعا لنشوء حالة فراغ يملأها الاتحاد السوفييتي، جرت عملية استلام وتسليم بين الفرنسيين والأميركيين. استمر التدخل العسكري الأميركي في فيتنام نحو 20 عاما، أرسلت خلالها واشنطن نصف مليون مقاتل إلى فيتنام، وأدى تدخلها فيها الى مقتل نحو ثلاثة ملايين فيتنامي، وأكثر من 57 ألف جندي أميركي. اضطرت بعدها واشنطن إلى الانسحاب، والإقرار بهزيمتها في اتفاقية باريس لعام 1973، وبقي عالقا في الأذهان مشهد إجلاء الدبلوماسيين الأميركيين بمروحياتٍ عن سطح السفارة الأميركية في سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية) في إبريل/ نيسان 1975 فيما كانت تجتاحها جيوش الشمال براياتها الحمراء.
تغيرت الأمور كثيرا بعد ذلك بعقدين، اذ بدأت فيتنام، المرتابة من صعود حليفتها السابقة، الصين، تميل إلى الولايات المتحدة، حتى باتت اليوم أوثق حلفائها في كل منطقة الهند الصينية. هل يتكرّر هذا السيناريو في أفغانستان؟ نعم، هي مسألة وقت لا أكثر.

مروان قبلان

العربي الجديد