أفغانستان مفتاح السيطرة البرية على آسيا الوسطى

أفغانستان مفتاح السيطرة البرية على آسيا الوسطى

يشكل الموقع الجيوبولتيكي لأفغانستان أهميةً حيويةً جعلها مسرحًا للتنافس العالمي بين كلٍّ من أميركا والصين، وذلك بالنظر إلى ما يحوزه هذا الموقع من جملة خصائص جيوسياسية وجيواقتصادية متفردة، وهو الشيء الذي قلَّ نظيره في بلدان أخرى تجري فيها أشكال ودرجات أخرى من هذا التنافس بين الدولتين.

تنطلق أهمية دراسة الباحثين بيارق علي عزيز ومروان عوني كامل “أفغانستان وأهميتها الجيوبولوتيكية في التنافس الأميركي الصيني” الصادرة عن دار العربي، في أنها تحاول أنَّ تبين موقع أفغانستان الجيوبوليتيكي ضمن التنافس الجيوستراتيجي الشامل بين أميركا والصين.

جاء الإطار الزمني للدراسة محددا في فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، إذ أدّت هذه الأحداث إلى تدخل أميركا في أفغانستان، وبعدها جاء انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وتصاعد القوة الاقتصادية الصينية، وهو ما أحدث تغيرات جيوستراتيجية متوالية جعلت من أفغانستان منطقة مهمة لتنافس أميركا والصين.

ويرى الباحثان أن النظرية الواقعية بشقيها التقليدية والجديدة تفسر التنافس القائم بين أميركا والصين على أنه تنافس قائم على أساس ما تقتضيه قوة ومصلحة كل منهما على حدة، وبشكل يمكن أن تفترق فيه من الناحية الموضوعية أيّ مصالح مشتركة بينهما.

ويؤكدان أن أهمية أفغانستان قد ازدادت في المنظور الإستراتيجي الأميركي لكونها الدولة التي يمكن أن تؤمّن بعد السيطرة عليها جملة من المزايا الإستراتيجية تبدأ بالتحكم بواحدة من أهم عقد المواصلات بين وسط آسيا وجنوبها وغربها وصولا إلى التواجد القريب من مناطق نفوذ القوى الكبرى والإقليمية المنافسة للولايات المتحدة وهي الصين في المقام الأول، إلى جانب روسيا وإيران.

ووظفت أميركا أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001 من أجل التمركز عسكريا في أفغانستان والسعي لتحقيق أهدافها الجيواقتصادية والجيوسياسية سواء في داخل أفغانستان أو في جمهوريات آسيا الوسطى المحاذية والقريبة منها.

أمَا الصين فإنها أدركت أهمية أفغانستان منذ زمن بعيد، وذلك بالنظر إلى جملة كبيرة من الاعتبارات السياسية والإستراتيجية والأمنية والاقتصادية، فقد أصبحت أفغانستان من ناحية، تمثل تهديدا لأمن الصين القومي بسبب إقليم شينجيانغ المحاذي لها والذي يحتوي على جماعات الإيغور الإسلامية التي تعدّها الصين جماعات إرهابية ذات أنشطة عابرة للحدود.

فضلًا عن ذلك فقد بقيت أفغانستان تمثل في نظر الصين تلك الحلقة البرية المفقودة التي يمكن أن تكمل بعد السيطرة عليها في المستقبل مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها عام 2013، ومن هنا بدأت بكين التغلغل اقتصاديا في أفغانستان من خلال طرحها مختلف المشاريع الاستثمارية والإنمائية فيها من أجل تحقيق أهدافها الجيوسياسية والجيواقتصادية الكبرى وبعيدة المدى.

ويشير الباحثان إلى أنه كانت لأميركا والصين علاقات مع الجماعات الأفغانية السياسية والمسلحة وهو الشيء الذي تمكنت بموجبه الدولتان من تأسيس قاعدتهما الأولى للنفوذ في هذا البلد، ففي خلال حقبة الاحتلال السوفييتي لأفغانستان نسج الأميركيون مثل هذه العلاقات، وفي خلال مرحلة الاحتلال الأميركي أقام الصينيون مثل هذه العلاقات.

لكن الفارق الأساس بين الحالتين كان في طبيعة العلاقات التي نشأت، ففي الوقت الذي ركز فيه الأميركيون على دعم الجماعات الأفغانية بالأسلحة والتدريب، كان تركيز الصينيين أكثر بكثير على مد الجماعات الأفغانية والأقاليم التي تقطنها بالمساعدات الاقتصادية مع تقديم الوعود بتنميتها في المستقبل.

ويتابع الباحثان “مهّدت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001، الطريق أمام أميركا لإعادة صياغة التوازنات الإستراتيجية في العالم، وخاصة في منطقة آسيا الوسطى، إذ يمثل التمركز في آسيا الوسطى المحور الرئيس للحملة العسكرية الأميركية على أفغانستان، لما لهذا البلد من مقومات تجعله مفتاح السيطرة البرية على آسيا الوسطى، وبمعنى آخر، فإن أحداث الحادي عشر من سبتمبر لم تنشئ واقعا إستراتيجيا جديدا بقدر ما هيأت الظروف أمام أميركا من أجل تنفيذ إستراتيجياتها في آسيا الوسطى التي كان من أبرزها، تطويق الصين وكسر تحالفاتها السياسية في هذه المنطقة وإجهاض مشاريعها الاقتصادية”.

وربطت واشنطن وجودها العسكري في أفغانستان على الادعاء بحرصها على إقامة دولة مؤسسات ديمقراطية راسخة في هذا البلد، لكن الذي تبين بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في عام 2021، أن الدولة التي أنشأتها كانت من الهشاشة إلى الدرجة التي استطاعت فيها حركة طالبان اكتساح جميع مفاصلها السياسية والعسكرية في مدة وجيزة، وهو الشيء الذي سوف يقوض في المستقبل أيّ مشاريع أميركية مماثلة لاحتلال بلدان أخرى وتغيير أنظمتها السياسية.

في المقابل، كان أسلوب تعاطي الصين مع أفغانستان منذ البداية قائما على النهج البراغماتي، وقد أثبت هذا النهج مع الوقت مدى نجاحه، فمع الاحتلال الأميركي لأفغانستان تعاملت الصين مع النظام السياسي الجديد الذي أوجده الأميركان بشكل تلقائي، كما دخلت معه في علاقات طبيعية أساسها المصالح المشتركة، رغم كل الشكوك التي كانت الصين تستشعرها.

لقد مارست الصين تجاه النظام الجديد سياسة النفس الطويل في انتظار حدوث متغيرات سياسية جديدة، كما نسجت في ذات الوقت علاقات أخرى مع حركة طالبان المسلحة المعارضة، ولذلك فعندما حدث الانسحاب الأميركي من أفغانستان بعد عشرين سنة وسقط النظام وعادت طالبان إلى الحكم، كانت الصين قادرة مرة أخرى على التعامل مع المستجدات بالاستناد إلى أرضية صلبة أساسها الخبرة المتراكمة في الشؤون الأفغانية، والأهداف الواضحة والوسائل الناجحة.

ويرى الباحثان أن مبادرة الحزام والطريق تمثل رؤية الصين الإستراتيجية والمستقبلية لتعزيز مكانتها على الصعيد الدولي من خلال ربط اقتصادها باقتصادات سلسلة طويلة من الدول، وقد كانت أفغانستان حتى وقت قريب بمثابة الحلقة المفقودة في هذا المشروع العالمي. أما الآن وقد بسطت طالبان حكمها على كامل التراب الأفغاني، فسوف يزداد الرهان بين أميركا والصين على قدرة طالبان في جعل بلادهم جزءا أساسيا من هذه المبادرة أم لا.

العرب