الذين يتّهمون رجب طيب أردوغان باستغلال ورقة المهجّرين السوريين في صراعه مع أوروبا لا يضيفون شيئاً إلى الحقل المعرفي. نعم، أردوغان يتعاطى مع قضية اللاجئين ورقة سياسية بالفعل، وهذا ليس تحليلاً أو محاكمة للنوايا، بل حقيقة مؤسفة. حقيقة شهدت بروكسل، قبل يومين، أحد فصولها عندما كان الرئيس التركي يفاوض قادة الاتحاد الأوروبي على “صفقة” جديدة لتعديل اتفاقيات مارس/ آذار 2016 التي وقفت تركيا بموجبها حائط صدّ في وجه وصول اللاجئين إلى أوروبا في مقابل ستة مليارات يورو، كان يجب أن يعطيها الاتحاد إلى أنقرة “لتحسين ظروف اللاجئين في تركيا”، أي لكي يبقوا هناك، فضلاً عن إعفاء المواطنين الأتراك من شرط نيل تأشيرة دخول إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. لم يحصل هذا ولا ذاك على كل حال.
إذاً نعرف ما الذي فعله ولا يزال يفعله أردوغان. لكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو ما الذي فعلته أوروبا للاجئين عموماً، وللمهجّرين السوريين خصوصاً، غير تصوير استقبال ألمانيا أقل من 11 ألفاً منهم منذ عام 2015 كأنه إنجاز تاريخي يسجّل على جبين الإنسانية، حتى تدفع أنجيلا ميركل ثمنه سياسياً من شعبيتها اليوم؟ ما الذي فعلته أوروبا غير إظهار أعلى درجات الازدراء بحياة بشر طالما أنهم من خارج نادي الرجل الأبيض، بالتالي لا يستحقون إلا التعاطي معهم كزبائن للعولمة النيوليبرالية، لا كشركاء فيها. هي العولمة التي قامت على مبدأ فتح الحدود أمام البضائع والسلع، لا أمام حركة البشر. ماذا فعلت أوروبا لشعوبٍ هاربةٍ من موتها المحتم غير البحث في أفضل أشكال إعادة الشرعية إلى أنظمة دموية هي السبب في مأساة الملايين الذين تتبرّم منهم أوروبا، أو تتركهم يموتون غرقاً أو جوعاً أو برداً؟ ما الذي فعلته أوروبا غير بناء جدرانٍ في وجههم، وتعزيز أمن حدودها بكلفة وصلت إلى 15 مليار يورو، بحسب ما يخبرنا أحد أرقى من أنجبتهم أوروبا، جان زيغلر، أو توظيف نخبها قضيتهم في شعاراتٍ شعبويةٍ يمينية متطرّفة عند كل استحقاق انتخابي؟
هذا ما يتعلق بما فعلته حكومات أوروبا للهاربين من الموت في بلادهم. أما ما يتعلق بشعوب أوروبا، فهم، بلغة زيغلر نفسه، “يمسكون بسلطة العار”. صحيحٌ أنه يصعب شمول كل الأوروبيين اليوم في فئة واحدة اسمها كارهو الأجانب الفقراء، على الرغم من المد الشعبوي والفاشي القياسي، وتراجع تيار اليسار الديمقراطي إلى حدود الاضمحلال. ولكن مسؤولية الشعوب الأوروبية عن عدم الضغط بما يكفي على حكوماتهم لتعيد النظر بأدوات التعامل اللاإنساني مع المهجرين، تبقى كبيرة، فالصمت جريمة أيضاً، أو تواطؤ في أدنى تقدير، “لأنني كمواطن أوروبي إذا قرّرت السكوت كل هذه الفترة، أكون قد شاركت في مؤامرة الصمت التي تسمح بحصول مثل هذه الانتهاكات” بحق اللاجئين في مخيمات جزيرة ليسبوس اليونانية التي زارها زيغلر، صاحب التصريح، في مايو/ أيار الماضي، وكتب عنها مؤلفه “ليسبوس، عار أوروبا”.
يعترف الاتحاد الأوروبي بأن تركيا التزمت ببنود اتفاقية 2016 من طرف واحد تقريباً، بدليل أن “وصول اللاجئين غير المنتظم (إلى أوروبا) أصبح أقل بنسبة 97% عن الفترة السابقة منذ بدء سريان الصفقة، في حين انخفض عدد المفقودين في البحر بشكل كبير”، بحسب ما ينص بيان صادر عن الاتحاد أخيراً.
في المقابل، لا المبلغ الكامل دُفع للسلطات في أنقرة، ولا أزيل حاجز تأشيرة الدخول من طريق المواطنين الأتراك الراغبين بدخول منطقة شنغن. وما الخلاصة التي فهمها قادة الاتحاد من فتح تركيا الطريق أمام المهجّرين أخيراً باتجاه البحر أو صوب الحدود اليونانية؟ دراسة احتمال إبقاء 1500 قاصر وقاصرة ممن بلغوا الأراضي اليونانية منذ أكثر من أسبوع. استهزاءٌ كهذا لا تليق به أكثر من مشاهد اعتداء الشرطة اليونانية على عابري الحدود. سلوكٌ كهذا هو ترجمة حرفية للموقف الأيديولوجي الذي كان يجسّده بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر بعبارته “الاتحاد الأوروبي هو نادٍ مسيحي”.
ومثلما يخبرنا جان زيغلر نفسه، فإن استقبال اللاجئين في أوروبا، ومقاومة سياسات أردوغان في هذا الشأن، أمر ممكن.
آرنست خوري
العربي الجديد