لا شكّ أنّ الاتفاق النووي الذي انتهت إليه المفاوضات بين مجموعة الخمسة زائد واحد وإيران يتيح لهذه الأخيرة أن يكون لها دور إقليمي، ولكنّه دور يسير وفق الإستراتيجية الأميركية ولا يخرج عن قواعدها.
ويعتبر أيّ استغلال من قبل لطهران للاتفاق بغاية الهيمنة على الإقليم أمرا مرفوضا بالكامل من طرف القوى الإقليمية الأخرى الرافضة للتمدد الإيراني وعلى رأسها دول الخليج العربي وتركيا وحتى إسرائيل، والتي تحاول الضغط على أميركا عبر عقد اتفاقات متعدّدة المجالات مع روسيا والصين، الدولتين الطامحتين لتقاسم النفوذ الدولي مع أميركا. وهذا ما تعيه السياسة الإيرانية كذلك، وتتحرك ضمنه للحصول على دور إقليمي أكبر. غير أنّ الولايات المتحدة بدورها، لا ترى دورا إقليميا لإيران خارج نطاق استراتيجيتها، فهي ربما تقبل بالدور الذي تلعبه في العراق وبدور أقل لها في اليمن. وبالتالي يعدّ الاتفاق النووي انحسارا جديّا للسياسة الإيرانية في كل من سوريا ولبنان وحتى غزة.
لطالما كانت مكانة دول الخليج العربي محفوظة ضمن الإستراتيجية الأميركية، ولكنّ التغيرات التي طبعت سياسة إدارة باراك أوباما الذي سعى إلى عقد اتفاق نووي مع إيران تحقيقا لمجده الشخصي قبل نهاية ولايته الثانية دون إيلاء أهمية لمصالح حلفائه العرب ولتخوفاتهم بشأن أمنهم القومي، بدأت توحي بتغير في العلاقة بين الطرفين. أمّا منطقة المغرب العربي فقد ظلّت لزمن طويل خارج المعادلة الأميركية، وأقرب للتبعية لأوروبا. أمّا العراق فلم يعد له دور إقليمي يعول عليه منذ أن تمّ تفكيك دولته غداة الغزو الأميركي له سنة 2003. أمّا مصر فقد فقدت بدورها بعضا من تأثيرها الإقليمي غداة ثورة يناير 2011، بالإضافة إلى أنّ علاقتها بواشنطن لم تعد كما كانت عليه في السابق، وها هي اليوم تسعى جاهدة لاستعادة ذاك التأثير وذاك النفوذ.
سوريا التي كانت لاعبا رئيسيا في المنطقة، أصبحت كذلك منذ عام 2011 خارج المعادلة، وهي اليوم تعاني خللا جوهريا في دورها، بسبب تعنّت نظامها الذي لم يفهم أنّ هناك ضرورة للتغيير الداخلي، فكانت الثورة في 2011. الأنظمة العربية بدورها رفضت مواجهة الأزمات الاجتماعية العنيفة قبل 2011، فانفجرت وأسقطت ودخلت بعض دولها في حروب أهلية، ولا تزال الأزمات تستهلك شعوب تلك الدول إلى حدّ الآن.
هذا الواقع العربي، تراه أميركا جيدا، وعلى أساسه تصوغ استراتيجياتها، فضُعف العرب أنتج تجاهلا لدورهم في الإستراتيجية الأميركية الجديدة، التي تقُوم على الانسحاب نحو المحيط الهادي ومواجهة الصين هناك، وتمكين الدول الرئيسية في المنطقة؛ تركيا وإسرائيل وإيران في معركة الهادي، وإبقاء العرب في وضعية التبعية لها. وبذلك تحافظ أميركا على النفط والقواعد العسكرية وتحرم العرب من أي دور إقليمي متقدّم. ولذلك فإن دوام هذه الحال ستجعل البلدان العربية تقبع خارج دوائر الفعل الإقليمية وستستثنيهم استراتيجيات الدول العظمى ولن تضعهم في اعتبارها.
وبعيدا عن لغة الوعظ، وانطلاقا من تقييم إيجابي يدفع نحو هذا الخيار، فإنّ الدول العربية تحوز على ثروات مالية وموارد طبيعية يمكنها الاستفادة منها، وكذلك تحوز على طاقات بشرية في مختلف المجالات، وهنالك تراث عمراني ومعالم سياحية طبيعية، والتي يمكن أن تشكل قطاعا سياحيا كبيرا، كما توجد مجالات أخرى تميّزها عن بقية دول العالم.
ولا يكمن الإشكال في الإمكانيات المتاحة أمام الدول العربية بل في متعلق بالسياسات، والتي لا تعي خطر الشروط الدولية المتأزمة والباحثة عن فرص للاستثمار، وبالتالي ستدمر كل إمكانية للتنمية المستقلة وستعيق تلك الفرص.
ويعد الاستناد إلى الشعب عبر الآلية الديمقراطية هو السبيل الوحيد الكفيل بأن يضع حدودا لتدخل الشركات العابرة للحدود والقوميات وتصبح ممارسات الأنظمة أكثر كارثية بتجاهل الشروط الداخلية المتأزمة، والتي فجّرت ثورات شعبية عارمة، وتحولت إلى حروب طاحنة، لا تهدد فقط ليبيا وسوريا واليمن بل كافة الدول العربية.
اللقاءات المكثفة مؤخرا، بين وزير الخارجية الأميركي ونظيره الروسي، واجتماعه مع وزير الخارجية السعودي، ومحاولة الإيرانيين مصادرة ذلك عبر زيارات وزير الخارجية جواد ظريف إلى دول عربية عديدة لتكريس دولته كقوة إقليمية بعد اتفاق النووي، وطرح مبادرة لحل الوضع السوري، توضح ضرورة وجود تنسيق عربي عال؛ ووجود مشروع عربي لكافة المشكلات التي تعصف بدول المنطقة. وفي ظلّ غياب هذا التنسيق وهذا المشروع، سيزداد نفوذ الدول الثلاث تركيا، إسرائيل وإيران.
عمار ديوب
صحيفة العرب اللندنية