امتحان‭ ‬الإنسانية‭ ‬واستراحة‭ ‬الأرض‭!‬

امتحان‭ ‬الإنسانية‭ ‬واستراحة‭ ‬الأرض‭!‬

حسب‭ ‬تقرير‭ ‬لشبكة‭ ‬‮«‬سي‭ ‬إن‭ ‬إن‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬فإن‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬هو‭ ‬‮«‬المستفيد‭ ‬الأول‮»‬‭ ‬من‭ ‬التداعيات‭ ‬التي‭ ‬نجمت‭ ‬عن‭ ‬ظهور‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا‭ ‬المستجد‭ ‬فقد‭ ‬شلّت‭ ‬التنقّلات‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬وتم‭ ‬الحجر‭ ‬على‭ ‬بلدان‭ ‬ومناطق‭ ‬ومدن‭ ‬كبرى‭ ‬بحيث‭ ‬قلّص‭ ‬الحركة‭ ‬الداخلية‭ ‬للبشر‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى،‭ ‬وأغلقت‭ ‬المصانع‭ ‬وأقفلت‭ ‬الملاعب‭ ‬وتحوّلت‭ ‬الساحات‭ ‬العامّة‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬فارغة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬تعج‭ ‬بالبشر‭.‬
وحسب‭ ‬تقارير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬فتك‭ ‬بها‭ ‬الفيروس‭ ‬الخبيث‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تصاعدت‭ ‬فيه‭ ‬أعداد‭ ‬الوفيّات‭ ‬وزادت‭ ‬حالات‭ ‬المرض‭ ‬فقد‭ ‬شاهد‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬ووهان‭ ‬الصينية‭ ‬السماء‭ ‬صافية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬ملبّدة‭ ‬بالدخان‭ ‬وسمعوا‭ ‬أصوات‭ ‬العصافير‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬هدير‭ ‬المصانع‭ ‬وضجيج‭ ‬السيّارات‭ ‬والتماعات‭ ‬أضواء‭ ‬الإعلانات‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬المشهد،‭ ‬ورغم‭ ‬الرعب‭ ‬والعزلة‭ ‬واندفاع‭ ‬الناس‭ ‬بشكل‭ ‬غريزي‭ ‬لشراء‭ ‬الأغذية‭ ‬ومراكمتها‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬الحجر‭ ‬والحصار‭ ‬والجوع‭ ‬وأعداد‭ ‬المرضى‭ ‬والوفيات،‭ ‬فإن‭ ‬ظواهر‭ ‬إنسانيّة‭ ‬جديدة‭ ‬بدأت‭ ‬تنطلق،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬خروج‭ ‬الإيطاليين‭ ‬إلى‭ ‬شرفات‭ ‬منازلهم‭ ‬وحدائقهم‭ ‬وبلاكينهم‭ ‬للرقص‭ ‬والغناء‭ ‬والتعبير‭ ‬عن‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬البقاء‭ ‬وإسماع‭ ‬الآخرين،‭ ‬من‭ ‬المحجورين‭ ‬مثلهم،‭ ‬أصواتهم،‭ ‬وإعلان‭ ‬أشكال‭ ‬التواصل‭ ‬الإنساني‭.‬
من‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬الوباء‭ ‬كان‭ ‬مناسبة‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الحكام‭ ‬والنخب‭ ‬وحتى‭ ‬الجمهور،‭ ‬لإظهار‭ ‬أصناف‭ ‬من‭ ‬العنصرية‭ ‬والغطرسة‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الاستئثار،‭ ‬وإلقاء‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬أجناس‭ ‬وعروق‭ ‬وطبقات،‭ ‬أو‭ ‬تبادل‭ ‬نظريات‭ ‬المؤامرة،‭ ‬والتمسّك‭ ‬بالعقليّة‭ ‬الأمنيّة،‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬باستخدام‭ ‬تطبيقات‭ ‬للتجسس‭ ‬على‭ ‬البشر‭ ‬بدعوى‭ ‬كشف‭ ‬الفيروس،‭ ‬وباعتقال‭ ‬سيدات‭ ‬طالبن‭ ‬بإطلاق‭ ‬المعتقلين‭ ‬المهددين‭ ‬بخطر‭ ‬العدوى‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬أو‭ ‬بتأكيد‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬على‭ ‬خلوّ‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬الوباء‭ ‬رغم‭ ‬تسريبات‭ ‬عن‭ ‬وفيّات‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬سجونه‭ ‬بالمرض،‭ ‬وتحذير‭ ‬منظمة‭ ‬الصحّة‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬‮«‬انفجار‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ضبطه‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬واليمن،‭ ‬فيما‭ ‬رفض‭ ‬الجنرال‭ ‬حفتر‭ ‬هدنة‭ ‬تعطي‭ ‬فرصة‭ ‬لليبيين‭ ‬لالتقاط‭ ‬النفس‭ ‬والاحتياط‭ ‬لإمكانيات‭ ‬انتشار‭ ‬الجائحة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تختار‭ ‬أي‭ ‬طرف‭ ‬عسكري‭ ‬تصيب‭.‬
غير‭ ‬أنه‭ ‬مقابل‭ ‬المشهد‭ ‬‮«‬القياميّ‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يزداد‭ ‬بمواقف‭ ‬الأطراف‭ ‬المذكورة‭ ‬ظلاما‭ ‬وإرهابا‭ ‬ورعبا‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الوباء‭ ‬فرصة‭ ‬لاستراحة‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬الانبعاثات‭ ‬السامّة‭ ‬التي‭ ‬انخفضت‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬وأوروبا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬تلوّث‭ ‬الهواء‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تداعيات‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬الحيوانات‭ ‬والغلاف‭ ‬الأخضر‭ ‬والبحار‭.‬
وبعد‭ ‬حصول‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬‮«‬التوازن‮»‬‭ ‬البيئي‭ ‬غير‭ ‬المقصود‭ ‬للإجحاف‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬الطبيعة‭ ‬حصل‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬الإنسانيّ‭ ‬المقصود،‭ ‬فظهرت‭ ‬مبادرات‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬للتعاطف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وإعلان‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬المساعدة،‭ ‬وصار‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يتواصلون‭ ‬مع‭ ‬أشخاص‭ ‬يعرفونهم‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يعرفونهم،‭ ‬وظهرت‭ ‬شبكات‭ ‬أهليّة‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تعرض‭ ‬خدمات‭ ‬تطوّعية‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يحتاجه‭ ‬العجائز‭ ‬أو‭ ‬المرضى‭ ‬أو‭ ‬الجيران‭ ‬غير‭ ‬القادرين‭ ‬على‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬غذاء‭ ‬أو‭ ‬دواء‭.‬
تؤكد‭ ‬كل‭ ‬الإشارات‭ ‬حاليّا‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬العالميّة‭ ‬المتولّدة‭ ‬عن‭ ‬الوباء‭ ‬ستزداد‭ ‬حدّة‭ ‬وقسوة‭ ‬وأن‭ ‬الملايين‭ ‬سيعانون‭ ‬من‭ ‬المرض‭ ‬أو‭ ‬الجوع‭ ‬وكثيرون،‭ ‬في‭ ‬بلدان‭ ‬الاستبداد،‭ ‬سيعانون‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬البطش‭ ‬والقمع،‭ ‬والنتيجة‭ ‬ستكون‭ ‬منافسة‭ ‬هائلة‭ ‬بين‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانيّة‭ ‬والنوازع‭ ‬الخيّرة‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬الإنسان‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عليه،‭ ‬وبين‭ ‬أشكال‭ ‬الاستكبار‭ ‬والوحشيّة‭ ‬الممزوجة‭ ‬بالبلاهة‭ ‬لأن‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬والأغنياء‭ ‬والمتحكمين‭ ‬بمصائر‭ ‬البشر‭ ‬قد‭ ‬يستطيعون‭ ‬حماية‭ ‬أنفسهم‭ ‬من‭ ‬عواقب‭ ‬أفعالهم،‭ ‬وربّما‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬الوباء‭ ‬حتى،‭ ‬ولكنّهم،‭ ‬مثل‭ ‬الأسرى‭ ‬والمحكومين‭ ‬والشعوب،‭ ‬يعيشون‭ ‬على‭ ‬الكوكب‭ ‬نفسه،‭ ‬ودماره‭ ‬يعني‭ ‬دمارهم‭ ‬هم‭ ‬أيضا‭.‬

القدس العربي