مرّ أسبوع على تكليف الرئيس العراقي برهم صالح لمحافظ النجف السابق والنائب البارز في البرلمان الحالي عدنان الزرفي، بمهمة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة بنسختها السابعة، إلا أنّ الأخير لم يتحرك لغاية الآن بشأن تأليف كابينته الوزارية أو حتى كتابة برنامج حكومته. كما أنه لم يظهر عبر وسائل الإعلام إلا مرة واحدة بخطاب موجه للعراقيين وعد فيه بحزمة إجراءات، من أبرزها الذهاب بالبلاد إلى انتخابات مبكرة خلال عام واحد، وحماية المتظاهرين والكشف عن المتورطين بقتل المئات منهم، فضلاً عن حصر السلاح بيد الدولة العراقية، التي وعد أيضاً بتقوية سلطتها.
الخلافات غير المسبوقة بين المعسكرين الرافض لهذا التكليف والمؤيد له، وجدت فرصة للاتساع أكثر، مع تراجع تأثير التظاهرات العراقية على المشهد السياسي العام في البلاد، بفعل استمرار تسجيل إصابات يومية بوباء كورونا، وتسجيل وفيات أيضاً، وتعليق المتظاهرين أغلب أنشطتهم مؤقتاً، باستثناء سيطرتهم على الساحات وبقاء الخيام منصوبة فيها. فضلاً عن غياب للأسبوع الثالث على التوالي لمرجعية النجف العليا التي كانت خطبها تعتبر عامل ضغط وإحراج في الوقت نفسه للكتل السياسية المتبارية على النفوذ والمحاصصة المبنية على الأسس الطائفية والعرقية التي رسمها الأميركيون منذ غزوهم البلاد عام 2003.
”
لم تفلح جهود المعسكر الرافض لتكليف عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة في حلحلة موقف الكتلتين الرئيستين “سائرون” و”النصر”، للقبول بطرح تكليف اسم آخر
”
ولغاية ظهر أمس، الإثنين، لم تفلح جهود المعسكر الرافض لتكليف عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة، وهم بطبيعة الحال المحور الأكثر قرباً من إيران، مثل “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، وتحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري، الذي يمثل الجناح السياسي لمليشيات “الحشد الشعبي”، في حلحلة موقف الكتلتين الرئيستين “سائرون” بزعامة مقتدى الصدر، و”النصر” بزعامة حيدر العبادي، للقبول بطرح تكليف اسم آخر غير الزرفي، ودفع الأخير للاعتذار عن التكليف. كما أنّ زعيم تيار “الحكمة”، عمار الحكيم، لم يعلن لغاية الآن رفضه التكليف. وتشير مصادر سياسية بهذا الشأن في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ موقفه يميل إلى ضرورة حسم المسألة والذهاب لتشكيل حكومة لمواجهة أزمتي انهيار أسعار النفط التي ألقت بظلالها على العراق مالياً، وكذلك تفشي فيروس كورونا، بالإضافة إلى مسألة الاحتكاك الأميركي مع الفصائل الموالية لإيران في العراق.
في السياق، أدلى عضو في البرلمان العراقي، إضافة إلى وزير بحكومة تصريف الأعمال برئاسة عادل عبد المهدي، بإفادات لـ”العربي الجديد”، بدت متطابقة، حول آخر تطورات الأزمة السياسية العراقية الأكثر تعقيداً منذ سنوات، وأشارت إلى أنّ رئيس الوزراء المكلف فتح فعلاً قنوات اتصال مع الجانب الإيراني المتحفّظ على ترشيحه.
ووفقاً لعضو البرلمان الذي رفض الكشف عن اسمه، فإنّ “هناك صوتين مختلفين يُسمعان في إيران حيال تكليف الزرفي؛ الأول يتمثّل بالحرس الثوري المتحفّظ على التكليف، والآخر يتمثّل بإيران الدولة عبر مسؤولين في الخارجية الإيرانية التي لم تهتم كثيراً للتفاصيل في الفترة الأخيرة، التي يعتبر جزء منها تلك التفاصيل تناحراً سياسياً داخلياً في العراق”. وأضاف النائب أنّ “تطمينات الزرفي للإيرانيين تتعلّق بتبديد شائعات ومعلومات مغلوطة حول كونه محسوباً على المحور الأميركي أو يحمل توجهاً متحاملاً على إيران”.
وكشف النائب نفسه عن أنه “على خط مواز، يتحرك الزرفي باتجاه القوى الرافضة له في العراق بشكل شخصي أيضاً، لكنه لم يتحرك حتى الآن باتجاه القوى العربية السنية أو الكردية، باعتبار أنّ الأزمة داخل البيت السياسي العربي الشيعي، وباقي الكتل تتعامل مع ما تسفر عنه نتائج مفاوضات هذا البيت حيال الأزمة”.
”
رئيس الوزراء المكلف فتح فعلاً قنوات اتصال مع الجانب الإيراني المتحفّظ على ترشيحه
”
بدوره، قال الوزير العراقي الذي رفض الكشف عن اسمه أيضاً، إنّ “الساعات الماضية من اللقاءات التي جرى أغلبها هاتفياً بين قادة الكتل السياسية، لم تسفر عن نتائج، وما زال كل من مقتدى الصدر، وحيدر العبادي، متمسّكان بموقف رفض تحركات القوى المعارضة لاستبدال الزرفي برئيس وزراء آخر”. ووصف الوزير مواقف عمار الحكيم وكتلته بأنها “رمادية وغير واضحة حيال الأزمة”، كاشفاً في الوقت نفسه عن أنّ هناك بوادر تغيير إيجابي في موقف زعيم ائتلاف “دولة القانون”، نوري المالكي، حيال رفضه لتكليف عدنان الزرفي، قد تترجم في اليومين المقبلين بشكل واضح.
وأمس، الإثنين، أصدر ائتلاف “النصر” بزعامة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، بياناً اعتبر فيه الحديث عن حوارات لتسمية مرشّح جديد لرئاسة الوزراء “تنم عن مخالفة دستورية واضحة، بلحظ صدور التكليف عن رئاسة الجمهورية، الأمر الذي لا يحق معه إبطال التكليف والذهاب لمكلّف جديد، قبل انقضاء المدة الدستورية”. وأكّد البيان الذي كشف أيضاً عن استمرار موقف ائتلاف النصر لناحية دعم الزرفي، على “ضرورة إعطاء المكلّف فرصته الدستورية، التزاماً بالسياقات القانونية والتضامن الوطني”.
من جهته، قال القيادي في تيار “الحكمة”، النائب أسعد المرشدي، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “القوى السياسية الشيعية عقدت آخر اجتماع لها مساء الأحد، في منزل زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، وتمّ خلال الاجتماع طرح أسماء بديلة عن الزرفي، من الشخصيات الأكاديمية، من رؤساء الجامعات العراقية، وقد طرحت الكثير من هذه الأسماء ولكن من دون أي اتفاق على واحد منها”.
وأوضح المرشدي أنّ “الاجتماع جرى بمقاطعة تحالف سائرون وائتلاف النصر، فهاتان الجهتان ترفضان تغيير الزرفي، لكنهما أوصلتا رسائل للقوى السياسية الشيعية مفادها أنه إذا اقتنعنا بأسماء المرشحين البدلاء، فسنكون مع الإجماع السياسي الشيعي”. وأضاف أنّه “خلال الساعات المقبلة، ستكون هناك اجتماعات جديدة بين القوى السياسية الشيعية، تنصبّ على محورين؛ إمّا الاتفاق على منح الزرفي فرصة على الرغم من أنّ هذا الشيء صعب حالياً، بسبب وجود رفض قطعي له من قبل تحالف الفتح وائتلاف دولة القانون، أو الذهاب لتحضير بدلاء عنه”.
”
ائتلاف النصر: الحديث عن حوارات لتسمية مرشّح جديد لرئاسة الوزراء تنم عن مخالفة دستورية واضحة
”
بدوره، قال النائب عن تحالف “الفتح” كريم المحمداوي، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “القوى السياسية اتفقت منذ الساعات الأولى لإعلان تكليف عدنان الزرفي، من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح، على تغييره، ورفض التصويت له في البرلمان العراقي”. وأوضح المحمداوي أنّ “بعض الجهات السياسية، حاولت تغيير الموقف السياسي الرافض للزرفي، لكنها فشلت، والاجتماع الأخير (الأحد) أكد على رفضه والاتجاه نحو تغييره، والحوارات جارية لإيجاد البديل عنه، وهناك أسماء طرحت، وستطرح أخرى في الساعات والأيام المقبلة”.
وأكد النائب عن تحالف “الفتح” أنّ “الزرفي، ومن يدعمه من القوى السياسية العراقية، وحتى الجهات الدولية، لا يمكن أن تؤدي إلى نيله الثقة في البرلمان، ولهذا هو لن يمرّ مهما كانت الضغوطات، ولا يمكن توقع تمريره من الأساس”.
في المقابل، أكد مصدر مقرب من الزرفي، لـ”العربي الجديد”، أنّ الأخير شكّل فريقاً مفاوضاً معه، في مؤشر على أنه لا يفكر في الانسحاب من مهمة تشكيل الحكومة. وبحسب المصدر ذاته، فإن الفريق المشكل يتضمّن سياسيين، ونواب سابقين، وشخصيات نجفية معروفة، موضحاً أنّ رئيس الوزراء المكلّف “قد يبدأ بحراكه، من خلال فريقه التفاوضي، باتجاه القوى السياسية للحصول على أغلبية برلمانية داعمة له في تصويت منح الثقة في البرلمان، حتى وإن استمر رفض بعض الكتل له”.
من جانبه، قال الخبير القانوني العراقي علي التميمي، في حديث مع “العربي الجديد”، إنّ “تغيير الزرفي يكون من خلال طريقتين فقط، أمّا يقدم اعتذاره، أو تنتهي المهلة الدستورية من دون تصويت البرلمان على منحه الثقة”. وأوضح التميمي أنّ “الاتفاقات السياسية، لتغيير رئيس الوزراء المكلف، لا قيمة قانونية ودستورية لها، فهذه الاتفاقات لا يمكن تنفيذها إلا بعد اعتذار الزرفي أو عدم حصوله على ثقة البرلمان”.
عربي جديد