الصدر ينصاع لإيران ويتراجع عن دعم الزرفي

الصدر ينصاع لإيران ويتراجع عن دعم الزرفي

بغداد – يوشك رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر على الانحناء لضغوط القوى السياسية الموالية لإيران، الساعية إلى استبدال رئيس الوزراء المكلف عدنان الزرفي بشخصية أخرى.

وأبلغت مصادر سياسية “العرب” بأن ممثلين عن الصدر استمعوا خلال الأسبوع الجاري، للمرة الأولى، لخيارات القوى السياسية الشيعية الأخرى بشأن بدلاء الزرفي المحتملين.

ورغم أن ممثلي التيار الصدري ما زالوا يرون في الزرفي فرصة مهمة خلال المرحلة الحالية التي تشهد اضطرابا دوليا كبيرا بسبب أزمة كورونا الكونية، إلا أن مجرد جلوسهم للاستماع إلى قائمة بدلائه تطوّر قد يضر بحظوظه.

ولم تصدر عن ممثلي الصدر، حتى الساعة، أي مواقف علنية توحي بإمكانية التخلي عن الزرفي. لكن مؤشرات عديدة توحي بأن خطة القوى السياسية الشيعية الموالية لإيران، الرامية إلى محاصرة الزرفي سياسيا، تحقق النجاح.

وكلف الرئيس العراقي برهم صالح، الأسبوع الماضي، محافظ النجف الأسبق القيادي في ائتلاف النصر، عدنان الزرفي، بتشكيل الحكومة الجديدة، بعدما فشلت القوى الشيعية السبع في العراق في التوافق على مرشح محدد، وانتهاء المدة الدستورية المخصصة للمشاورات من دون نتيجة.

ومنذ تكليف الزرفي، وقف الصدر إلى جانب قرار الرئيس صالح، في مواجهة رفض صارم أبدته جميع القوى الشيعية الموالية لإيران، متهمة الزرفي بأنه “صبي” الولايات المتحدة، حيث أمضى فيها سنوات عدة قبل عودته عام 2003.

وحتى الآن، لم يتمكن الزرفي من بدء المفاوضات السياسية لتشكيل كابينته الوزارية، بالرغم من انقضاء نحو نصف المدة المخصصة دستوريا لهذه المهمة، وهي شهر واحد.

ويلعب الشيعة المقربون من إيران ورقة الرئيس برهم صالح مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني.

وتقول القوى الموالية لإيران إن الرئيس صالح تجاوز حق الأحزاب الشيعية في احتكار منصب رئيس الوزراء وكلف الزرفي الذي لا يحظى بإجماع ممثلي المكون.

وعلمت “العرب” أن هذه القوى أوصلت إلى البارزاني رسالة تتضمن استعدادها لمناقشة فكرة طرح الثقة برئيس الجمهورية عقابا له على ترشيح الزرفي، واستبداله بشخص آخر يرشحه الحزب الديمقراطي الكردستاني، لقاء الامتناع عن دعم الزرفي.

ورغم الحواجز الدستورية والقانونية المعقدة التي تعترض طريق المساس بموقع الرئيس، إلا أن القوى الشيعية الموالية لإيران تعتقد أنها تملك الأغلبية اللازمة في البرلمان، في حال التحقت الكتل السنية والكردية الكبيرة.

وأراد البارزاني بشدة منصب رئيس الجمهورية لأحد المقربين منه، وهو فؤاد حسين، الذي أصبح وزيرا للمالية في حكومة عادل عبدالمهدي، لكن برهم صالح هو من انتزع الإجماع.

وكادت هذه القصة تتسبب في شرخ سياسي كبير بين البارزاني والقوى الشيعية، التي جاءت اليوم لتعوض الزعيم الكردي المخضرم، عما باتت تصفه بأنه أكبر أخطائها، المتمثل في دعم برهم صالح.

في غضون ذلك أقر ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، الذي ينتمي إليه الزرفي، بوجود مشاورات لاستبدال رئيس الوزراء المكلف، معتبرا الأمر “مخالفة دستورية”.

وقال ائتلاف النصر إن “الحوارات الجارية حول تسمية مرشح جديد لرئاسة الوزراء تنم عن مخالفة دستورية واضحة، بلحظة صدور التكليف عن رئاسة الجمهورية، الأمر الذي لا يحق معه إبطال التكليف والذهاب لمكلف جديد قبل انقضاء المدة الدستورية”، مشيرا إلى ضرورة “إعطاء المكلف فرصته الدستورية، التزاما بالسياقات القانونية والتضامن الوطني”.

وتقول مصادر سياسية إن زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي يقود شخصيا جهود محاصرة الزرفي، مستغلّا صلاته الواسعة في الأوساط الشيعية والسنية والكردية.

وليس واضحا حتى الآن ما إذا كان المالكي يصفّي حسابات شخصية قديمة مع الزرفي أم أنه مجرد منفذ لقرار إيراني يقضي بالتصدي للزرفي.

ورفضت مصادر في اتحاد القوى، أبرز القوى السياسية السنية، بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، التعليق على معلومات تشير إلى أن الأخير اشترط على الزرفي الحصول على التوافق الشيعي بشأن تكليفه، قبل الجلوس إلى طاولة مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة.

ويصنف الحلبوسي ضمن الأطراف الداعمة لصعود الزرفي، لكن موقفه الأخير، في حال صحت الأنباء التي تحدثت عنه، سيشكل مصدر قلق كبير لرئيس الوزراء المكلف.

وتبدو الأحزاب الشيعية، وجميعها موالية لإيران، في أضعف حالاتها وهي تواجه استحقاقا دستوريا، لطالما تغلبت عليه من خلال ما كانت الإرادة الإيرانية – الأميركية المشتركة تفرضه باعتباره أمرا واقعا.

واعتبر مراقب سياسي عراقي أن ما تسعى إليه الأحزاب الشيعية وهي تعلن عن رفضها ترشيح الزرفي أن كل حزب يرغب في الاستمرار في الحصول على حصته من الدولة من غير نقصان، وهو ما لا يطمئن إليه البعض بسبب عدم اطمئنانه إلى ما يمكن أن تخبئه المرحلة المقبلة من تغيرات في ميزان القوى قد تطيح بمصالحه أو تثلمها.

واستبعد المراقب أن يكون مصدر الاعتراض في شخصية الزرفي، بل هو في الطريقة التي تم ترشيحه من خلالها والتي يُعتقد أنها قامت على تواطؤ بين مقتدى الصدر وبرهم صالح من أجل تضييق الخناق على الآخرين.

وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” “لأن سلة المعترضين صارت فارغة فقد تم اللجوء إلى ترشيح عدد من الشخصيات الأكاديمية التي لم يسبق لها العمل في السياسة تحت غطاء ترشيح شخصية مستقلة مجهولة على مستوى الانحياز السياسي لقيادة المرحلة المقبلة، وهو ما لا ينال أدنى نصيب من النجاح”.

وأضاف “ليس ذلك الإجراء سوى ورقة ضغط على الزرفي من أجل ألّا ينزلق وراء الخطاب الداعي إلى الاستجابة لمطالب المحتجين وتشكيل حكومة لا تتدخل الأحزاب في اختيار أعضائها”. وتهكم المراقب على التوقيتات والضوابط الدستورية التي تم تجاوزها، مؤكدا أن الحديث عن الضوابط الدستورية التي تم اختراقها من قبل رئيس الجمهورية، عبارة عن لغو فارغ.. لذلك يبدو موقف رئيس الجمهورية قويا فيما يسعى الزرفي إلى تحاشي المرور بحقول الألغام من خلال جر الأحزاب إلى الكشف عن حقيقة ما تريد.

العرب