تستغل القوات الأميركية في العراق فترة الليل لعمليات التنقل المروحي وحتى البري، عبر القوافل العسكرية بين القواعد في شمال وغرب البلاد والعاصمة العراقية، بينما لا تنفك طائرات المراقبة المسيرة عن التحليق فوق تلك القواعد، وذلك ضمن تفاهم سابق مع السلطات العراقية، بأن تكون أنشطة تلك القوات وقوات التحالف الدولي أيضاً ليلاً، ما بدا أنه محاولة من بغداد لتلافي ضغوطات سياسية من قوى وفصائل مسلحة كانت تستخدم عادة مقاطع مصورة لحركة تلك القوات نهاراً لتعزيز خطابها الرافض للوجود الأجنبي، عدا عن كون التحرك أكثر أمناً ليلاً.
التحركات الليلية للقوات الأميركية، والتي زادت وتيرتها، في الأيام الماضية، وجدت بيئة خصبة للشائعات والأخبار السريعة التي عادة ما تكون تنطلق من مواقع التواصل الاجتماعي، أو مجموعات على تطبيق “واتساب”، مثل الأخبار التي تتحدث عن هجوم أميركي يستهدف قائداً أو شخصية مليشياوية، أو إنزال أميركي داخل المنطقة الخضراء، وغيرها من الأخبار التي عادة ما تروج ليلاً وتتلاشى صباحاً.
ووفقاً لمسؤول عراقي في حكومة تصريف الأعمال الحالية، فإنّ التحركات العسكرية لقوات التحالف الدولي ليلاً “تتم في الغالب بالطيران المروحي، بين قاعدة وأخرى أو معسكر وآخر لنقل قوات أو معدات، وزيادتها تندرج ضمن عملية إعادة التموضع التي تجريها القوات الأميركية على وجه التحديد”.
ولفت المسؤول العراقي إلى أنّ “القوات الأميركية تبلغ نظيراتها العراقية بتلك التحركات، قبل عدة ساعات، لغرض التنسيق والتأمين، خاصة إذا كانت هناك حركة تنقلات برية”، موضحاً أنّ زيادتها بالفترة الأخيرة “لها علاقة بعملية تأمين مواقع وجنود التحالف الدولي عموماً بعد الهجمات الصاروخية الأخيرة التي طاولت القوات”.
”
القوات الأميركية تبلغ نظيراتها العراقية بتلك التحركات قبل عدة ساعات، لغرض التنسيق والتأمين
”
وبيّن أنّ “حظر التجول الليلي في أغلب مدن ومناطق البلاد، إضافة إلى أفضلية السيطرة على الجانب الأمني ليلاً من أي هجمات محتملة، هو السبب الأول الذي تجري وفقه التحركات ليلاً بين الساعة 11 وإلى غاية الرابعة فجراً”، مذكّراً بأنّه “جرى في مرات سابقة تصوير أرتال أميركية وأخرى تابعة للتحالف في الموصل وشمال بغداد والأنبار، الأمر الذي سبب مشاكل وأدى إلى تصعيد من قبل فصائل مسلحة عززت خطابها المعادي للوجود الأجنبي”.
والثلاثاء الماضي، اعتبر النائب عن تحالف “الفتح”، الجناح السياسي لمليشيات “الحشد الشعبي” في العراق، فاضل الفتلاوي، التحركات الأميركية الأخيرة في العراق وانسحابها من قاعدة غربي البلاد أنها “بداية لاستعدادها لمغادرة عموم العراق”.
ووصف الفتلاوي، في تعليق حول الموضوع، القوات الأميركية بأنها “متخوفة من وباء كورونا ومن ضربات المقاومة الإسلامية”، في إشارة إلى المليشيات المسلحة المرتبطة بإيران.
في المقابل، قال مسؤولون عسكريون عراقيون إنّ الأرتال الأميركية عموماً، لا تخرج إلا بوجود قوات عراقية ترافقها تعمل على ضبط مسار انطلاقها واستقرارها، وأيضاً تأمينها من أي حادث.
وأكد ضابط في الفرقة السادسة بالجيش العراقي أنّه “لا رتل أميركياً بدون مرافقة عراقية”، مضيفاً: “العراقي بشكل عام يكره وجودهم، ويتذكر أياماً صعبة عاشها في ظل الاحتلال عندما كانت الأرتال الأميركية تقتل مواطنين بالشارع لأتفه الأسباب، لذا فإن وجودنا مهم لأخذهم للقاعدة أو المعسكر الذي يريدون الوجود فيه”.
وأضاف الضابط، لـ”العربي الجديد”، أنّ “تلك التحركات الليلية التي باتت تتكرر بالأيام الماضية مرتبطة بتغييرات تجري في قاعدتي التاجي وبسماية شمال وجنوبي بغداد، اللتين تعرضتا لهجمات صاروخية”، مرجحاً أن تكون الخطة نحو إخلائهما تماماً من قبل قوات التحالف الدولي.
ولا تنقطع الشائعات التي ترافق كل تحرك لقوافل أميركية أو طيران مكثف، خاصة في بغداد، وعادة ما تكون ليلاً وتتلاشى صباحاً، مثل إنزال أميركي أو مقتل قائد بفصيل مسلح، أو قصف يستهدف أحد معاقل المليشيات. ووجدت تلك الأخبار منذ ليلة اغتيال زعيم “فيلق القدس” قاسم سليماني، والقائد بالحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس، مطلع العام الحالي، طريقها بين الناس بشكل أكبر.
وأوضح الخبير بالشأن العراقي أحمد الحمداني أنّ “تلك الأخبار المزيفة قد لا تكون عبثية من مراهقين أو حتى من هواة جمع اللايكات والشير، بقدر ما أنها محاولة لتعويد الذهن العراقي على مثل تلك الأخبار، وقد تكون مقصودة”.
وذكر الحمداني، لـ”العربي الجديد”، أنّ “أغلب تلك الأخبار تكون ساذجة، مثل بيان رقم واحد يذيعه الجيش الأميركي، أو إنزال وقتل فلان وفلان، وكثير منها تروجه صفحات أو حسابات مجهولة ليلاً، وأكثر ما تجد طريقها على تطبيقات الهواتف الذكية على صيغة عاجل وخبر حصري والآن وقبل قليل، وهي فعلاً لا تستحق النفي أو حتى الرد، لكنها في الوقت نفسه قد تكون محاولة تطبيع أو تعويد العراقي على أنه قد يسمع قريباً أخباراً حقيقية مثلها”.
عربي جديد